السيمر / الأحد 20 . 12 . 2015
أحمد الحباسى / تونس
تم اغتيال المناضل الكبير سمير القنطار بواسطة غارة صهيونية استهدفت مبنى سكنيا في قرية جرمانا السورية ، و رغم نزول الخبر نزول الصاعقة على كل الأحرار في المقاومة اللبنانية و الفلسطينية و العربية عموما فقد تقبلت الجموع العربية هذا الخبر بنصف المفاجأة و نصف علامات الاستفهام المعتادة خاصة و أن الرجل قد نذر نفسه في كل الخطب و المقابلات الإعلامية التي تلت عملية إطلاقه من السجون الصهيونية في صفقة التبادل الشهيرة بين حزب الله و العدو شهيدا ينتظر دوره في قافلة شهداء المقاومة العربية ، و للعلم فان إسرائيل قد توجهت اثر إطلاق سراح المناضل الشهيد بسيل من التهديدات باستهدافه و في هذا المجال فقد تبين مرة أخرى أن إسرائيل لا تمزح في هذا المجال و أن كل الاحتياطات الأمنية التي رافقت مسيرة الرجل في سوريا و في الشمال اللبناني لم تكن كافية أو مركزة بالشكل المطلوب .
من الواضح أن إسرائيل قد خططت جيدا لاستهداف الشهيد سمير القنطار لان النيل من شخصية مقاومة بهذا الحجم ليس عملية أو امرأ سهلا بكل المقاييس الأمنية العادية ، و لان نشاط سمير القنطار داخل سوريا و طبيعة الصراع و التحولات على الأرض السورية يفرضون كثيرا من “المغامرة” و التحرك و تغيير المواقع فقد كان موضوعيا أن تصل المخابرات الصهيونية المتعاملة مع بعض الأجهزة العربية الأخرى إلى نقاط التماس مع الشهيد خاصة و أن هذا الأخير يتحرك في مجال أمنى و جيوغرافى مكشوف في بعض الأحيان نظرا لصعوبات المرحلة و طبيعة التنسيق بين الجيش السوري و كيانات المقاومة و بالتالي فان وجود عميل يتابع تحركات الشهيد ليس أمرا مستحيلا في ظل مثل هذه الظروف ، و هو نفس الاستنتاج الذي رافق في حينه عملية اغتيال الشهيد الكبير الحاج عماد مغنية ، و نجاح هذه العملية النوعية لا ينسب إلى قوة جهاز المخابرات الصهيونية و عملاءها في المنطقة بل هو نجاح متوقع بحكم إصرار الشهيد على عدم التوقف إطلاقا حول طبيعة الحماية المرافقة بقدر تركيزه على نوعية و توقيت الانتصارات المطلوبة من المقاومة لدحر العدوان الإرهابي السعودي الصهيوني الرامي لإسقاط النظام و تفتيت الدولة .
لا شك أن عملية بهذا الحجم قد تطلبت قرارا صهيونيا في أعلى مستوى ، و لا شك أن المعلومات و الخطط المعدة لهذا الهجوم الدموي لاغتيال الشهيد قد كانت كافية تماما و زيادة لإعطاء الأوامر بالقتل ، و من الواضح أن العدو الصهيوني يدرك حجم التحديات و الارتدادات الناتجة عن استهداف شخصية مقاومة بهذا الحجم ، فطبيعة المعركة المستمرة تفرض على الجانبين القبول بقواعد لعبة الاستهداف و الموت بحيث على إسرائيل اليوم أن تتحسس رؤوس قياداتها المهمة لان الرد لن يتأخر كثيرا خاصة و أن هذه الفاتورة ستضاف إلى فواتير أخرى من بينها فاتورة الشهيد الحاج عماد مغنية ، و بلغة المخابرات و الشؤون الأمنية فلا شك أن الشهيد قد قرأ حسابا لهذه اللحظة و قام بالتخطيط لكي يكون الرد مناسبا و بحجم الفعلة النكراء ، و الظاهر أن إسرائيل لم تدرك لحد الآن أن عهد الاغتيالات بدون رد قد انتهى تماما و أن الرد في اللحظة المناسبة لم تعد مجرد شعار عربي يثير الاستهزاء.
بطبيعة الحال ، تشكل عملية الاغتيال في هذا التوقيت حدثا بارزا في تاريخ الصراع بين الأجهزة الأمنية العربية و الصهيونية ، و لو أن أغلب الأجهزة الأمنية قد تحولت إلى الخانة الصهيونية منذ ما قبل سقوط بغداد سنة 2003 ، فالمخابرات الأردنية على سبيل المثال تعد في نظر المتابعين أكبر “جاسوس” صهيوني داخل الدول العربي و هي التي قدمت كثيرا من المعلومات المهمة لبنك المعلومات الصهيوني سواء في علاقة بالمجاهدين الفلسطينيين أو بالمنظمات الفلسطينية المتواجدة على الساحة السورية أو بحركة التنقلات الأمنية للشخصيات المقاومة في كل الاتجاهات ، و هنا ، فان جميع الملاحظين لا ستهينون بهذا الدور أو بالدور القطري – السعودي في استهداف الحاج عماد مغنية ، أو بالمناضل محمود المبحوح أو بعض القيادات الأخرى التي تتحرك في المربع العراقي السوري اللبناني الأردني على وجه الخصوص ، و لان الحراك الدموي في سوريا قد مثل فرصة للشهيد سمير القنطار للوقوف إلى جانب المقاومة السورية فقد توفرت نفس الفرصة الذهبية لهذه المخابرات لاستهداف هذا الصيد الثمين بكل المقاييس.
من الطبيعي أن تكون عملية الاستهداف بواسطة الطائرات الصهيونية ، و تنفيذ عملية بهذا الشكل يعطى لإسرائيل فرصة للتباهي حول قدراتها الأمنية ، فضلا عن أنها لن تضطر إلى مشاركة قواتها الخاصة على الأرض لتحقيق هذا الهدف رغم انه من المستحيل أن يتم تنفيذ هذه العملية بكل هذه الدفة دون تواجد فرق مخابرات خاصة قريبة من مكان الاستهداف و غادرته بمجرد انتهاء العملية بطرق ستأتي الأبحاث عليها في الساعات القامة ، لكن يظهر أن القرار الصهيوني بانتهاك المجال الجوى السوري هذه المرة قد جاء متسرعا و متناسبا تماما مع طبيعة المرحلة خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن منذ أيام قليلة جدا أن تركيز المنظومات الدفاعية الروسية على الأراضي السورية هو تنبيه بأن استمرار عمليات الانتهاك للأراضي السورية لم تعد مقبولة من أي طرف ، و حين نرى حالة التوتر و الخصومة الشديدة بين روسيا و تركيا بسبب حادثة إسقاط الطائرة الروسية فان الجميع يتساءلون اليوم هل ستكون الغارة الصهيونية الأخيرة هي نهاية اللعب الصهيوني بالنار .
بانوراما الشرق الاوسط