السيمر / الاثنين 11 . 01 . 2016
د . عادل عامر / مصر
إن كافة الدساتير في العالم، لا تعبر عن أو تعكس إرادة أو غاية الهيئة أو اللجنة التأسيسية التي اضطلعت بإعداد الدستور، و بما يتضمنه من ديباجة ممهدة له في لحظة إعداده، و مفسرة له أيضا مستقبلًا، حين يثور خلاف حول تفسير أو تنفيذ هذه الوثيقة القانونية العلوية، لكن ديباجة الدساتير تعكس إرادة الأمة التي ارتضت ذلك الدستور، ووسمته باب القوانين والتشريعات كافة.
أن ديباجة الدستور تُعد بمثابة مدخل له، وتتضمن الديباجة عددا من المبادئ، أو الأسس، أو الأهداف، أو علل بعض الأحكام، أو التوجهات الدستورية، بل أن الديباجة تمثل بمجموعها إيجازا لأغلب منطلقات الدستور ، و مرتكزاته، وهي بهذا الوصف قد تمثل وسيلة من وسائل تبيان النصوص الدستورية، وإيضاح معانيها. فقد جعل الدستور ذاتة نصا من نصوصة عندما نص في المادة (مادة (227) يشكل الدستور بديباجته و جميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة.)
في ذات الوقت تتضمن ديباجة الدساتير ما يشد الأمة، والمجتمع إلي تاريخهما، وبصفة مبدئية فأن ديباجات معظم دساتير العالم لا تشكل قواعد معيارية، بقدر ما تعكس إفصاحات عن النية، أو خطابات تعبوية حضارية تعكس ثقافة المجتمع وتحفظ حضارته في قالب دستوري يرتضية الشعب”.إنه إذا كانت ديباجة الدساتير تمهد لمتونها، فمن الطبيعي أن تكون سائر نصوص الوثيقة الدستورية امتدادا منطقيا يتسق مع ما ورد في الديباجة، تتممها، و تمتنها، وتؤكدها، و لا تخرج عن الغايات المستقاة و المستلهمة لما أتت به الديباجة .
ويسير الفقه الدستوري العربي علي نهج مغاير للتقليد الفرنسي القديم، حيث يميل إلى تأييد الاتجاه الذي يرى أن لديباجة الدساتير قوة قانونية ملزمة تعادل قوة النصوص الدستورية الأخرى التي تتضمنها ، ومما يؤكد هذا الرأي اعتبار المجلس الدستوري الفرنسي في قراره عام ١٩٧١ أن الديباجة جزء لا يتجزأ من الدستور، حيث قرر أن : ” المقدمة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الدستور ، وتشكل وحدة دستورية نصية. أن تصريح أحد نواب الأمة التي ارتضت الوثيقة الدستورية الحالية، بتعمده مخالفة أحكام تلك الوثيقة، بزعم عدم قناعته بثورة 25 يناير 2011، والتي تم تضمينها في صدارة الدستور ، يعد انحرافا ، بل شططا شاذا غير مألوف ، اقترفه نائبا مختارا ممثلا للشعب، الذي قام بالاستفتاء علي هذه الوثيقة الدستورية، مما يستوجب المراجعة، حيث يبطل ذلك القسم الذي ابتدعه النائب من عندياته الشخصية، وفقا لقناعته الذاتية، والتي ليس لها أي محل تحت قبة البرلمان. أن القسم الدستوري قيد مقدس، وحلفه أمام الشعب، إجراء مهيب، وحدث تاريخي فريد، لشخص لا يمثل نفسه بشكل أصيل، بل ينوب عن الشعب باعتباره نائب وكيل، لذا فمن عبث بإرادة الأمة، يستحق التأنيب والتوبيخ، والتوجيه، حتي لا تصير هذه السابقة الخطيرة، ديدن سلوكه، وسنة لزملائه الممثلين. ويترتب علي ذلك، أن الدستور باعتباره خالق كل السلطات والهيئات و المؤسسات العامة في البلاد ، ترضخ و تذعن هذه السلطات والمؤسسات و الهيئات لاحكام الدستور، و لا يستطيع كائن ما كان مهما علت مرتبته ، أن ينتهك أحكام الدستور، التي وردت في الديباجة قبل المتن الدستوري ذاته.