السيمر / الجمعة 16 . 06 . 2017
دانة زيدان / الاردن
تدور الصراعات بين البشر حول أحقية جماعة عن جماعة أخرى ببسط سيطرتها على اقليم محدد جغرافياً منذ بدء الخليقة، وحتى قبل نشوء فكرة الدولة الحديثة بشكلها الحالي، وإنتقال الفرد من حياة الفطرة إلى حياة الجماعة بمقتضى العقد الإجتماعي بين الأفراد والحاكم.
نشهد اليوم حماساً منقطع النظير من قبل الحكومة المصرية، لإهداء جزر ذات موقع إستراتيجي هام، لدولة أخرى على طبق من ذهب. مما يطرح اسئلة كثيرة أولها هل نقل السيادة وإنزال العلم المصري يُهدى طوعاً هكذا ودون أي مقاومة؟
إستضاف الإعلامي “عمرو أديب” وزير الدولة لشؤون مجلس النواب “عمر مروان” في برنامج “كل يوم” لمناقشة حيثيات قضية تيران وصنافير. حيث أقر الضيف بسعودية الجزيرتين، متهماً من يقدم وثائق تاريخية بأنه يريد عمل “شوشرة” كون القضية قانونية ولا معنى للحديث فيها تاريخياً. مضيفاً “هل في جدوى نجيب وثائق تاريخية؟ ما فيش”.
لا أفهم المنطق الذي يستند له الضيف في دفاعه عن سعودية الجزر. كيف يمكن ألا نذكر الوقائع التاريخية في حادثة مفصلية كهذه؟ ففي منطق الوزير بإلغاء التاريخ، والحديث عن الوقائع القانونية اليوم فقط، تصبح فلسطين إسرائيل أيضاً. هل هذه جملة مقصودة؟ لا نستبعد ذلك!
لا شك بأن ما يحدث اليوم في مصر هو جزء من التغيير المتدرج والمبرمج والقائم على كل المستويات في المنطقة. فهنالك شيئ قد ُطبخ من فترة، والآن يجري فرضه على الشعوب، تمهيداً لمرحلة جديدة واضح بأنها مشوهة الملامح تسودها الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية بأدوات عربية.
تعيش مصر اليوم أوضاعاً إقتصادية غاية في الصعوبة، وتهديد مائي بسبب سد النهضة الإثيوبي، عدا عن التهديدات الأمنية التي لم تعد تقتصر على سيناء. وبالتأكيد جاء التنازل عن تيران وصنافير نتيجة للتدخلات الدولية الكبرى، وسطوة البترودولار والمعونات. الموضوع مثلما يبدو ببساطة، ليس سوى إستغلالاً للإرعادات التي تواجه مصر، لإقامة جسر عبور بين الإحتلال ودول جديدة مستميتة منذ زمن لنيل مباركته من خلال شرعنة مرور السفن الصهيونية في المضيق –الذي قد يغدو دولياً عن قريب- لأبد الآبدين ما لم ينهض الشعب المصري ويدرك الأبعاد المستقبلية الكبيرة لما يحدث على أمن مصر القومي.
نعول كما دوماً على الشعب المصري الواعي، وذو الحس الوطني، في رفض الواقع الجديد الذي تحاول السلطة فرضه عليه. ففي نهاية الأمر، المواطن هو الذي يقيم الدولة لا العكس، وشتان بين من يستند لإرث تاريخي، ودولة عميقة، وحضارة، وبين من يستند على دولاراته.
*******
ماراثون مسلسلات رمضان إهدار للمال وإستخفاف بالمشاهد
بالرغم من مضاعفة تكلفة الأعمال التلفزيونية المصرية من مليار لإثنين مليار جنيه مقارنة بالعام الماضي وفقاً للناقد الفني “أحمد سعد الدين” الذي إستضافته قناة “dmc” في برنامج “8 الصبح” إلا أنني حقيقة لم أجد أعمالاً مؤثرة بالقدر الكافي هذا العام.
تفاجئت كثيراً وأنا أستمع للأرقام التي تقاضاها “عادل إمام” عن دوره في عمل “عفاريت عدلي علام” متصدراً أعلى أجر لممثل في رمضان، بالإضافة لتصدر مسلسله أعلى تكلفة إنتاجية في مسلسلات رمضان هذا العام. بالرغم من أنني لم أر أي حدث غير إستثنائي، أو رسالة إنسانية، أو مشكلة مجتمعية يتطرق لها هذا العمل تحديداً.
