السيمر / فيينا / الاثنين 23 . 09 . 2019
* رواء الجصاني
متنبئ العصر ونخلة العراق السامقة
حاول منشور ملئ بالشتائم، نشر على شبكة (فيسبوك) قبل ايام ان يطال من الجواهري عبر أبتذال بعيد عن “الثقافة” و”الادب”.. وقد “أهتم“ به عدد من المعنيين، وأكثرية بعيدة عن اللغة دعوا عنكم الشعر. وأشهد هنا اولاً بأن ذلك “المنشور” الشعبوي جاء مثيراً برغم عدم جدية ما جاء به، ولكن لكلٍ ذوقه ومستوى ادراكه، فضلا عن طريقة الاداء المهذبة، أوغيرها ... وبرغم ان الزوبعة هفتت، وتفتت مثل زوبعة في فنجان، أدون في التالي خلاصات ووقفات، بعيداً عن الاسهاب والاطناب، ولعلّها تجيب عن بعض التساؤلات وتحفز آخرين للادلاء بدلائهم، ولو بشئ من الايجاز:
1/ لقد “برع” كاتب المنشور في ألاثارة من خلال ما أعتقده جرأة وصراحة لا يمتلكها الأ هو، وبزعم أنه يفتح بذلك طريقا لـ”لتوعية” و”التنوير” وهدم الصنمية والتقديس، وما الى ذلك مما ساد – ويسود – من تخلف مجتمعي وثقافي، وعدم ادراك، بحسب قناعة صاحب المنشور طبعا، التي اوجزها في النص، أو من خلال ردوده، وتعليقاته على المشاركين في التعليقات، معه، وضده ..
2/ والخلاصة، او “ابيات القصيد” الذي ارادها الكاتب، صراحة أو باطنيةً، في نص منشوره او في ردوده، وتعليقاته على من أشاد به، او عارضه، تتمحور حول: “رفضه تقديس الجواهري” الذي يصفه وبكل “جرأة” بـانه “بسيط الموهبة” وغير ذلك من اكتشافات كان له السبق في طرحها، كما أشاع..
3/ ثم يستمر الكاتب في التطاول الفج، فيزج بكلمة “التقديس” مبالغاً بها ليخلط بينها وبين تقدير الناس لشاعرهم الخالـد، واحترامهم ، ومحبتهم له.. كما تجاهل – السيد المعني- كون رموزية الجواهري، لم تأتِ، وتسدْ بسبب موهبته وشعره فحسب، بل جنباً الى جنب سيرته، ومواقفه الوطنية، منجزه النثري الثري، اضافة الى ميزات شخصيته النافـذة، وغير ذلك عديد..
4/ كما نسيّ الكاتب – بل وتناسى – انتماء الشاعر الخالد لأسرة “صاحب الجواهر” النجفية العريقة في العلم والفقه والتاريخ .. وبهذا الصدد لا نخفي ميّلنا الى الرأي والموقف الذي يرى باهمية بيئة الانسان، وتربيته العائلية، وانعكاسات الظروف البيتية، على الكينونة الاولى للفرد، وبما ينمي تاليا: الموهبة ويرسخ الثقة بالنفس، والانطلاقات الاخرى..
5/ اما عن بساطة موهبة الجواهري، التى ” نحسد” السيد الكاتب على جرأته وتجرئه في اطلاق ذلك “الاكتشاف” فلا ندري بصددها الى من نحتكم؟.. هل للشتائم التي اتخمها في المنشور، ام نحتكم لذوات أكابر في العلم والادب واللغة من امثال: مهدي المخزومي، او على جواد الطاهر، او ابراهيم السامرائي او عناد غزوان، على سبيل الاشارة العجول، لا الحصر؟..