وتجسد الأمر جليًا فى هجوم وسب بعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية أمثال أحمد مرتضى منصور، وعبدالرحيم علي، لثورة 25 يناير، مؤكدين أن نجاحهم في الانتخابات البرلمانية بمثابة انتصار لثورة 30 يونيه على حساب يناير. أن القانون الذي أعده الرئيس الأسبق محمد مرسي المسمى بقانون “حماية الثورة” مازال ساريًا ولم يتم الغاؤه، أن من يطعن في ثورتي 25 يناير و30 يونيه سيتعرض للعقوبات المنصوص عليها في القانون، أن هناك العديد من الأصوات التي تعالت مؤخرا في الهجوم على ثورة 25 يناير،
أن ديباجة الدستور المعمول به حاليا اشتملت على الثورتين، بالإضافة إلى القانون الذي أعده مرسي والخاص بحماية مكتسبات الثورة، قائلا “القوانين قائمة حتى يتم إلغاؤها وإذا لم تلغي فتعد سارية ويستوجب الالتزام بها”.لان مقدمة الدستور جزء لا يتجزأ من الدستور ولها نفس القيمة الدستورية والقوة الملزمة، مشيرا إلى أن توقيع العقوبة أمر ينظمه القانون، وإذا لم يكن هناك قوانين فلن يكون هناك عقوبات أو جزاء، لافتًا أن ديباجة الدستور المعمول به حاليًا نصت على أهمية ثورتي 25 يناير و30 يونيه، وبالتالي فمقدمة الدستور تعامل وكأنها ضمن النصوص الدستورية الملزمة والتي تستوجب عدم إهانة الثورتين لكون الدستور نفسه بني على هذين الثورتين فى ديباجته الدستورية. ان قانون حماية الثورة هو الحسنة الوحيدة في حكم مرسي، أن القانون مازال ساريًا ومن الجائز أن يخضع أي مواطن للعقوبة إذا ما أهان الثورتين وفقا لنصوص القانون، أن هناك حالات محددة لإلغاء أي قانون، أبرزها أن القانون لايلغى إلا بقانون أو تعديل مماثل له أو بحكم من المحكمة الدستورية العليا. أن أي ثورة لابد أن تحمي نفسها بقوانينها الخاصة بها، لافتا أن هناك مؤامرة تدبر من أجل تصفية ثورة 25 يناير لاعادة استنساخ دولة مبارك من جديد.
الجدير بالذكر، أنه جاء في نص ديباجه الدستور المعمول به حاليا “وفي العصر الحديث، استنارت العقول، وبلغت الإنسانية رشدها، وتقدمت أمم وشعوب علي طريق العلم، رافعة رايات الحرية والمساواة، وأسس محمد علي الدولة المصرية الحديثة، وعمادها جيش وطني، ودعا ابن الأزهر رفاعة أن يكون الوطن محلا للسعادة المشتركة بين بنيه، وجاهدنا- نحن المصريين- للحاق بركب التقدم، وقدمنا الشهداء والتضحيات، في العديد من الهبات والانتفاضات والثورات، حتي انتصر جيشنا الوطني للإرادة الشعبية الجارفة في ثورة25 يناير30 يونيو التي دعت إلي العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، واستعادت للوطن إرادته المستقلة”.
تجدر الاشارة، أن قانون حماية الثورة، كان ينص على “بعد الاطلاع على الإعلان الدستوري الصادر في 13 من فبراير سنة 2011، وعلى الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس سنة 2011، وعلى الاعلان الدستوري الصادر في 11 من أغسطس سنة 2012، وعلى الإعلان الدستوري الصادر في 21 من نوفمبر سنة 2012، وعلى قانون القوبات، وعلى قانون الإجراءات الجنائية، قررنا القانون الآتي نصه، وقد أصدرناه..
