السيمر / الأربعاء 07 . 11 . 2018
د. لبيب قمحاوي / الأردن
يجدر بمن هو في مؤسسة الحكم أو في موقع المسؤولية أن يشعر بالرعب من ردة فعل العديد من الأردنيين على جُمَل بسيطة جداً توحي بالتفاؤل المحسوب بالقَطْرَة وَرَدَتْ في مقالٍ عام عن الوضع في الأردن . نبض الشارع كان أقوى وأكثر عَفَوية من القدرة التحليلية لأي شخص مهما أبدى من رغبة في تخفيف تلك الجرعة البسيطة والمحسوبة من التفاؤل . وعلى كل مسؤول في الدولة أن يتملكه القلق الشديد من حجم الغضب الكامن والمكبوت في صدور الأردنيين ، مما دفع معظمهم إلى رفض قبول أي مؤشر ولو على جرعة بسيطة من التفاؤل مهما صَغُرَتْ ومهما كانت محسوبة في ظل الاوضاع الكارثية السائدة حالياً . على الحُكْم أن يعي أنه لن يحصد الا ما زرعت يداه، وأنه لا يستطيع لوم الآخرين على شيء لم يفعلوه لأنفسهم أو بأنفسهم وبأنهم بالتالي يَحْصُدون مُرغمين ما زرعه الآخرون لهم وما فعلوه بهم . أن ردَّةِ فعل الشعب تتراوح بين رغبة الأقلية في التفاؤل، ويأس الأغلبية من امكانية تغيير الأمور ، وإفتقادهم الثقة بالتالي بقدرة أو حتى رغبة أي حكومة في الاصلاح والتغيير ، وكأن لسان حالهم يلوم كل متفائل على ثقته في نوايا وقدرات مسؤولين فقدوا ثقة الشعب بهم وبنواياهم بل وبرغبتهم في الإصلاح وقدرتهم عليه .
الشعب يأتي من مشارب مختلفة وخلفيات متعددة ، ولا أحد يزعم بأن الجميع سواسية في قُدراتهم أو في فهمهم للأمور وإستيعابهم لها . ولكن ، وعلى ما يبدوا ، فإن معظم الأردنيين متفقون في تقيمهم للنتائج خصوصاً وأن المعاناة من الجوع أو البطالة أو المرض لا تحتاج إلى علم وشهادات وفلسفة ، ولكنها نتيجة حتمية للواقع الأليم الذي فُرِضَ على غالبية الشعب وأدّى إلى تلك المعاناة والألم المرتبط بالجوع أو البطالة أو المرض.
ماذا يريد الحُكْم من الناس ؟ إستيعاب الحقيقة المُرَّة أم قبول الوهم الكاذب ؟ما هو الأهم والأكثر قُرباً لعقول وقلوب الأردنيين ، مطالب الشعب الحقيقية ، أم أوهام الحُكْم في وعود الرخاء المنتظر والعافية المنشودة من خلال خُطَب رنانة وإعلام فاشل لا يريد أن يعترف بالحقيقة ولا يحترمها ولا يكترث إذا ما حصل عليها الشعب أم لا ؟ إن إنتشار الشائعات كبديل عن الحقيقة المفقودة هو أمر فرضه السلوك الفاشل للمسؤولين ووعودهم الكاذبة مقارنة بمعاناة الشعب ومَطَالِبِهِ الأساسية المُحِقَّة . والشائعات على اختلافها تُعتَبر أحد أهم روافد الموقف السلبي للأردنيين تجاه المسؤولين وغياب الثقة في قدراتهم ونواياهم ، علماً أن السبب في إنتشار الشائعات يعود إلى نهج إخفاء الحقيقة الذي يمارسه أولئك المسؤولين .
أمام الحكم الآن مساران لا ثالث لهما . إِمَّا الاصلاح كنهج جَدِّي ، أو الاستبداد والجبروت والقسوة كبديل عن الاصلاح . ومع أن الأجهزة الأمنية تميل عادة إلى إعتبار قادة الفكر والمجتمع السياسي مسؤولين عن إثارة غضب الشعب ، إلا أن الحقيقة تؤكد أن الشعب غاضب بدون تَدَخُّل قادته وكما إتضح أخيراً من رفض واضح لأي جهد يسعى إلى بث جرعة بسيطة من التفائل ، إعتُبِرَت من قبل الكثيرين غير واقعية ، مع أن هدفها الأساسي هو تخفيف واقع اليأس والألم الذي يعيشه الناس .
الكرة الآن في حضن النظام والحكومة والأجهزة الأمنية لتقرر ما إذا كان الحل يكمن في الإصلاح الشامل أو في القمع الشامل . تَوَاجُدْ العدو لم يعد خارج الحدود حصراً ، بل أصبح أيضاً داخلنا وبين ظهرانينا ، خصوصاً إذا فشل الحكم في إتخاذ القرارات الصحيحة وبشكل سلمي بعيداً عن الاستبداد والعنف والتعسف الذي لن يولد اصلاحاً بل مزيداً من العنف . وعلى الحُكْم ومؤسساته الأمنية أن يعلموا بأن على الجميع أن ينحني أمام الشعب الصامت الصامد المرابط احتراماً لمسيرته السلمية ضد الظلم والفساد ، بصمت حيناً وبإحتجاج سلمي أحياناً ، ولكن دون المساس بأمن الوطن . ان الضغط المتواصل على الشعب واستنزافِهِ كمدخل ووسيلة لإخضاعهِ وكسر إرادته لن يفيد بشيء ، بل قد يؤدي إلى مزيد من الغضب والرفض الشعبي .
النصر للحاكمين ليس شيئاً دائماً أو محسوماً ، تماماً كما أن الهزيمة للشعوب ليست أمراً محتوماً ، وعلى الجميع أخذ الدروس والعبر من التاريخ فلا أحد يستطيع هزيمة شعبه إلى الأبد حتى لو إنتصر في مراحل ما .
إن قهر الشعوب هو فن اخترعته الأنظمة المستبدة ، ولكن القدرة على البقاء والاستمرار والنهوض هي فن إبتكرته الشعوب بغض النظر عن قسوة الاستبداد والمستبدين ، وهذا هو مدعاة التفاؤل الحقيقي بالمستقبل بالنسبة للأردنيين .