كما لا ندري من نصدق، ونعتمد، في تقييم الكاتب لـ”بساطة موهبة الجواهري” .. هل نصدقه في اكتشافه المتطاول؟ ام نروح نستند للعديد من الجامعات العراقية والعربية الرصينة، ومنها : القاهرة وبغداد وبيروت، وصنعاء، واربيل والخرطوم والانبار والجزائر ودمشق والكوفة.. التي اجازت نحو عشرين اطروحة دكتوراه، ورسالة ماجستير، عن ذلك المقصود (اي الجواهري) شعرا وتاريخا وفكرا، برغم انه “بسيط الموهبة!!” كما جاء في المنشور اياه.(1)
6/ ونضيف الى ما ورد في الفقرة السابقة فنقول هل نصدق الكاتب اياه في مزاعمه عن الجواهري، ام عشرات- بل سنقول المئات ولا نبالغ- المؤلفات والمقالات والدراسات التي أمتدت طوال عقود، وما برحت، لنقاد وكتاب ومتابعين كبار من بينهم، ومثلا لا حصرا، مع حفظ الالقاب والمقامات: حسن العلوي، سعيد عدنان، سعيد جاسم الزبيدي، سليمان جبران، عبد الحسن شعبان، عبد الرضا علي، فاضل ثامر، محمد حسين الاعرجي، هاشم الطعان، وسام حسين، ياسين النصير…(2)
7/ كما نسترسل – عسى ان يعود كاتب “المنشور” لمراجعة ما أكتشفه- فنقول ان عشرات الشعراء العراقيين والعرب كتبوا ما كتبوا شعرا ونثرا، عن الجواهري، وعطائه، وشعره وموهبته ودوره الوطني، ورموزيته. وان شاء التوثيق فندعوه للتواضع، ومراجعة توثيق ذي صلة نشرته وسائل اعلام عديدة، قبل فترة وجيزة.(3)
8/ ونتابع ايضا حول ما زعمه المنشور وصاحبه، وما فرح به علانية، أو سراً، من خلال ردوده على الذين علقوا على ماكتبه، من قبيل ان هناك افضل من الجواهري كفاءة وعطاء شعريا، كما موهبةً، مثل الرصافي والبياتي وعبد الرزاق عبد الواحد… ويبدو انه لا يدري، بل يدري ويضمر، ان اولئك الشعراء الذوات الثلاثة، قـد”بايعـــوا” الجواهري، شعرا موثقاً، علنا وعلى رؤوس الاشهاد.(4)
9/ ولمزيد من التوضيح، وبهدف الحد من التشويش على الرأي العام، والتدليس، نوثق ايضا ان الكثير من الفنانين التشكيليين الكبار، رسموا “بورتيرهات” للجواهري الخالد، ولوحات لبعض ابياته، ومنهم، مع حفظ الالقاب مجددا: جواد سليم، محمود صبري، فيصل لعيبي، ضياء العزاوي، رافع الناصري عباس الكاظم، جبر علوان، خالد السلطاني، علاء جمعة… فهل كل اولئك مغرر بهم، ومخدوعون بذلك الشاعر “متوسط الموهبة” بحسب كاتب المنشور المعني؟!.
10/ ونعود الان الى الاسطوانة المكرورة، عن قصائد المديح الجواهرية التي يحاول اربابها – اي ارباب تلك الاسطوانة – ان يطالوا من موهبة الجواهري ورموزيته، فنوثق بأن وراء تلك القصائد – في الغالب الاعم – اسباب وموقائع ومواقف لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار عند التطرق لتلك “المثلبة” بحسب البعض. لا ان تؤخذ الامور بكل تبسيط، بهدف التأليب العاطفي واستغفال الرأي الشعبي العام.. ولأن الموضوع يطول، نعد بأن سنتناول في الايام القليلة القادمة متابعة خاصة، مفصلة، حول قصائد المديح في شعر الجواهري، وما عليها، بعيدا عن السباب الممقوت، ولا التقديس المذموم..