المادة الأولى: استثناء من حكم المادة 197 من قانون الإجراءات الجنائية تعاد التحقيقات في جرائم قتل وشروع في قتل وإصابة المتظاهرين، وكذا جرائم الاعتداء باستعمال القوة، والعنف والتهديد، والترويع، على الحرية الشخصية للمواطن، وغيرها من الحريات والحقوق التي كفلها الدستور والقانون، والمعاقب عليها بمقتضى أحكام القسم الأول والقسم الثاني من قانون العقوبات، والمرتكبة بواسطة كل من تولى منصبا سياسيا، أو تنفيذيا في ظل النظام السابق، على أن تشمل التحقيقات الفاعلين الأصليين والمساهمين بكل الصور في تلك الجرائم، وكل ما تكشف عنه التحقيقات من جرائم أخرى مرتبطة. وتعتبر الجرائم المرتكبة في حق الشهداء، وثوار ثورة 25 يناير المجيدة داخلة في نطاق الجرائم المنصوص عليها بالفقرة السابقة.
المادة الثانية: تعاد المحاكمات في الجرائم المنصوص عليها بالمادة السابقة حال ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة متصلة بوقائع سبق إحالتها إلى القضاء ويتم إحالتها إلى الدوائر الخاصة التي يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى، فإذا كانت تلك الوقائع قد قضي فيها بالبراءة بحكم بات تتم إعادة المحاكمة وفقا للأدلة أو الظروف الجديدة. ولا تسري المادتان 455 و 456 من قانون الإجراءات الجنائية في الأحوال السابقة.
المادة الثالثة: تنشأ نيابة خاصة لحماية الثورة تشمل دائرة اختصاصاتها جميع أنحاء الجمهورية تشمل عددا كافيا من أعضاء النيابة والقضاة ويكون ندبهم لمدة عام قابلة للتجديد بقرار من النائب العام، ويكون لهم سلطات قاضي التحقيقات وغرفة المشورة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.
المادة الرابعة: تختص نيابة حماية الثورة أو من يندبه النائب العام أو أعضاء النيابة العامة بالتحقيقات في الجرائم المنصوص عليها في المادة الأول من القانون وكذلك الجرائم التالية:
الباب السابع والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من الكتاب الثاني، والخامس عشر والسادس عشر من الكتاب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية، وقتل وإصابة عدد من الثوار أو الاعتداء عليهم، وإخفاء معلومات أو أدلة من شأنها تمكين الجهات المختصة من القصاص العادل لشهداء ومصابي الثورة، والامتناع عمدا عن تقديم الأدلة اللازمة لتمكين المحاكم من تحقيق العدالة الناجزة واللازمة في قضايا الفساد السياسي والمالي لرموز النظام السابق، كما يتم تخصيص دوائر خاصة للمحاكم لنظر هذه الجرائم لتحقيق العدالة الناجزة.
المادة الخامسة: يجوز حبس المتهمين بارتكاب الجرائم المنصوص عليها بقرار من النائب العام أو من يمثله بعد أخذ رأيه في مدد لا تتجاوز في مجموعها 6 أشهر.
