السيمر / الخميس 26 . 10 . 2017
حازم الشهابي
لقد سعى الإنسان ومنذ وجوده على البسيطة , إلى إيجاد آليات وقوانين وأنظمة مستلة من مدركاته الحسية , وتجاربه الحياتية , لضبط إيقاع الحياة , وتعاملاتها اليومية , وفق منهجية واضحة بينة , ملزمة للفرد والجماعة , كمقدمة و وسيلة للوصول إلى الغاية القصوى من الرقي والتقدم المجتمعي , والحفاظ على الحقوق والواجبات وما يترتب عليها من مكتسبات , أمنية واقتصادية وسياسية, وهذا ما تفرد به الإنسان دون غيره من المخلوقات , وذلك لان حركة الإنسان في الدنيا حركة غائية لها أهدافها , أرُيد من ورائها تحقيق هدف اكبر , يتمثل بالاقتراب والوصول إلى المثل العليا, والبحث عن التكامل .
إن غياب هذه الحزمة من القوانين والأنظمة , أو التراخي في تطبيقها , يؤدي بطبيعة الحال إلى خلق بيئة مثالية, لنمو العديد من الظواهر السلبية المجتمعية , والتي قد تُطور من قدراتها و إمكانياتها المناعية , فيصعب عندئذ تحديدها وتحجيمها في حالة إذ ما تجذرت و تداخلت ببعضها البعض . المليشيات أو الجماعات المسلحة على سبيل المثال لا الحصر, هي واحدة من تلك الظواهر السلبية التي غزت الكثير من دول العلم الثالث على وجه الخصوص , دون غيرها من البلدان المتقدمة , التي تنعم بالازدهار الاقتصادي , والرفاهية المجتمعية وسيادة القانون , إن المتتبع للأحداث وان كان بشكل مقتضب وسريع سيلاحظ دون إن يبذل جهد أو عناء , إن هذه الجماعات , ما هي إلا نتيجة حتمية وطبيعية في ظل وجود مناخات سياسية واقتصادية مضطربة,وعوامل داخلية عديدة مهدت الطريق أمام تصاعد نشاط هذه التنظيمات, , فليس من الغريب وجود هذه الظاهرة, في أجواء تسودها مشاهد الإرباك و الاضطراب السياسي , والتي تنعكس بطبيعة الحال إلى أزمات اقتصادية , ألقت بظلالها على المجتمع بشكل عام , تاركتا في أثار وكدمات ,إنما الغريب في الموضوع ترك الحبل على الغارب, دون وضع حلول ومعالجات وفق معايير علمية دقيقة .
إن غياب سطوة القانون ,أو التراخي في تطبيقه , أو عدم مهنية القائمين عليه , مع أسباب عرضية الأخرى , كانت سببا رئيس ومقدمة , لزعزعة ثقة المواطن بالسلطة التنفيذية , مما حال دون اللجوء أليها والتعويل عليها , في استرداد حقا أو رد مَظلمة ما , مما دفعه للبحث عن بدائل أخرى , من اجل الاستقواء على الخصوم ورد الحقوق , كالعشيرة أو جماعاتٍ مسلحة متنفذة , ليصبح هذا سببا أخر متداخلا ومضافا إلى جملة الأسباب التي أدت إلى استقواء هذه الجماعات وتجذرها في أعماق المجتمع , حتى تكاد تفضي على نفسها شرعية مكتسبة من الشارع, مما أدى إلى خلق نمطية جديدة في المجتمع ,من عدم الاكتراث لمخالفة الأنظمة ,حتى أصبحت سلوك مجتمعي عام , بل تعدت ذلك لتكون ثقافة عامة , وبطولات يتغنى بها الجميع , على الرغم من صيحات المرجعية الرشيدة ونداءاتها المستمرة وتحريمها مخالفة القوانين الوضعية , إلا أنها لم تلاقي صداً لنداءاتها وانعكاساته على المجتمع , بسبب تجذر هذا الظاهرة التي وصلت إلى أعماق البنية المجتمعية . مضافا لهذه الأسباب التي تقدم ذكرها بشكل موجز هنالك أسباب أخرى , تتعلق بالجانب العقائدي والأيديولوجي والسياسي ,لا يسعنا ذكرها والحديث عنها في مقالة واحدة .
فلابد من إن تضافر الجهود , وترص الصفوف ما بين رجال الدين وما لهم من ثقل كبير في المجتمع ,وما بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة , لوضع الخطط والدراسات الإستراتيجية المعمقة , للقضاء على هذه الظاهرة , ومعالجة الأسباب التي أدت إليها , والتثقف والتثقيف بالقوانين لكافة فئات المجتمع , وخلق الثقة من جديد ما بين السلطة التنفيذية والمواطن ……