السيمر / الثلاثاء 23 . 05 . 2017
هاتف بشبوش
(هناك حرف واحد يفرّق بين كلمتي الحب والحرب
وهذه كانت طبيعة عشتار ربة الحب والحرب…
من شذرات الذهب في الحب والمحب.. ترجمة شاكر لعيبي)…
محمد حياوي كاتب وروائي وصحفي عراقي من مدينة الناصرية، مقيم في هولندا منذ العام 1996، ماجستير في البنية المعمارية للحرف اللاتيني. محرر للسينما في جريدة Telegraaf الهولندية. يعمل أستاذاً لمادّة الغرافيك والصحافة الجديدة في معهد غرافيك ليزيوم أمسترادم. أصدر ستة أعمال أدبية حتّى الآن والقادم أكثر، من ضمنها “ثغور الماء” رواية ـ 1983″. “غرفة مضاءة لفاطمة” قصص 1986طواف مُتَّصِل” رواية ـ 1989 عن دار الشؤون الثقافية ببغداد. ثم رواية “خان الشّابندر” 2016 عن دار الآداب للنشر والتوزيع في بيروت، والتي هي موضوع بحثنا في هذه القراءة.
يتناول محمد حياوي في روايته الأخيرة “خان الشّابندر” وقائع تاريخ العراق ما بعد السقوط مؤطراً بآيروتيك ممتع عن حال المرأة العراقية التي يصل بها الحال إلى أن تتحول لبائعة هوى نتيجة ظلم ذوي القربى من الدرجة الأولى، كأن يكون الأب كما سنبين لاحقا وهذه هي بحد ذاتها تشكل الألم الحقيقي الذي يزرعه أراذل الرجال الذين لم نسمع عنهم الاّ ماندر لأنهم من الشواذ والمأبونين. ينقل لنا الكاتب ما يحدث في الأمكنة العراقية الشهيرة والأصيلة في العراق لما فيها من أصالة البناء والنفس العراقية الأبية التواقة للنبل والكرم، ومن هذه الأمكنة (خان الشّابندر) في منطقة الحيدر خانة العريقة، الذي اتُخذ إسماً للرواية قيد دراستنا هذه. ومن لا يعرف هذه الرقعة الجغرافية البغدادية، التي كتب عنها الكثيرون وسكنها الطلاب والدارسون في الجامعات والقادمون من بقية المدن العراقية لما فيه من أحياء شعبية بسيطة، وقد كان في قديم الزمان بمثابة بورصة للفضة تُحدد فيه الأسعار بشكل يومي وتجلب سبائك المعدن الثمين بواسطة السفن حتّى شريعة القشلة ومن هناك يحملونها على ظهور الحمير حتى الخان، وهذا مانقله أحد شخصيات الرواية (مجر) العجوز الصوفي الغامض.
إستطاع الكاتب أن يجسد الحب بشقيه، الوقتي الحميمي والدائمي المتعارف عليه كالزواج. الحب الوقتي الذي ينشأ في ماخور أو بيت للدعارة حيث تعجب أحدى الفتيات بفتىً شهم يعرف كيف يحترم الفتاة حتى لوكانت بائعة جسد من أجل القوت. استطاع الكاتب أن يصف الغرام والغزل والجنس العفيف دون الإيغال والتعمق في ممارسة الجنس كما فعلها برهان الشاوي الذي تخطى كل التابوات وإستطاع أن يعطينا واقع حال للمارسة الجنسية والجنس الذي هو بطبعه لايعرف الأخلاق، فلكل روائي وجهة نظر في هذه الزاوية الحساسة.
محمد حياوي إستطاع في هذه الرواية التي تجاوزت المائة وسبعين صفحة أن يروي المأساة الحقيقية للمناضلين الذين عشقوا دروب السياسة والنضال من أجل الوطن في زمن البعث المجرم. الكاتب ينقل لنا حالة المثققف المغترب الذي يعود لوطنه بعد فراق مرير وما يشاهده هناك من غرائبيات لا تصدق أو ما سيجده مقارنة لمايعيشه في بلدان الغرب الديمقراطية التي تحترم الإنسان وتحفظ له حقوقه. الرسالة الأخرى التي أراد إيصالها لنا هي ما يفعله المجرمون اليوم والملتحون بإسم الدين وممارساتهم الإجرامية علاوة على الزنى الذي يرتكبوه بمسميات اخرى كالمتعة مع إحدى العاهرات في الماخور الكائن في خان الشابندر كما سنبين لاحقا.
