فيينا / الجمعه 14 . 11 . 03 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
في مشهد يعكس الإهمال والتعديات المتكررة على المعالم والشواخص التاريخية، تواجه مقبرة الانجليز والهنود في البصرة حملة من التشويه والتخريب، حيث امتلأت جدرانها بعبارات غير لائقة مثل “مكتب مجاري” و”كرين سطحي” إلى جانب مظاهر الإهمال الأخرى التي حوّلت الموقع إلى مشهد موحش يفتقر لأبسط مقومات الحماية والصيانة.
وهذه التجاوزات، التي تطال أحد المعالم التي تعود إلى فترات زمنية بعيدة، تثير تساؤلات حول دور الجهات المعنية في الحفاظ على الإرث التاريخي ومنع اندثاره وسط الإهمال والتعديات المستمرة.
تأسست مقبرة الجنود البريطانيين والهنود في البصرة في ديسمبر 1914، حيث دُفن فيها قتلى الجيش البريطاني من الإنكليز والجنود الهنود الذين سقطوا خلال الحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945).
تتألف المقبرة من قسمين متقابلين، أحدهما مخصص للجنود الإنكليز، بينما يضم الآخر رفات الجنود الهنود المسلمين (المحمديين) والسيخ، إضافة إلى قبور بعض الجنود العثمانيين. ووفقًا للوحة الموضوعة عند مدخلها، تحتوي المقبرة على رفات 3,381 جندياً، وتخضع لإشراف هيئة مقابر الحرب لدول الكومنولث.
ورغم مكانتها التاريخية، تعرضت المقبرة لأعمال تخريب وعبث، حيث دُمّرت شواهد القبور ولم يتبقَ سوى بعض النصب والحوائط التذكارية التي تحمل أسماء القتلى والفترات التي قُتلوا فيها، مما يهدد هذا الإرث التاريخي بالاندثار وسط غياب الاهتمام والحماية.
أحزاب تحاول الاستحواذ على أرض المقبرة
علي العبادي، رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، أكد في تصريح لمنصّة “الجبال”، أن “مقبرة الجنود البريطانيين والهنود في البصرة تعرضت لأعمال تخريب وتشويه متكررة، دون أي تدخل يُذكر من الجهات المعنية، رغم المناشدات المستمرة لحمايتها”.
وكشف العبادي، عن “محاولات بعض الأحزاب والجهات الاستحواذ على أرض المقبرة عبر التهديد بنقل الرفات”، معتبراً ذلك “تعدياً صارخاً على الإرث التاريخي”.
وبين، أن “التحالف الدولي والمملكة المتحدة، سبق وأن طالبا بالحفاظ على الموقع، لكن الاهتمام ظل محدوداً”.
ولفت إلى “تجاوزات عمرانية تحيط بالمقبرة، مما يزيد من تشويهها وإهمالها”. داعياً وزارة الثقافة والبلديات إلى “التدخل العاجل لحماية المقبرة ومنع أي اعتداءات عليها”، مؤكداً أن “الحفاظ على هذه المعالم مسؤولية وطنية للحفاظ على تاريخ المدينة وتراثها”.
أحمد حسين، أحد سكان منطقة الحكيمية في البصرة، عبّر عن استيائه العميق من الإهمال الذي يطال مقبرة الجنود البريطانيين والهنود في المدينة، وذلك في حديثه مع منصّة “الجبال” قائلاً: “المقبرة ليست مجرد مكان لدفن الجنود، بل هي جزء أساسي من تاريخ البصرة وثقافتها. الإهمال المستمر لهذا المعلم التاريخي يؤلمنا جميعًا، فهي تحمل قصصًا هامة عن فترات مفصلية في تاريخ المدينة”.
أشار أحمد حسين إلى أن “هناك العديد من المناشدات التي وجهت إلى الحكومة المحلية والمركزية من أجل حماية المقبرة، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات جادة في هذا الصدد حتى الآن”، موضحاً “نحن على علم بأن العديد من الجهات الدولية، بما في ذلك المملكة المتحدة، طالبت بالحفاظ على المقبرة، لكن للأسف لم نرَ أي دعم حقيقي من الحكومة العراقية لحمايتها بشكل فعّال، لذلك نطالب الحكومة، ووزارة الثقافة، والبلديات، بالتدخل السريع لحماية هذا المعلم التاريخي، الذي يجب أن يبقى محفوظاً بعيداً عن أي تخريب”.
وأضاف أننا “نرى التعديات مستمرة على هذا المعلم التاريخي، فهناك محاولات لاستحواذ بعض الأطراف على الأرض عبر تهديدات بنقل الرفات، وليس الكتابات فقط وهذا أمر غير مقبول. لا يمكننا السكوت على هذا العبث بتاريخنا وتراثنا للأسف، هذا الإهمال ليس فقط تجاه المقبرة، بل أيضًا تجاه قيمنا الثقافية التي يجب أن نعتز بها ونحافظ عليها”.
كتابات غير أخلاقية
قال عضو مجلس المحافظة حيدر المرياني في تصريح لمنصّة “الجبال”: “لقد رفعنا العديد من المناشدات بخصوص الكتابات غير الأخلاقية التي شوهت المقبرة، وهذه ليست مجرد مشكلة سطحية بل قضية كبيرة تمس تاريخنا وهويتنا. المقبرة ليست فقط مكاناً لدفن الجنود، بل هي شاهد على مرحلة حاسمة في تاريخ العراق، وبالتالي يجب أن نعمل على حمايتها من أي تشويه”.
ولفت المرياني، إلى أن “هذه الكتابات تؤثر على قدسية المكان وعلى الذاكرة التاريخية، ونحن بحاجة للتعامل مع هذا الموضوع بعمق أكبر وليس محو فقط، لأن ما نفعله اليوم سيؤثر على الأجيال القادمة الحفاظ على هذه المعالم التاريخية ليس واجباً فقط، بل هو مسؤولية وطنية تحتم علينا أن نتصدى لهذه الأفعال المشينة”.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات