الرئيسية / مقالات / دولة برزانستان

دولة برزانستان

بيار روباري

الإنسان أينما كان وفي أي زمان واحد، الذي يميز بين البشر هو التربية العائلية، درجة العلم والمعرفة، البيئة التي نشأ فيها مثل الحي والمدرسة، والنظام السياسي والإجتماعي الذي عاش في ظله. والإنسان بطبعه كائن شرير، يجنح للعنف ولديه نزعة دائمة للإستبداد والتسلط.
وأي إنسان كان، يساريآ، ليبراليآ، قوميآ أو متدينآ، سينحو هذا المنحى إن لم يقاوم ويوضع حد لغطرسته وتفرده، قبل أن يتحول إلى حاكمٍ مستبد يتحكم بحياة ملايين البشر وهنا يمكن ذكر أسماء مئات الأفراد، من هذه النماذج الشريرة من تاريخنا البشري، ولكنني سأكتفي بسرد ثلاثة نماذج في مقالتي هذه، النموذج الأول هو موضع مقالتنا، والثاني نموذج يساري والثالث نموذج قومي للمقارنة والدلالة، ولتأكيد بأن الأمر ليس محصورآ بتيار معين واحد. ومثل هؤلاء الأسخاص ليسوا بالضرورة أن يصبحوا حكامآ، حتى نكتشف إستبدادهم. فهناك الكثير من المستبدين الصغار، الذين لم تصنح الفرصة لهم بالوصول لكرسي الحكم، ولكنهم مستبدين شرسين ويمارسون إستبدادههم على مستويات مختلفة كالعشيرة، الحزب، المؤسسة، الوزارة أو غير ذلك. والكثيرين من هؤلاء المستبدين الصغار، قد تسمعهم ينددون بالإستبداد ويتحدثون عن الديمقراطية والحرية، وحقوق الإنسان، هذا قبل أن يصولوا للسلطة والمكوث فيها مدى العمر، ومنهم من إستغل الديمقراطية سلمآ للوصل للحكم ومن ثم رماها جانبآ.
فخذوا مثلآ خالد بكداش هذا الثوري والماركسي، تسلط على رقاب الحزب الشيوعي السوري، ورفض التنازل عن منصب الأمانة العامة إلى أن توفى، مما تسبب في إنقسام الحزب إلى عدة أحزاب، وفي النهاية إنتهى الحزب بسبب مماراسات هذا المستبد. ولم يكتفي بكداش بذلك بل ورث الحزب لزوجته من بعده، وزوجته ورثت الحزب لإبنها عمار بكداش، تمامآ كما هو الحال مع عائلة كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية.
تصوروا معي لو أن بكداش هذا المستبد الصغير وصل إلى حكم سوريا، ماذا كان سيحل بالبلد؟ في تصوري لم يكن حال السوريين اليوم، أفضل مما هو عليه الأن. ولا أجد أي فارق بين إستبداد خالد بكداش وحافظ الأسد سوى في المستوى، أحدهم مارس الإستبداد على مستوى البلد، والأخر على مستوى الحزب.
والمثال الثاني، هو القومجي والعنصري أدولف هتلر، الذي ظل ينتقد الحكم الألماني وعدم قدررته على مشاكل ألمانيا الإقتصادية، إستغل النظام الديمقراطي للوصول إلى السلطة، وبعد وصوله للحكم مباشرةً، ألغى النظام الديمقراطي وتحول إلى أكبر مستبد وشرير في العالم، وتسبب في نشوب الحرب العالمية الثانية، التي راح ضحيتها أكثر من 30 مليون إنسان دون أي مبرر.
والأن لنعود إلى نموذجنا الأول، وهو موضع بحثنا في هذه المقالة، ألا وهو رجل الدين وزعيم العشيرة مصطفى البرزاني، الذي كان يتزعم الطريقة النقشبندية وعشيرته في أنٍ واحد.