11/ اما حول حرية الرأي، والنقد، وضرورة احترام ذينك الامرين بشكل مطلق، ودون قيود او حدود، نوضح بأن تلكم قضية شائكة لا تناسب مجتمعات انهارت فيها – او تكاد- القيم الاجتماعية، الانسانية. وهي الادهى – بحسب رأينا- من انهيارات المؤسسات والبنى التحتية والاقتصادية والسياسية.. اما بحسب الجواهري، المعني بهذه الكتابة فهو يرى”… لقد كان في العهد الوسيط (الذهبي) في من ينازل (المتنبي) العظيم أمثال (الامام) ابن خالويه، وفي من يروّون عنه ويتعصبون له، ويشرحون أشعاره أمثال الامام (ابن جني) و(ابن العميد) و(الصاحب بن عباد)… كما لم يكن حتى في (عصرنا الحديث) ممن هم مع (شوقي) أو ممن هم عليه إلا من حجوم (العقاد) و(المازني) و(الرافعي) و(طه حسين)… ومن كل ذلك، ومن أمثاله كان الأدب العربي برمته، يزداد رونقاً، والحرف العربي أصالة، وكانت الأجيال المعاصرة والمتعاقبة تزداد على مثل هذا (الزاد الكريم).. عافية ونشاطاً…”. (5)
12/ وفي سياق ما نهدف اليه في هذه النقاط، ومن بينها الحدّ من استغفال الناس، وتغليب المواقف السياسية على الشؤون الثقافية والادبية، نميل الى الرأي الذي يقول بأن ثمة دوافع لكتابات عجول، بشتائم مبتذلة، وسباب رخيص، ومثالنا على ذلك “منشور” السيد المثقف، موضع الحديث. ونعيد عمدا التذكير بانه نُشر على (شبكة الفيسبوك) وليس في وسائل اعلام رصينة، تتطلب الكتابة فيها جهودا ومثابرة، لم تعد مهمة للعديد من الكتاب الذين يستجدون الشهرة السريعة، والعودة الى الظهور حين تقفرُ وتجدب قدراتهم الثقافية والادبية، فيروحون “ينتحلون ثياب الأديب يظنونها جببا ترتدى.. ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ، زوايا المقاهي لهم منتدى” كما يرى الجواهري. (6)
13/ وفي سياق ما رصدناه، ووثقنا له حول تلك “الزوبعة في الفنجان” نثبتّ ان ثمة الكثير من المعنيين من ذوي العلاقة الحقيقية، الرصينة بالشعر والنقد والابداع، قد أوضحوا بهذا القدر او ذاك، وبهذه الوسيلة الاعلامية او غيرها من الطرق، موقفهم من “المنشور” العتيد، وغيره، بهدف النيل من الجواهري.. كما نقدر تماما ذوات آخرين نعرف مواقفهم جيدا، ترفعوا عن الخوض في خصومة مخفية الدوافع، يعوزها التكافؤ، وتنقصها الموضوعية.. او انهم أمتنعوا من التعليق، او الأعابة على الكاتب الشتّام، وأقرانه، لاسباب اخرى..
14/ كما نود التوضيح ايضا بأننا لم نورد اسم ذلك الكاتب، صراحةً، لجملة اسباب ومنها لكي لا تتحول القضية شخصيةً، كما لا نريد اشاعة “رأي” مزعوم، وسباب مرذول، يربك الناس، ويدني من ذائقتهم، بحجة “التنوير” و”كسر السائد” حتى وان كان ذلك يقود للأسفاف والابتذال بحق وجوه ورموز البلاد والعباد، ومنهم الجواهري، رغب الكاتب المعني، أو لم يرغب. ونقصد هنا “اللغـو” وليس الجدل الذي لم يخشه الجواهري، وثبتّ ذلك شعرا. (7)
15/ وقبل ان نختم، وأضافة لكل ما تقدم نوثق ايضا بأن الجواهري لم يكن غافلاً ما سيدور حوله بعد الرحيل، فأستبق المتربصين، والحاسدين والشتامين، من ذوي المهنة أو غيرهم، فكتب ما كتب في حياته عن بعض اصحاب تلكك الصفات اللئيمة، والشخصيات الاثيمة، بحسب تعبيره. ومنها:
- حول الذين “ينكرون” عطاءه، أو يسعون للاساءة اليه، فقال فيهم قبل نحو مئة عام:
“ان انكرتني اناسٌ ضاعَ بينهم قدري، فمنْ عرفَّ الحجار بالذهب؟!” .