ملخص الرواية يدور حول شخصا مغترب (علي) أبعدته المنافي نتيجة الظروف القاهرة للعراق، ثم يعود بعد السقوط ولا بد لكل طائر أن يرجع الى عشه ولو بعد حين أو لفترة من الزمن. هذا الشخص صحفي لديه مهمة بحث اجتماعي عن اماكن الغواني والمواخير العراقية ومايدور في فلكها من أسرار وخبايا ومآسي ألمّت بنساء العراق والسبب الذي جعلهن يتخذنَ هذا الطريق غير اللائق بهنّ كنساء، أن المرأة لا يمكن ان تبيع جسدها بسهولة مهما كانت، سواء في العراق، أو الواقواق أو البورما، مهما كان دينها سنتويسي، هندوسي، عابدة الفرج، عابدة الشيطان، بوذية، مسلمة، مجوسية.. الخ، لا يمكن لها أن تجلس وتنادي أنا اريدُ أن أجلس عند تقاطع أربعِة طرقٍ وأنادي تعالوا فهنا من تبيع نفسها مقابل رغيف العيش. لكن رغم ذلك فأن البغي يتواجد منذ نشوء التاريخ وحتى الآن نتيجة الظلم الواقع على المرأة.
بطل الرواية (علي) يريد أن يعرف خبايا هؤلاء النساء، مثلما فعلوها يوما وفي زمن القادسية اللعينة، حيث إزداد البغي بشكل كبير، فقامت فرقة اجتماعية بعمل بحث حول نساء حي الطرب في البصرة والكمالية، وغجر الديوانية والسماوة وبعض المحافظات الأخرى التي تتواجد فيها مثل هؤلاء الغواني. بالمناسبة هذه الأماكن لايتوفر منها في بعض مناطق العراق الأخرى لأسباب تتحكم بها الحكومات السابقة، أي لا يمكننا أن نجد مواخيراً في الرمادي أو تكريت وغيرها، لكننا نستطيع إيجادها في العديد من مناطق الجنوب. هذه الفرقة التي عملت بحثا إجتماعيا حول الغواني وجدت العديد منهن وبنسبة لا بأس بها إتخذنَ هذه المهنة نتيجة الحاجة الماسة الى الجنس وجئن الى مناطق غريبة عن محافظاتهن ليمارسن الجنس بطلاقة وحرية كسراً للكبت والحرمان الذي تعاني منه المرأة العراقية والرجل العراقي على حد سواء، وهذه في أغلب دول الشرق المتخلف، إذا ما استثنينا المغرب وتونس لما فيهما من تأثير واضح في ثقافة الغرب وتقاليده. ثم وجدت هذه الفرقة من أنّ النسبة الأخرى العالية جدا من النساء يبعنّ أجسادهنّ من اجل المال نتيجة الظروف القاهرة التي جعلتهن يهربنّ من أهلهن ولا يستطعن الرجوع اليهم مرة أخرى، وهو ما سنبينه لاحقا في شرحنا عن بعض الغواني في الماخور الذي هو بصدد دراستنا في خان الشابندر بعد سقوط الصنم والصراع الطائفي على مناطق النفوذ والأحياء.
الكثيرون أيام الصبا والمراهقة التي لاتطاق، قد دخل هذه المواخير وهي بنظر الكثيرين بيوت لا أثر للانسانية فيها، لكنها وحين تدخل اليها تجد المحبة والعطف والحنان من المرأة التي تترائى لك على أنها وقحة وذات لسان سليط، وهذا ما أكده لنا الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز في روايته (ذاكرة غانياتي الحزينات)، وانا اقول انهن ملائكة الرحمة، حيث يعوضنّ لنا الحب الذي نفتقده بالجنس ساعة إشتهائنا. فكم من جنود القادسية اللعينة زاروا حي الطرب (حي تعرِض فيه النساء أجسادهن مقابل المال) لغرض تفريغ شحناتهم الجنسية التي ليست لها مصب أنذاك سوى الرذيلة بمعناها اللغوي فقط، فيذهب هذا الجندي إلى هناك لأن الزواج صعب للغاية، علاوة على عدم وجود اختلاط بالعنصر النسوي، فيلجأ الرجل لممارسة الجنس لتحقيق غروره وحاجته التي طفح بها الكيل وبلغ سيلُ مائهِ خارج صفن الخصيتين، وقد كتبت ذات يوم أنا صاحب المقال عن بعض المواخير في العراق بشذرةٍ بهذا الخصوص…..
