السيمر / الثلاثاء 02 . 02 . 2016
وائل عبد الفتاح / مصر
…الدولة شركة.
وسكان هذه الدولة إما «زبائن» أو «رهائن..».
أنظر بطول هذه البقعة وعرضها. وبأقاليمها السكانية والجغرافية والسياسية، سترى الدول شركات، إما بين طوائف مثلاً (لبنان) أو تحالفات (بين البيروقراطية العسكرية وأبناء رأسمالية المحاسيب والحبايب (كما في مصر والجزائر) أو ملكية عائلية (الممالك وإمارات الخليج) أو رهن أجهزة المخابرات (كما كانت سوريا وليبيا و العراق).
والمشترك بين هذه الأنماط المختلفة أكبر من الاختلاف، كما تظهر اللحظة الراهنة والتي يقودها أقرب هذه الأشكال إلى «الشركة» بل والأكثر بدائية من أنماط هذه الشركات (الملكيات الوراثية)..
هكذا تقود «شركات» بيوت السلطة في الخليج كل الشركات الأخرى التي زيّنت حالها بكل ما يوحي بحداثتها وتقدمها، وأنشأت هياكل مؤسسات على النمط الأوربي (باعتباره موديل العصر وشكله المعترف به).. لكن هذه المؤسسات وصلت إلى مرحلة عارية تماماً، إلى أن أصبحت الجمهورية بلا رئيس في لبنان، أو تدمرها حروب أهلية كما في ثلاثي الجمهوريات المخابراتية، وبينهما مصر التي تلاشت المؤسسات تدريجياً أمام تضخم الرئاسة، أي أن الدولة في مصر لم تعد قادرة على شراكة قطاعات أو شرائح اجتماعية في تحالف اجتماعي أو سياسي… لكنها أصبحت «شركة» بدون شركاء.
وبالتالي لم تعد هذه الدول بكل المعاني قادرة على حفظ حالة «الزبون» للمواطن، ولم يعد أمامه إلا مصير «الرهينة»…
ـ 2 ـ
هي أزمة شركة.
يمكن أن نرى أزمة الرئاسة في لبنان من هذه الزاوية، حيث أن «الشركة» بين الطوائف أصبحت أصعب ممّا كانت سابقاً.. ومستقبل النظام في دمشق يتوقف على قدرات «شركته» في تقديم بديل إداري.
والأزمات في مصر ترتبط بعدم قدرة «الشركة الاحتكارية الكبرى» على الحكم، والاستمرار في رشوة المواطن، ربما لهذا تمّ اختطافه إلى متاهات «الخوف» ليستسلم.
وبالتالي ليس هناك بين السلطة والناس عقد اجتماعي كما تعرفه الدول الحديثة، لكنه عقد يقوم على الترويض والإخضاع و»الغلبة..» للشركة.
هذه هي العقلية الكامنة رغم كل الخطابات الحنون والمهذبة والمتيمة عشقاً بالشعب، وتعني ـ إذا دققت فيها ـ الذين سارعوا بالخضوع ودخلوا في إطار الترويض… هم «شعب» الشركة؛ الذي يمجد الطائفة أو أجهزة المخابرات أو المؤسسات العسكرية… لكن الآخرين المتمردين أو الرافضين للإخضاع فهم قلة مشاغبة/ تحركها أياد وأصابع خارجية…
وهذا يحكم من خلال الدائرة.
ـ 3 ـ
انظر إلى المستفيدين من استمرار الأوضاع برغم اندفاعها إلى الانهيار أو الحرب الأهلية أو «الفشل الاقتصادي».
تقوم «الشركة» الحاكمة عل ضرب أساس الدولة الحديثة المتمثلة في عنصرين: المساواة (بين الناس) والشفافية (ليكون المجتمع رقيباً على السلطات.. كل السلطات.. كل المؤسسات)..
هذه بديهيات الدول الحديثة، والتي لا تمنح أحداً (حتى لو كان رأس السلطة التنفيذية مثل رئيس الجمهورية) ولا مؤسسة (بما في ذلك الجيش والقضاء والشرطة أو غيرها…) وضعاً استثنائياً أو قداسة ستؤدي في النهاية إلى إضعافها وخروجها عن الدور التي تقوم به.
كيف تكسر الدائرة..؟
ربما تتخيّل نفسك في مهمة دونكشوتية وتسقط من أعلى معاول التكسير. ستتكسر غالباً، لكن مع البناء كله. وكل مؤسسة ليست مؤسسة بما هو معروف في الدول الحديثة ولكن دولة. وكل مؤسسة دائرة مُحكَمَة يصعب تفكيكها.
الدائرة: اختراع فريد، حيث يطفو فوق المؤسسات القديمة دائرة محظوظة/ مختارة/ مقربة تستحوذ على ثروة ضخمة وتكون مهمتها تثبيت الوضع القائم، وهذا يتم عبر ارتباط الوجود في الدائرة بصانعها/ أو مكوّنها الأساسي، كما أنها وحسب قانون البقاء فإن توازن الدائرة في بقاء عناصرها أو حفاظهم على البقاء/ أضف إلى ذلك شهوة المقيمين خارجها للدخول فيها.
الدائرة تكوين مغلق/ وكسره يهدم نواميس الكون الدولاتي، لأن الوجود داخل الدائرة ينقل سعيد الحظ إلى طبقة علوية صعبة المنال (مثلاً في مصر داخل الدائرة يكون مرتب الموظف الكبير 200 ضعف مرتب الموظف الذي على درجته نفسها لكن خارج الدائرة)… هنا تلمع الأنياب داخل وخارج الدائرة ويصبح الحفاظ عليها مسألة حياة او موت، بالمعنى الواقعي لا المجازي.
الحفاظ على «الدائرة» سر الأسرار المقدسة للحفاظ على المواطنين في وضع «الرهينة» اسمى معاني «أمن» الشركة.
الأمن يعني أولاً وأخيراً هو الحفاظ على كتلة الرهائن في وضع «القطيع»/ وضرب أية نية للاختلاف الشخصي (وهنا يأتي ضرب كل أشكال الحرية الشخصية من المظهر والملابس إلى الكتب التي تقرأ) وحتى المطالبة بالحقوق أو الاعتراض.
تنمو الشركات بالخطوط الحمراء حولها..
السفير