يزداد الإنفاق على المسلسلات التلفزيونية في كل عام. لا مانع من ذلك. إلا أن التساؤل يبقى عن مدى إنعكاس هذه الأعمال على الأرض؟ فبدلاً من أن نستمتع بأعمال تحمل رسائل هادفة، وواعية، وتنشر قيم التسامح، وتعالج المشاكل الإجتماعية نرى العكس تماماً. حيث المستفيد الوحيد من المارثون الرمضاني للأعمال التلفزيونية هم القلة القليلة التي تتقاضى أجوراً خيالية، لتقدم أعمالاً تافهة فكرياً وتخلو من أي مضمون إيجابي.
لا نقلل إطلاقاً من أهمية الفن، ودوره في الإرتقاء بالمجتمع والإنسان. إلا أن مسلسلات رمضان، والسباق المادي الذي نراه في كل عام، يتنافى مع الهدف الأساسي من الفن والذي يتلخص بتغذية الروح ومنع طغيان المال وتحكمه بالإنسان كما يُعرّفه المحلل النفسي “لاكان جاك”.
*********
غرابيب سود ماذا عن الفكر الإرهابي المستتر حتى اللحظة
ما أن بدأت قناة ال “MBC” بعرض عمل “غرابيب سود” حتى إنهالت على الفضائية الإنتقادات مثل الترويج للتنظيم والمنتمين له، وإظهار النساء الخليجيات كمتعطشات لما يُسمى بجهاد النكاح، وإعتراض عائلة الشهيد الأردني “معاذ الكساسبة” على عرض قصته في العمل، وغيرها العديد من التحفظات المفهومة التي على ما يبدو ساهمت بوقف العمل عند الحلقة 20.
أما الإنتقاد الأغرب الذي سمعته فقد صدر عن رئيس إئتلاف الصحب والآل المصري “وليد إسماعيل” الذي إستضافه الإعلامي “وائل الإبراشي” في برنامج “العاشرة مساء” للحديث عن تحفظات التيار السلفي على العمل ليفتتح الضيف حديثه بجملة طائفية قائلاً: “إعتراضنا على العمل هو بسبب مشاركة شخصيات شيعية بالتمثيل”. مضيفاً: “الشيعة خصوم للمسلمين بصفة عامة”.
لم يتوان “الإبراشي” عن تكرار سؤاله للضيف حول ما إذا كان يعتبر الفظاعات التي يمارسها التنظيم بالجرائم، وسط إصرار غير عادي من الضيف على تجنب نعتها بالجرائم والإكتفاء بوصفها بالفكرة الصحيحة المنفذة تنفيذاً خاطئاً. لم يكتف الضيف بالمجاهرة بطائفيته، والدفاع عن التنظيم، وقوله بأن أفعال الداعشيين لا تصل للمستوى الذي صوره العمل، بل ذهب أبعد من ذلك متهماً الإعلامي “غسان بن جدو” بأنه وراء فكرة جهاد النكاح غير الموجود على أرض الواقع وفقاً للضيف.
بالطبع، هنالك الكثير من رجال الدين المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية، والحاملين للفكر التكفيري حتى وإن لم يفصحوا عن ذلك بشكل صريح إلا أنهم ينتظرون أقرب فرصة لإعلان تضامنهم وتبنيهم للأفكار المتطرفة دون الحاجة للتلون، والتلاعب بالألفاظ. لا نستغرب ذلك. إنما نستغرب إستضافة وعرض وجهات النظر المتطرفة كهذه، والتي يخرج صاحبها بعد ذلك من الأستوديو ويمشي بين الناس آمناً، ومن الممكن أن يقوم صاحب هذا الفكر في الغد بقطع رأس جاره إذا ما سنحت له الفرصة بذلك تأثراً بمؤلف كتاب فقه الدماء، الأب الروحي “لأبو مصعب الزرقاوي” “أبي عبد الله المهاجر” الذي أفتى بأن قطع الرؤوس “محبباً لله رسوله”.
تزداد قناعتي كلما إستمعت لحديث المتطرفين بما يقول “سيجموند فرويد” في كتابه “قلق في الحضارة” “بأن الإنسان ليس بذلك الكائن الطيب السمح، ذا القلب الظمآن إلى الحب، الذي يزعم الزاعمون انه لا يدافع عن نفسه إلا متى هوجم. إنما هو على العكس كائن تنطوي معطياته الغريزية على قدر لا يُستهان به من العدوانية”. لذلك هنالك مسؤولية أخلاقية على الدولة لحماية مواطنها المتحضر من مواطن اخر يتربص به وينتظر الوقت المناسب للإنقضاض عليه فقط بسبب إختلافه معه في الرأي والرؤية.
كاتبة أردنية
رأي اليوم