حرص بعض الدساتير على أن تتضمن في مستهلها ديباجة او مقدمة وتحتل المقدمة صدر الوثائق الدستورية وبدايتها قبل سرد موادها المختلفة ونتناول بالتحديد المبادئ الأساسية التي يحرص عليها المجتمع و الفلسفة التي تحدد صورة المذهب السياسي و الاجتماعي في الدولة وبصفة خاصة ما يحرص عليه الشعب من حقوق ويتمسك بها وبتعبير آخر تتضمن المقدمة الإشارة إلى منابع الدستور و المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها والأهداف التي يسعى المجتمع لتحقيقها وترسم المقدمة – عادة – الخطوط الرئيسية التي يبتغيها واضع الدستور كمنهج لسياسة الدولة وإرادتها وقد تضمنت الديباجة ( المقدمة ) قواعد تتعلق بحقوق الإنسان المدنية والسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية ويلاحظ إن دستور فرنسا لعام 1791 مثلا يتصدر إعلان الحقوق الصادر عام 1789 كما ان دستور فرنسا لعام 1946 أكد في ديباجته التمسك بإعلان الحقوق الصادر عام 1789 بالإضافة لطرحه في هذه الديباجة ، مبادئ أخرى وقد أكد الدستور الفرنسي لعام 1958 في ديباجته تمسكه ( أو تمسك الشعب الفرنسي – على حد تعبيره ) بحقوق الإنسان كما حددها إعلان الحقوق لعام 1789 وكما أكدتها وأكملتها ديباجة دستور عام 1946 0هذا ويختلف إسلوب صياغة المقدمة ( الديباجة ) فقد تصاغ و تنتظم على شكل فقرات عدة ومن أمثلة ذلك الدستور العراقي لعام 1925 والدستور اللبناني لعام 1926 أو قد تصاغ على شكل سرد وشرح للأفكار وفقا لمنهج علمي وفلسفي ومن أمثلة ذلك الدستور الفرنسي لعام 1946 والدستور الفرنسي لعام 1958 والدستور التونسي لعام 1959 والدستور الصيني لعام 1982 والدستور الموريتاني لعام 1991 والدستور السويسري لعام 1998 ديباجة الدستور تُعد بمثابة مدخل له ، و تتضمن الديباجة عددا من المبادئ ، أو الأسس ، أو الأهداف ، أو علل بعض الأحكام ، أو التوجهات الدستورية ، بل أن الديباجة تمثل بمجموعها ايجازا لأغلب منطلقات الدستور ، و مرتكزاته ، و هي بهذا الوصف قد تمثل وسيلة من وسائل تبيان النصوص الدستورية ، و ايضاح معانيها و في ذات الوقت تتضمن ديباجة الدساتير ما يشد الأمة ، و المجتمع إلي تاريخهما ، و بصفة مبدئية فان ديباجات معظم دساتير العالم لا تشكل قواعد معيارية ، بقدر ما تعكس افصاحات عن النية ، أو خطابات تعبوية حضارية تعكس ثقافة المجتمع و تحفظ حضارته في قالب دستوري يرتضية الشعب.
وإذا كانت ديباجة الدساتير تمهد لمتونها ، فمن الطبيعي أن تكون سائر نصوص الوثيقة الدستورية امتدادا منطقيا يتسق مع ما ورد في الديباجة ، تتممها ، و تمتنها ،و تؤكدها ، و لا تخرج عن الغايات المستقاة و المستلهمة لما أتت به الديباجة . ان المدرسة التقليدية القديمة في الفقه الدستوري كانت تنظر الي ديباجة الدساتير باعتبارها نصوص تكميلية من أجل تضمين المنظومة الحقوقية ما فاتها من مكتسبات اجتماعية ، و ثقافية ، و غيرها في لحظة تاريخية معينة . و من هنا فقد سعت الجمعية التأسيسية في فرنسا – علي سبيل المثال – و في عام 1946 إلي تضمين ما سمته : المبادئ الضرورية للعصر في مقدمة دستور عام 1946، فقد حرصت هذه الوثيقة علي تعزيز مبدأ المساواة ، و اأكدت حقوق العمال ، و ألزمت الدولة بتوفير ضمانات تحقيق هذه الحقوق .
جدير بالذكر أن المجلس الدستوري الفرنسي كان قد قضي في عام 1981 بأن ديباجة دستور عام 1946 ليس سوي أحكام تكميلية، وأن نصوص الدساتير و الاعلانات التي سبقت هذه الديباجة هي في حد ذاتها أولي علي الديباجة.
و يسير الفقه الدستوري العربي علي نهج مغاير للتقليد الفرنسي القديم ، حيث يميل إلى تأييد الاتجاه الذي يرى أن لديباجة الدساتير قوة قانونية ملزمة تعادل قوة النصوص الدستورية الأخرى التي تتضمنها ، ومما يؤكد هذا الرأي اعتبار المجلس الدستوري الفرنسي في قراره عام ١٩٧١ أن الديباجة جزء لا يتجزأ من الدستور ، حيث قرر أن : ” المقدمة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الدستور ، و تشكل وحدة دستورية نصية أن تحقيق شرط العلانية فى الجلسات، وكذلك السماح للصحفيين بالحضور، أو إذاعة مقتطفات منها، كل هذه الأمور تقررها هيئة المكتب فقط.