إن حلم دولة برزانستان أو المشيخة البرزانية، لم تبدأ مع مسعود البرزاني وإنما بدأت مع الده الملا مصطفى. البرزاني الأب منذ إنشاء الحزب الديمقراطي وإنضمام إليه وتسلمه قيادة الحزب، سعى للسيطرة عليه والتفرد بقراراته، وكثيرآ ما كان يتجاوز قيادة الحزب ويتخذ القرارات بمفرده، وهذا ما دفع بأعضاء المكتب السياسي للإعتراض على تلك السياسات ورفضها، ونتيجة لإستمرار البرزاني في تفرده، إصطدم الطرفان وأدى ذلك إلى تقسيم الحزب، ونشوء حزب جديد بقيادة إبراهيم أحمد وجلال الطالباني. ولم يكتفي مصطفى البرزاني بذلك، ولكنه حاول منذ البداية، تحويل الحزب إلى مؤسسة عائلية من خلال جعل ولاء أعضاء الحزب لشخصه، وليس لكردستان وشعبها، ودفع بأقربائه إلى قيادة الحزب وفي مقدمتهم، أبنائه إدريس ومسعود منذ أن كان شابين يافعين.
ومنذ ذلك الحين أخذ البرزاني الأب يتصرف مع الحزب وكأنه ملكي شخصي، وأفراده ليسوا سوى أتباع له على الطريقة النقشبندية، التي تصبغ الهالة والقداسة على شيخها، وتعتبر كلامه منزل وأوامره مطاعة، ولا يجوز الإعتراض عليها. وظل مصطفى البرزاني يقود الحزب، بنفس الطريقة التي كان يقود بها أتباعه من الطريقة النقشبندية المتخلفة. ولم يرحل البرزاني إلا بعد أن مكن أبنائه من الحزب، وورث نجله الأكبر إدريس زعامة الحزب، ولكن الأخ الأصغر لم يخفي طموحه، ودب الصراع بينهما حول القيادة، إلى حسمت الإمور لصالح مسعود فيما بعد، ولكن العائلة كانت متفقة على الإحتفاظ بقيادة الحزب لنفسها، والإستمرار في مشروع بناء دويلة برزانستان.
وبعد أن حُسمت القيادة داخل الحزب لعائلة البرزاني بشكل مطلق، كان الهم الأخر لعائلة البرزاني هو القضاء على منافسيهم في الإقليم، وكانت العقبة الكيداء التي تقف في حلقهم هي جماعة جلال الطالباني، وكل ما جرى من بعدها من صرعات وحروب بين الطرفين، كان يدخل في هذا الإطار وسعي عائلة البرزاني فرض سيطرتها المطلقة على إقليم جنوب كردستان، لكنها فشلت في تحقيق ذلك. هذا لا يعني لم تحقق شيئآ على هذا الصعيد، فقد تمكن مسعود البرزاني بمساعدة قوات السفاح صدام حسين، من دخول مدينة هولير وطرد الإتحاد الوطني منها وإحتلاله، وبدليل منعهم دخول رئيس البرلمان، إلى المدينة مع باقي أعضاء البرلمان عن حركة التغير ووزرائها الأربعة.
ورفض مسعود البرزاني اليوم مغادرة منصبه، رغم إنتهاء مدته الدستورية كرئيس للإقليم، يفسر نظرة هذه العائلة المافيوية للكرد وكردستان، المتطابقة لنظرة بشار الأسد وعائلته للسوريين. وتمسك السيد مسعود بالسلطة هو إستمرار لمشروع بناء تلك الدويلة اللقيطة على حساب الشعب الكردي ودماء أبنائه. وبهذا الخصوص مسعود لا يختلف بشيئ عن المستبد صدام حسين، وحافظ الأسد، وعلي صالح، ومعمر القذافي ونوري المالكي، فمسعود هو الأخر مستبد، ولكن على مستوى أدنى من مستوى اولئك المستبدين المذكورين أعلاه أسمائهم.
وبرأي لن يغادر هذا الفاسد والمستبد مسعود السلطة، إلا بالقوة والثورة عليه كما كان الحال مع مستبدين أخرين سبقوه في الحكم، وبقاء هذا الشخص وعائلته على رأس السلطة ستجلب المزيد من المأسي للشعب الكردي وخلق الأزمات، فوق تلك التي يعاني منها الإقليم والساحة السياسية في عموم كردستان الأن. إن رحيل مسعود وزمرته على السلطة بات أكثر من ضرورة، ومصلحة كردية وإقليمية، لأن المنطقة لا تنقصها مستبدين وفاسدين جدد.

إيلاف