- وعن اولئك الذين يزعمون بتكسبه، كتب عام 1947:
“بماذا يخوفني الارذلون، وممَّ تخاف صلالُ الفلا
أيسلبُ منها نعيمُ الهجير، ونفحُ الرمالِ، وبذخ العرا ..
كما كررّ ذلك، ولو بصيغة اخرى عام 1974 حين قال:
وما أنا طالبٌ مالاً لأني، هنالكَ تاركٌ مالاً وآلا
ولا جاهاً فعندي منه أرثٌ، تليدُ لا كجاههم أنتحالا
- كما كتب عن مثل “المنشور” الذي عنته هذه الكتابة فقال عام 1953:
مشت اليّ (بعوضاتٌ) تلدغني، فهل يحسُّ دبيبَ النملّ يعسوبُ
وقبلَ الفٍ عوى الفٌ فما انتقصتْ “ابا محسد” بالشَتـمِ الاعاريبُ
أخيرا.. لا بدّ من التأكيد – كما في كتابات سابقة لنا – بأن موضوعة الجواهري، كمثلها من المواضيع الالرصينة، والشؤون الشامخة، لن تقف عند حدود ، ولا عند تاريخ زمني، ومن هنا فقد يجد المتابعون في الكتابة هذه بعض اعادة وتكرارا لما سبق ان نشرناه في العديد من الصحف وسائل الاعلام، طوال سنوات مديدة، وما تزال قائمة الى الان على شبكة الانترنيت،.. وربما يجد فيها “من شاءَ أن يحترَّ، او من شاءَ يبتردُ” الكثير من التفاصيل والتوثيقات.
* احالات وهوامش ————————————————————
1/ للمزيد يمكن مراجعة توثيقنا المنشور على شبكة الانترنيت، ووسائل الاعلام قبل اسابيع قليلة، تحت عنوان “الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير”.
2/ للمزيد يمكن مراجعة توثيقنا المنشور على شبكة الانترنيت، وفي وسائل الاعلام قبل اسابيع قليلة، تحت عنوان “أزيّـد من خمسين كتاباً ومؤلَفاً عن الجواهري الخالد”..
3/ للمزيد يمكن مراجعة توثيقنا المنشور على شبكة الانترنيت، كما وسائل الاعلام، قبل اسابيع قليلة، تحت عنوان من بينهم “الرصافي وسعيد عقل والبياتي.. شعراء نظموا عن الجواهـري، وله”.
4/ المصد السابق اعلاه.
5/ / نشرتْ ذلك الموقف الجواهري صحيفة تشرين السورية في 18/7/1987 وقد حوى ما يغني عن كل اضافة واسهاب… ومما جاء فيه ايضا: “… من حقي – ومن حقوق النشر – ان أعقب، فمن جهة لا اعتراض لي هناك على ما تعتبرونه من باب “حرية الرأي”، و”حرية التعبير”. ولكنني، من الجهة الثانية أحب أن أذكركم بوجوب مراعاة “المقاييس” و”القيم” في المحاورات الأدبية. فلم يكن في القديم مثلاً إلى جانب أشباه (النابغة) إلا من يعلقون أشعارهم على أستار (الكعبة). وعلى حجومهم ومعاييرهم في من يعارضونهم، ويناقضونهم”.
“أما أن يكون ما يسمح لنا به الزمن من رصيد جديد، وعلى ضوء العصر الجديد عرضة مشاعة لمن هبّ ودبّ، ممن يجربون القلم وعلى صفحات صحف سيارة، وعلى ذمم أصحابها والمسؤولين عنها، فهذا ما يجب علينا ان نحاربه، وأن نقف سداً دونه، لكي لا نعيّر بأننا قوم (ينكرون الجميل) و(يكفرون بالنعم)…”
6/ من “مقصورة” الجواهري الشهيرة/ الديوان العامر.
7/ من ابيات قصيدة يآبن الثمانين عام 1982:
“كمْ هزّ دوحك من “قزم” يطاوله، فلم ينلهُ، ولم تقصر ولم يطلِ
وكم سعت “امعات” ان يكون لها ما ثار حولك من “لغـوٍ” ومن جدلِ”