أيامَ زمانٍ
كان هناك، ماخورُ واحد في السماوة (الكاولية)
لهُ الفضلُ الكبيرُ
على إطفاءِ شبقِ فتيانِ المدينة
ومثلهُ كان في البصرةِ، حي الطربْ
لهُ الفضلُ الكبيرُ
على إطفاءِ شيطنةِ جنودِ القادسيةِ اللعينة
ــــــــــــــــــــــــــــ
الماخور كتب عنه زيد الشهيد في روايته (أفراس الأعوام)، وفيه الكثير من التأريخ العراقي وكبار الشخصيات العراقية قد مر على هذا الدرب لما في العراق من كبت وعدم إختلاط المرأة بالرجل فيلجأ الرجل بالذهاب الى هذه الأماكن المكتظة بالنساء أو الملاهي وما أكثرها أيام زمان، حيث تكون بيوت الدعارة أحيانا رحمة على المكبوتين ممن لم يعرفوا معنى الأفخاذ البلوطية، لمن أحرقتهم نار الكبت، لمن لم تذق آلة إخصابهم طيب حرثها. حتى أنّ البعض يذهب اليها لغرض تحقيق الصبوات قبل الزواج لجهل الأغلبية الكبيرة من الشباب للعملية الجنسية، فخوفا من الحياء نرى الرجال يرتادون هذه المواخير لتحقيق الرجولة في ليلة العرس.. كما نقرا في الثيمة أدناه لصاحب المقال أيضا:
آآآآآآهٍ
من صباي في بلدي
إذ كنا.. مرغمينَ على نكاحِ البغي
لدخولِ التجربة… قبلَ الزواج!!!!!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
واليوم قي ظل نظام ثيوقراطي ديني تكاد تكون المواخير صفرا مع إزدياد الجريمة الجنسية، حيث أكد علي الوردي الباحث الإجتماعي العراقي على أنه من الضروري أن تتواجد المواخير بشكل علني وأمام الأعين وعرضة للفحص الطبي بدلا من السرية وأمراضها وجرائمها. روائع القصص العالمية والأفلام العربية تحدثت عن المواخير ومنها فلم “أبي فوق الشجرة” لعبد الحليم حافظ ونادية لطفي وقصة الحب العاصف التي نشأت بين الطرفين. لكن نظرة المجتمع الدونية والقاسية جدا على هذا النوع من نساء المواخير جعلت عبد الحليم يبتعد عنها رغما عنه وينتهي الحب بينهما ويموت.
غادة الكاميليا قتلها الحب وهي فتاة ماخور، وحتى اللواتي لم يرتدن المواخير لكنهن نساء جنسيات مثيرات قتلهن الحب والأغراء كما مدام بوفاري بطلة الرواية التي خطها لنا الفرنسي العظيم جوستاف فلوبير.
علي بطل روايتنا هذه (خان الشابندر) يتعرف في الماخور على (أم صبيح …القوادة) ومن ثم الى (ضوية) التي بدورها تعرفه إلى (هند) الفتاة مدرسة الجغرافية. ضوية يعجبها هذا القادم المجهول الذي لم يتردد أمثاله عليهنّ، فهو كما يبدو مثقفا رزينا واثقا يمشي الهوينا. تنجذب اليه ضوية لكنه يقول لها أنا لم أجيء هنا بحثا عن الجنس، أنا أردت فقط أن اٍسألك بعض الأسئلة، لكنها تميل عليه بغنج وإغراء متمرّس وتستدرجه كي يقع بحبائلها فتحصل على المال الذي تبحث من أجله وقيمته ( 25) الف دينار عراقي أعطاها بعد ذلك بيد أم صبيح القوادة وهذه عادة عراقية متبعة حيث القوادة تعمل كمحاسب وكمدير لإدارة الماخور. في النهاية يستطيع الحصول منها على معلومات عن السبب لمجيئها هنا ولماذا تعمل كغانية. فطفقت تحكي بلهجة عامية دارجة نقلها الروائي كماهي بحذافيرها مبتعداعن فصيح الكلام، لكنني أوجز ماقالته ضوية عن حالها:
(كل ما في القصة أن أباها نام معها وهي في عمر الرابعة عشر، أتاها في الليل وهي نائمة ورفع ثوبها، وأولجه فيها، وكانت لا تعرف شيئا، وكان يشخر فوقها وهي مرعوبة ولما انتهى منها، إنتزعه ثم إنسل الى سريره بجانب أمها النائمة التي لا تدري ماذا حصل لابنتها المسكينة من أبيها هذا الوحش الكاسر الدنيء الحقير).
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجزء الثانــــــــــــــــــــــــــــــي