أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / هل حقاً لم تكن لأمريكا إستراتيجية في سوريا والعراق؟
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

هل حقاً لم تكن لأمريكا إستراتيجية في سوريا والعراق؟

محمد ضياء عيسى العقابي

على خلفية تراجع أمريكا الدراماتيكي في موقفها من الأزمة السورية الذي تجلى في تصريحات السيد جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، يوم 19/9/2015 الذي تراجع فيها عن الشرط القاطع الذي طالما طرحه الرئيس أوباما وأركان إدارته ومفاده أن لا مفر من مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد قبل التفكير بأي حل سياسي؛ ومن ثم عادت أمريكا لتقول على لسان وزير خارجيتها أنه ليس بالضرورة أن يرحل الأسد حالاً – أقول على خلفية هذا التراجع راح المحللون السياسيون والمتخصصون الأمريكيون يطرحون بأن أمريكا لم تكن لديها إستراتيجية واضحة ضد داعش. طرح هذا الرأي، مثلاً، السيد مايكل لين رئيس المعهد الأمريكي للدراسات الإستراتيجية في فضائية “الميادين” بتأريخ 19/9/2015. لذا – والقول للمحللين- فإن المنجزات الأمريكية بعد مرور عام على التحالف الدولي لم تحقق شيئاً يذكر. بل إن السيد مايكل جيرسون كتب في صحيفة الواشنطن بوست بأن سوريا أصبحت مقبرة للسياسات الأمريكية.

السؤال الهام هو: هل حقاً لم تكن لدى أمريكا إستراتيجية واضحة ضد داعش في سوريا والعراق؟

أقول إن هذا الإدعاء غير صحيح إذ أن أمريكا إمتلكت إستراتيجية بدأت منذ سنين قبل نشوء داعش وإمتدت الى ما بعد داعش حيث مضت تلك الإستراتيجية باتجاهين متوازيين في كل من سوريا والعراق.

ففي كلا البلدين كانت أمريكا و”حلفائها” في المنطقة (حكام السعودية وتركيا وقطر) يهيئون، عبر إرهاب وتخريب عملائهم من طغمويين* وبرزانيين في العراق وقوى طائفية في سوريا، الأجواء في البلدين لتكون آيلة للسقوط وغير قادرة على تلقي “صدمة” يجري الإعداد النفسي لها عبر الإعلام لتضخيمها وإرعاب الناس منها وضمان إستسلامهم سلفاً.

وفي كلا البلدين، وبالتوازي، جرى الفعل على الأرض من جانب “حلفاء” أمريكا وعملائهم المذكورين لتشكيل داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التشكيلات الإرهابية وتمويلها وتدريبها وتسليحها وتسهيل التحاق الارهابيين بها ومن ثم إطلاق “الصدمة” بإتجاه سوريا أولاً متبوعة بالعراق بعد أن تمت تهيئة الأجواء وفق المحور الأول.

وفق هذه الإستراتيجية ذات المحورين أملت أمريكا أن يسقط أحد النظامين، السوري أو العراقي، ليُصار الى الإستعانة به لإسقاط الآخر. لقد رفضت حكومة السيد نوري المالكي رفضاً قاطعاً وبشجاعة كبيرة الإنخراط في الجهد الأمريكي لضرب النظام السوري بذريعة وجوب عدم السماح للطائرات الإيرانية المحملة بالسلاح الى العبور نحو سوريا عبر الأجواء العراقية.

هنا جاءت الخيبة الكبرى لأمريكا و”حلفائها” و “حلفاء حلفائها”. لقد صمد الجيشان العربي السوري والعراقي (رغم سعي الأمريكيين والطغمويين المسبق ومنذ 2003 لجعله جيشاً غير فعال) بوجه “صدمة” الإرهاب التي حضّروا لها طويلاً؛ والأكثر من هذا تشكل الحشد الشعبي بدعوة من مرجعية السيد علي السيستاني لجميع العراقيين، كما إن الشعب السوري بدأ يشكل لجانه الشعبية لمساندة الجيش.

غير أن أمريكا لم تيأس بعد. فقد ركبت حصان داعش وشكلت إئتلافاً عالمياً ضمت اليه من تريد من الدول حسب مشروعها الإستراتيجي.

هنا يغفل المحللون الأمريكيون، عن جهل بالنسبة للبعض وعن خبث بالنسبة لآخرين، سعي أمريكا تحت غطاء إحتواء داعش الى محاولة إحداث تغييرات سياسية داخل النظام العراقي لصالح محاولتها الهيمنة على القرار السياسي العراقي مستغلة حاجة العراق الى السلاح وخاصة الى الطائرات التي تعمدت أمريكا في النكوص عن تجهيزها في المواعيد التعاقدية.

كما حاولت أمريكا عبر “حلفائها” تشديد الضغط في الآونة الأخيرة على الجيش السوري لمحاولة إسقاط النظام عبر المساعدات التركية السعودية المكثفة.

ولكن، خاب أمل أمريكا مرة أخرى فقد صمد النظامان العراقي والسوري.

هنا دخل الرئيس بوتين على الخط بكل حزم وقرر مساعدة الحكومة السورية بأسلحة دفاعية متطورة وخاصة تجهيزها بنظام متطور ضد الجو. وأكثر من هذا فقد نوه الروس بأنهم على استعداد لدراسة أي طلب سوري للمساعدة بقوات على الأرض.

حاولت أمريكا قطع الطريق أمام الطيران الروسي كي لا يصل الى سوريا. لكن دولاً ضاقت ذرعاً بالدمار الحاصل في المنطقة العربية لصالح إسرائيل تحدّت الحظر الأمريكي وسمحت للطائرات الروسية بالعبور عبر أجوائها الى سوريا وهما حكومتا روحاني الإيرانية والعبادي العراقية.

ولم تعد الممانعة الأمريكية لهذه التحركات الروسية مقنعة حتى للجمهور الأمريكي نفسه فالمآسي في تزايد وإدارة الرئيس أوباما قد إنكشفت عدم جديتها في قتال داعش وانكشفت نواياها السياسية التي تسعى لتحقيقها بذريعة محاربة داعش ولكنها إصطدمت بعزيمة صلبة من جانب الشعبين العراقي والسوري. وهكذا بدلت أمريكا سياستها حيال سوريا.

خلاصة، كانت لأمريكا إستراتيجية في العراق وسوريا لكنها فشلت إذ اصطدمت بإرادة الشعبين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا لأهدافها الخاصة ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي ومن ثم أخرج العراقيون قواتها واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012. غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر، ودخلوا العراق من الشباك.

بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أثار الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية؛ وللإصطفاف مع المشروع الطائفي السعودي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية على النظام في المملكة. وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً لإضعافه وربما كانوا المحرضين على تأجيجها وذلك من أجل تنفيذ مشروعهم الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم.

فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة ومفهوم الشراكة والتوافق المغشوشين، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً. يصر الطغمويون، بعد أن خسروا هيمنتهم المطلقة على الحكم عبر صناديق الإقتراع، على استرداد سلطتهم بكل الطرق بضمنها التخريب ونشر الفساد عبر العملية السياسية والتستر والتعاون مع الإرهاب وذلك للحيلولة دون إستكمال بناء دولة المؤسسات الديمقراطية.

شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني القاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها.

الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدعون تمثيلهم السنة لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم خاصة بعد توريط الجماهير فدفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وداعش.

للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995