فيينا / الأثنين 28. 04 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
محمد النصراوي
في أحد أزقة بغداد القديمة، تجلس أم حسين قرب النافذة، تمسك بيدها مروحة يدوية، تُهوِن بها على رضيعها الذي لم يعرف طعم النوم منذ إنقطاع التيار الكهربائي قبل خمس ساعات، على الطاولة فانوس نفطي، لم يُستخدم منذ سنوات، لكنه عاد اليوم ليصبح منقذ العائلة في الظلام، بعد أن توقف المولد بسبب نفاد الوقود، انقطاع الكهرباء الوطنية كالعادة دون سابق إنذار أو إعتذار.
هذه ليست لقطة سينمائية من فيلم خيالي، بل مشهد يومي يتكرر في منازل العراقيين منذ أكثر من عشرين عاماً، وكأن انقطاع الكهرباء بات طقساً وطنياً لا يكتمل يوم المواطن العراقي إلا به.
أزمةٌ مؤقتة، لكنها طالت!
منذ عام 2003، أنفقت الحكومات العراقية المتعاقبة أكثر من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، بحسب تقارير رسمية وشبه رسمية، ومع ذلك، لا تزال منظومة الكهرباء تُدار وكأننا في قرية صغيرة في القرن التاسع عشر.
بُنيت محطات، وتعاقدوا مع شركات، وأُطلقت وعود قبل كل صيف وبعد كل شتاء، لكن الناتج على الأرض لا يتجاوز 14 ألف ميغاواط في أحسن الأحوال، بينما الحاجة الفعلية للبلاد تتجاوز 30 ألف ميغاواط، هذا دون حساب التوسع السكاني والعمراني.
المولد… المنقذ والجلاد
في غياب الحلول، ظهر “المنقذ البديل” المولد الأهلي، تحول إلى جزء من الحياة اليومية، يُدفع له اشتراك شهري يفوق أحياناً فواتير الكهرباء في الدول الأوروبية!
المفارقة أن العراقي يدفع للكهرباء ثلاث مرات، الأُولى للدولة (كهرباء وطنية) الثانية لصاحب المولدة، الثالثة لشراء الوقود إن كان لديه مولدة خاصة!
يقول أبو محمد، وهو موظف حكومي من البصرة: “راتبي يذهب بين المولدة والانترنت والماء، الكهرباء تأتي ساعة وتغيب تلاثة، حتى النوم صرنا نحسبه على جدول الكهرباء”
الأزمة لم تخلق فقط تعباً جسدياً، بل أثرت على نفسية المواطن، الأطفال لا يستطيعون الدراسة بهدوء، المرضى يعانون من حرارة الصيف، والتجار يخسرون بضائعهم بسبب إنقطاع الكهرباء وتوقف منظومة التبريد.
“الكهرباء الوطنية جيدة، بالتنسيق مع المولدة” هذا لسان حال مسؤولي الكهرباء في كل صيف، لا يتحسن واقع الكهرباء إلا بالإعتماد على المولد، في بعض الأحيان يُخيل إلي أننا نملك في العراق وزارة المولدات وليست وزارة الكهرباء!
منذ أكثر من عقد، أُعلنت عشرات المشاريع لتطوير قطاع الكهرباء، من بينها عقود مع شركات ألمانية وتركية وإيرانية، وحتى إتفاقات مع دول الجوار لإستيراد الطاقة، ومع كل خطة، تُزرع الآمال ثم تذبل مع أول صيفٍ حار.
“المشكلة فنية فقط، بل هي مافيات، فساد، وتداخل صلاحيات، والضحية هو المواطن” حسب تصريح أحد مهندسي الطاقة.
السؤال المؤلم الذي يتكرر: إلى متى؟
كلما ظن المواطن أن حلاً يلوح في الأفق، يعود الظلام أقسى من السابق، حتى صارت العودة للفانوس – رمز الماضي – حلاً أكثر واقعية من إنتظار الكهرباء الوطنية.
في النهاية، لا أحد يعرف هل سيتحول “ملف الكهرباء” إلى قصة نجاح كما وُعدنا مراراً، أم أنه سيبقى يُكتب بنفس الحبر الذي تُكتب به قصص الإنتظار الطويل، كون المواطن لا يجد ما يضيء ليله سوى صبره.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات