السيمر / الأحد 05 . 03 . 2017 — مع تواصل وتصاعد الحراك الجماهيري وما افرزه من معطيات جديدة، ومع استمرار فشل وعجز القوى المتنفذة عن حل الازمة البنيوية العامة التي تلف بلدنا وما سببت من تدهور مريع على الصعد كافة، وتحسبا للتطورات المحتملة بعد تحرير اراضي وطننا من سيطرة داعش وقرب هزيمته، وتزامنا مع استحقاقات الانتخابات القادمة، تشهد بلادنا حراكا سياسيا غايته الاساسية اعادة ترتيب اوراق المتنفذين المتحاصصين، حفاظا على مصالحهم ومغانمهم وانفرادهم بالقرار والسلطة. ومن بين عناوين هذا الحراك الترويج من جديد لتشكيل حكومة اغلبية قوية. حكومة لا يتردد البعض في الحديث عن شدة مركزيتها، في غياب الوضوح الكافي بشأن برنامجها واهدافها وآلية تشكيلها.
وبصرف النظر عن عناوين هذه الاغلبية، السياسية او الوطنية، يثير الحديث بها في الوقت الحاضر مجموعة تساؤلات لا ترتبط باصل المفهوم، وانما بنوايا الداعين الى هذه الاغلبية، وهم اساسا من المتمسكين بالمحاصصة، اللاعنين لها لفظا والمتشبثين بها ممارسة .
فعن اية اغلبية يتحدثون؟ عن اغلبية سياسية ذات برامج واضحة ومحددة تقوم على مبدأ المواطنة اساسا، ام عن اغلبية عددية لمنتسبي كتل طائفية واثنية؟
معلوم أن اصل الطروحات في خصوص تشكيل حكومة الاغلبية، أثار تحفظات ترتبط بطبيعة الكتل المتنفذة التي تعلن عن كونها ممثلة لطوائف واثنيات، ما يعني ان الأغلبية ستكون لممثلي طائفة أو مكون معين، مع مشاركة رمزية محدودة لاطياف مجتمعية أخرى. ومن اجل الرد على هذه التحفظات اقدم اصحاب فكرة الأغلبية على مراجعة طرحهم، وصاروا يقولون انهم انما يدعون الى “اغلبية سياسية” يمكن ان تضم قوى من انتماءات قومية ومذهبية مختلفة، تتفق على برنامج مشترك.
ولكن عند مقارنة هذه الادعاءات مع الواقع الملموس للكتل والأحزاب السياسية المذكورة، ومع ممارستها السياسية العملية وإدارتها لمفاصل السلطة ومرجعياتها الفكرية ولمجمل خطابها السياسي، تظهر الخصوصية المذهبية أو القومية او الطائفية طاغية بامتياز، ما يثير شكوكا جدية في قدرتها على تحقيق الأغلبية السياسية التي تعلن عنها.
هنا يكمن اساس مأزق مثل هذه الدعوات. والا فان تشكيل حكومة اغلبية هو ممارسة سياسية سليمة من حيث المبدأ سبقنا اليها العديد من الدول التي ترسخت فيها الديمقراطية نهجا وممارسة ومؤسسات حامية لها، والتي فيها احزاب سياسية تتنافس على اساس البرامج، ولا تتدافع على تمثيل المكونات الطائفية او الاثنية والهويات الفرعية واختزالها بشخوص وافراد معينين، كما هو الحال في عراقنا المبتلي بها.
وهناك في بلدان الديمقراطية الراسخة قدر كبير من احترام الرأي والاختلاف والتنوع والتعدد وحماية حقوق الاقلية بالمعنى السياسي، ويتوفر من الضمانات والآليات ما يصون ذلك. حيث الادراك عميق لحقيقة ان ما هو اقلية يمكن ان يغدو اكثرية وبالعكس، بما يضمن تداولا ديمقراطيا سلسا عبر اغلبية سياسية واضحة ومعروفة التوجهات والبرامج. وعلى اساس من هذا تتم المحاسبة والمراقبة لاداء الحكومات واعضائها، فضلا عن الكتل السياسية الممثلة في البرلمان.
والسؤال الملح هنا هو: من يضمن حقوق الاقلية السياسية؟ ان الممارسة العملية تدل على ان السلطات الحكومية عندنا، سابقا وراهنا، لا تطيق الرأي الاخر المختلف وتسعى الى تكميم الافواه باساليب متنوعة، كما لا تطيق الحراك السلمي وخروج المواطنين للمطالبة بحقوقهم المشروعة والمكفولة دستوريا. وقد لجأت الى الاستخدام المفرط وغير المبرر للعنف، بما في ذلك الاستخدام غير القانوني للغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، فضلا عن الحي. وان ما حصل في ساحة التحرير وجامعة واسط يشهد على ذلك، فيما واجب الحكومة توفير الحماية للتظاهرات السلمية وتلبية المطالب المشروعة والعادلة .
ويبقى السؤال المهم: اية اغلبية هذه التي يجري الحديث عنها؟ اذا عدنا الى طبيعة الداعين لها والى ممارستهم الفعلية، وكونهم هم من روّج لاستبدال النظام البرلماني القائم بنظام رئاسي، ولاقامة مركز قوي على حساب اللامركزية المعتمدة دستوريا، فلن يمكننا ان نتوقع الا نسخة محسنة من المحاصصة الطائفية – الاثنية، المزوقة باسماء كتل وتجمعات وشخصيات مدنية .
إن اعتماد مبدأ الأغلبية السياسية يفترض ان يقوم بناء الأحزاب والكيانات السياسية وعملها، على أساس البرامج لا الهويات الدينية أو المذهبية أو الأثنية، وان تكون المواطنة نهجا سائدا في الدولة ومؤسساتها.
وسنبقى نقول: نعم للاغلبية السياسية، ولكن المبرّأة من كل ادران المحاصصات، والمبنية على البرامج السياسية، والتي تعلي شأن المواطنة، ولا تميز بين العراقيين على اساس الدين، او الطائفة، او القومية، او المذهب، او لون البشرة، او الموقع الديني والاجتماعي .
ويقينا ان الحاضنة الطبيعية لمثل هذه الاغلبية هي الدولة المدنية الديمقراطية التي اساسها العدالة الاجتماعية. فهل من يدعون اليوم الى حكومة الاغلبية قادرون على تحقيق ذلك؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص1
الاحد 5/ 3/ 2017