السيمر / الاثنين 03 . 04 . 2017
معمر حبار / الجزائر
أزور البهية الباهية وهران حفظها الله رفقة جمع من أهل الفكر والأدب، فكانت أول محطة أعالي وهران المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وغابات تكسو العلو وتزيده بهاء، ومناظر ساحرة يحلم بها الكثير من داخل الجزائر وخارجها، تحتاج بعض الرعاية لمن خصّهم الله بهذه الرعاية.
حطّت الحافلة بمعلم يسمى حسب مختلف الترجمة بـ “الصليب المقدس”، وهو عبارة عن كنيسة تعود حسب الإسم إلى الحقبة الاسبانية حين أحتلت الجزائر من طرف الإسبان، و يتصدرها تمثال للقديسة يعلو وهران كلها. ويكتب الزائر بمرارة قائلا: يوضع تمثال القديسة على أعلى الجبل، حيث يعلو العباد، والبلاد، والسطح، والبحر. وأنظر من حولي فأرى سادتنا وأسيادنا من أمثال الأمير عبد القادر، وابن باديس ، يوضعون في الأسفل.
لم يسمح لنا بالدخول لأن المكان يشهد ترميما، وحدثنا الموظف بالقلعة فقال: الفرنسيون يأتون كل شهر أفريل وماي من كل سنة، ويقيمون شعائرهم الدينية بالكنيسة.
صعدنا بعدها إلى الحصن الذي يعود للإحتلال الإسباني للجزائر. وأول ما يلحظه الزائر الإهمال الفضيع ، حيث الطريق المؤدية إلى الحصن خطيرة، وصعبة، وضيقة، وغير معبدة، وكان يكفي بعض الأشغال الخفيفة لتكون الطريق سهلة آمنة مريحة.
حدّثني الأستاذ جيلالي بن فرج Housseyn Djilali Ben Fredj، وهو مهتم بالتاريخ المحلي والتاريخ الجزائري، فقال:
يعتبر هذا الحصن من بين سبعة حصون أنشأها الاحتلال الاسباني، واحتلت وهران من طرف الإسبان سنة 1509، وظلت تحت الاحتلال الإسباني حتى سنة 1734، وحررها الباي بوشلاغم، ثم إستعادها الإسبان بعد 30 سنة، ليحررها فيما بعد نهائيا الباي محمد بن عثمان سنة 1791، بعد زلزال عنيف جدا هدّم الحصون وأضر بقدرات الإسبان. وقال أيضا: يسمى الجبل الذي أنشئت عليه القلعة باسم جبل مٙايْدٙة، وقٙلْعٙة مٙرْجٙاجُو . ويضيف: وسميت وهران بالباهية، نسبة للباي حسان الملقب بالباهي ، وهو الذي سلّمها للمحتل الفرنسي سنة 1831. أقول له: عجيب، نطلق إسم عاصمة غرب البلاد على من سلّم قطعة من أرضنا وعرضنا للغاصب المستدمر الفرنسي.
وأنا أجوب القلعة عبر سطوحها، ومنافذها، ودهاليزها السرية، وقاعات الاجتماع، لفت إنتباه الزائر قوة الإسبان في تلك الفترة، حيث أنهم استطاعوا نقل آلاف الأطنان من الحجارة الضخمة جدا ناهيك عن مواد أخرى إلى أعلى قمة الجبل، وترتيبها بشكل هندسي متين جميل، وهم لا يملكون يومها رافعات ولا ما يعين على الرفع، وتلك ملاحظة مازالت تراود الزائر مذ عاين القلعة لأول مرة.
ثم إنتقلنا إلى حصن ثاني أعلى إرتفاعا من الأول، وبجواره مسجد قيد البناء، وقبة لسيدي عبد القادر الجيلالي البغدادي، التي زرتها رفقة زميلنا Housseyn Djilali Ben Fredj، المهتم بالتاريخ والعارف بحياة أولياء الله الصالحين رضوان الله عليهم جميعا، والذي إستفدت منه كثيرا فيما يخص الحقائق التاريخية، وأعتبره مرجعا أعود إليه في تثبيت أو نفي المعلومات العلمية التاريخية، فله بالغ الشكر والتقدير.
ثم إنتقلنا إلى غار البتولة ، وقد حدثنا أحد المهتمين فقال: هذا الغار لجأت إليه عجوز مغربية سنة 1975 – 1976 ، حين إندلع النزاع الجزائري المغربي، فتم طرد المغاربة المقيمين بالجزائر يومها، فلجأت هذه العجوز للغار لتتخذ منه سكنا يأويها، وسقفا يحميها. وتشاء حكمة ربك، أن يحدثنا زميلنا الشاعر الطيب كرفاح عن معاناته ومعاناة الجزائريين الزائرين للمغرب إبان تفجير مراكش سنة 1994، وحين كانت الحدود يومها مفتوحة، وتكفي السيارة أو قطارا ليلتقي الشعبين على كأس شاي وجلسة عربية أصيلة.
وفي منتصف النهار عرجنا على وسط المدينة وهران، حيث الصخب و ازدحام حركة المرورالتي أفسدت طعم الزيارة، فنزلنا على مطعم وانتظرنا ساعتين بسبب قلة الصحون، فكانت من أسوء ما رأيت في رحلاتي. كيف يعقل لمطعم في وسط البهية الباهية وهران يفتقر للصحون، بسبب توافد 30 فردا فقط، ما يدل على ضعف السياحة والخدمات رغم توفر الإمكانات والتي تفوق الاخرين بكثير؟.
زرنا فيما بعد رفقة الشاعرالأديب طيب كرفاح مكتبة بوسط المدينة، إمتازت مكتبته بفوضى وسوء تنظيم للكتب، وكثرة العمال وكأنهم حراس كلّفوا بحراسة لصوص ومساجين وليس زوار المكتبة، وكان عليهم أن يعينوا القارىء ببعض الرفق، وقليل من الحراسة الذكية التي تطمئن ولا تزعج، وتضمن الأمن، والربح، وعودة القارىء من جديد.
بينما مكتبة بن حليمة التي زرناها، والتي كانت قريبة من المكتبة الأولى، فقد كان صاحبها واعيا بقيمة الكتب والقراءة، مدركا لقيمتها، يساعد القارىء ، مرتبا الكتب بشكل يساعد على البحث والقراءة، ضف لها حلاوة لسان، وحسن بيان. وقد اشتريت كتابين، وهما:
1. PIERRE VIDAL – NAQUET « LA TORTURE DANS LA REPUVLIQUE 1954 – 1962 » , HIBR , ALGERIE, ET MINUIT, FRANCE, 214 PAGES.
2. BOUZIANE Ben Achour « ORAN une ville témoignage », sans édition, sans pages.
صلينا صلاة الظهر والعصر بمسجد معطوش، والذي تبدو عليه أنه مسجد عتيق ومظاهر بعض الإهمال، وما لفت إنتباه الزائر تعليمة أظن أنها مؤرخة بسنة 2010، تحث على وجوب قراءة الراتب، والتحذير من التهاون في قراءة الراتب، وأن قراءة الراتب حافظت وتحافظ على كتاب الله تعالى، خاصة وأن الله تكفل بحفظه.
كان الساحل الوهراني آخر محطة نزورها، وكان فعلا في غاية الجمال لولا أنه بحاجة إلى النظافة الدائمة المستمرة، تحفظ واجهته وتحبب الزائر إليه.