الرئيسية / مقالات / حلاوة اللّسان دواء لداء بارز وخفي

حلاوة اللّسان دواء لداء بارز وخفي

السيمر / الاثنين 21 . 01 . 2019

معمر حبار / الجزائر

زرت يوم الخميس الماضي الطبيب المختص حسب الموعد المحدّد بعد 3 أشهر. كلّما دخلت لمكتبه يستقبلني بعبارته التي يكرّرها دوما على مسمعي: دائما مبتسم، يا معمر. فيبدأ اللّقاء بالابتسامة والتحدّث عن الابتسامة، وتلك من علامات الشفاء ومهارة الطبيب. يستلم وصفة التحاليل، ويقارنها بالتحاليل السّابقة، ويقول بضمير الجمع المتكلم “نحن”، وهو يتحدّث لزائره وعن زائره: تحسّن مستوانا في هذه النقطة الأولى لكنّ مستوانا في النقطة الثانية لم يتحسّن، وكان باستطاعتنا أن نكون أفضل وأحسن. وننتظر في الثلاثة أشهر القادمة نتائج أفضل وأحسن من التي قدّمناها خلال الثلاثة أشهر الماضية. وظلّ الطبيب يشكر زائره بقوله: قمنا بالرياضة وهذا واضح من خلال النتائج الإيجابية للتحاليل، وقمنا ببعض المجهودات مشكورين على ذلك، لكن ننتظر الأفضل والأحسن. صاحب الأسطر والمعني بزيارة الطبيب، يريد أن يركّز على نقطة مفادها: التحدّث مع المعني بالسّماع بصيغة المتكلم الجمع “نحن”، من أسمى غايات الأدب، والاحترام، وتقاسم الأفراح والأحزان، وتخفيف الآلام، والاهتمام بالمستمع، وتغرس الطمأنينة، وتثبّت الثقة، وتفتح الصدور، وتزيل سوء الظنّ. في المقابل، التحدّث مع التّلاميذ، والمستمعين، والمصلين، والأبناء، والجيران، والأحباب، والزوج، وغير ذلك، بأسلوب التأنيب والعتاب وبضمير “أنتم”، كقول المتحدّث: أنتم سبب الفوضى، لم ينزل المطر بسبب ذنوبكم، بناتكم ونساؤكم العارية من وراء ارتفاع الأسعار، كيف تريدون أن تدخلوا الجنّة وأنتم بهذا التصرّف؟، الجنّة ليست لأمثالكم، وغير ذلك من التعابير التي تدعو لليأس، والقنوط، والحطّ من السّامع، واحتقاره واستصغاره، وفي نفس الوقت التعالي من طرف المتحدّث، والادّعاء أنّه المقدّس المطهّر، وأنّه بعيد كلّ البعد عن الاتّهامات التي اتّهم بها غيره، وممن يرى فيهم دون البشر . يستعمل أسلوب التأنيب في حالات نادرة ولغايات سامية، كأن يؤنّب الأستاذ تلامذته للنقاط الضعيفة، ولسلوكات سيّئة، ولتهاون بيّن، قصد الرّفع من مستواهم، وعدم تكرار أخطائهم، وأن لا يعودوا للتصرفات المشينة المعيقة. نفس المثال يمكن ذكره بين الضّابط وجنوده، والأب وأبنائه، والأزواج فيما بينهم، والجار مع جاره، والصديق مع أصدقائه، والمدير مع الموظفين، والمدرّب مع اللّاعبين، وغير ذلك من الأمثلة الواقعية التي يستوجب فيها التأنيب لغاية سامية عالية، ولتصحيح خطإ، وتقويم عوج. المهم، أسلوب الطبيب المتمثّل في استعماله لضمير الجمع “نحن”، دفع الزّائر إلى أن ينتظر زيارته للطبيب بشوق كلّ ثلاثة أشهر، ويحسّن من مستواه طيلة المدّة، ويغيّر لباسه، ويأخذ حمامه، ويضع عطره، حتّى يستقبله الطّبيب في أحسن حال، وأفضل لباس، وأطيب عطر، وأحسن الألفاظ والكلمات. ويغتنم حلاوة لسان الطبيب المتمثّل في ضمير الجمع المتكلّم “نحن”، في إعداد الزّائر أسئلته التي سيطرحها على طبيبه، ويبوح له بما اعتراه من مشاكل، ومستفسرا عن الغامض الذي لم يستطع إدراكه ويريد فهمه. خلاصة، حلاوة اللّسان دواء لداء بارز وخفي، وعارض ودائم، والمرء الفاعل يستعمله دون إذن ولا تكلّف، والمجتمع القوي المتحضّر هو الذي يحرص عليه، وينشره بين أبنائه.

اترك تعليقاً