السيمر / الثلاثاء 02 . 02 . 2016
د. رفعت سيد أحمد/ مصر
لا أريد أن أتحدّث اليوم بما لديّ من أفكار ورؤى بشأن قيام «الداعشيين الجدد» في بلادنا بتكفير خلق الله، والذي امتدّ قبل إلى التاريخ ذاته ليكفرونه. انّ التكفيريين الجدد هؤلاء يستخدمون الدين لخدمة الأجندة الأميركية القائمة على خلق الفتنة بين المسلمين إجمالاً، وبين السنة والشيعة بخاصة، وهذه الفتاوى التكفيرية تقدّمها وتموّلها بعض الأنظمة الخليجية كلّ حين، وهي مقصود بها في الأساس التخديم على استراتيجية واشنطن وتل أبيب في تفكيك المنطقة وخلق الفوضى فيها. وإلا دعونا نسأل تلك الدول الخليجية التي تبكي على إرهابيّي سورية وإرهابيّي مصر وتنعتهم بأنصار الحرية وبالثوار… ماذا عن الحرية في أوطانهم؟ وماذا عن فتاويها بشأن صفقات السلاح مع أميركا؟ وكذلك الوجود الاحتلالي والقواعد العسكرية الأميركية في غالب دول الخليج؟ لماذا تصمتون بشأنه وتتحدّثون عن الحرية والاستقلال والثورة في مصر وسورية وليبيا؟!
اليوم لن أتحدّث بما لديّ من أفكار ترفض هذا المنهج غير الإسلامي، وسأترك الساحة لأحد أبرز شيوخهم الذي صار بعد ثورات ما سمّي بـ«الربيع العربي»، أكبر مكفّراتي وأكبر مفتٍ بسفك الدماء، ومنها دماء الشعب الليبي والسوري واخيراً المصري جيشاً وشعباً وشرطة … لأنهم لم يخدموا المشروع الإخواني الأميركي الذي يعمل فيه هذا الشيخ الذي بلغ من العمر أرذله. عمل فيه مجرد خادم للسلطان، سواء السلطان القطري او السلطان الأميرك.
اننا نقصد يوسف القرضاوي… ذلك الشيخ الذي فقد ظله ومن قبله فقد عقله وتاريخه خدمة لهذا السيد الأميركي – القطري الإخواني، دعونا نتأمّله وهو يردّ على التكفيريين قبل الثورات والذين يسمّيهم هو اليوم زيفاً بـ الثوار فماذا يقول الشيخ؟
في كتابه الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف يرى القرضاوي أنّ التطرف بلغ غايته
حين يُسقط عصمة الآخرين، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ولا يرى لهم حرمة ولا ذمة، وذلك إنما يكون حين يخوض لجّة التكفير، واتهام جمهور الناس بالخروج من الإسلام، أو عدم الدخول فيه أصلاً، كما هي دعوى بعضهم، وهذا يمثل قمة التطرف الذي يجعل صاحبه في واد، وسائر الأمة في واد آخر.
وهذا كما يقول الشيخ القرضاوي الذي فقد اليوم ظله وأضحى يقول عكس ما كان يعتقده قبل ثورات الربيع الإخوانية ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام، والذين كانوا من أشدّ الناس تمسكاً بالشعائر التعبّدية، صياماً وقياماً وتلاوة قرآن، ولكنهم أتوا من فساد الفكر، لا من فساد الضمير.
زيّن لهم سوء عملهم فرأوه حسناً، وضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ومن ثم وصفهم النبي بقوله: يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وقيامه إلى قيامهم، وقراءته إلى قراءتهم، ومع هذا قال عنهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ووصف صلتهم بالقرآن فقال: يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم وذكر علامتهم المميّزة بأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان.
هذه العلامة الأخيرة هي التي جعلت أحد العلماء، حين وقع مرّة في يد بعض الخوارج، فسألوه عن هويته، فقال: مشرك مستجير، يريد أن يسمع كلام الله.
وهنا قالوا له: حق علينا أن نجيرك، ونبلغك مأمنك، وتلوا قول الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ … التوبة: من الآية 6 ، بهذه الكلمات نجا مشرك مستجير، ولو قال لهم: مسلم، لقطعوا رأسه!
وما وقع لطائفة الخوارج قديماً، وقع لأخلافهم حديثاً.
وهم كما يقول الشيخ الذي فقد ظله، يوسف القرضاوي، يكفرون كلّ من ارتكب معصية وأصرّ عليها، ولم يتب منها، وهم يكفرون الحكام، لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله.
ويكفرون المحكومين، لأنهم رضوا بهم، وتابعوهم على الحكم بغير ما أنزل الله.
وهم يكفرون علماء الدين وغيرهم، لأنهم لم يكفروا الحكام والمحكومين، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر.
وهم يكفرون كلّ من عرضوا عليه فكرهم، فلم يقبله، ولم يدخل في ما دخلوا فيه.
ويكفرون كلّ من قبل فكرهم، ولم يدخل في جماعتهم ويبايع إمامهم.
ومن بايع إمامهم ودخل في جماعتهم، ثم تراءى له – لسبب أو لآخر – أن يتركها، فهو مرتدّ حلال الدم.
وكلّ الجماعات الإسلامية الأخرى إذا بلغتها دعوتهم ولم تحلّ نفسها لتبايع إمامهم فهي كافرة مارقة.
وكلّ من أخذ بأقوال الأئمة، أو بالإجماع أو القياس أو المصلحة المرسلة أو الاستحسان ونحوها، فهو مشرك كافر.
والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري، كلها عصور كفر وجاهلية، لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله انظر كتاب ذكرياتي مع جماعة المسلمين – التكفير والهجرة – عبد الرحمن أبو الخير .
وهكذا أسرف هؤلاء في التكفير، فكفروا الناس أحياءً وأمواتاً بالجملة، هذا مع أنّ تكفير المسلم أمر خطير، يترتب عليه حل ّدمه وماله، والتفريق بينه وبين زوجه وولده، وقطع ما بينه وبين المسلمين، فلا يرث ولا يورث ولا يوالي، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن، ولا يُصلّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولهذا حذّر النبي من الاتهام بالكفر، فشدّد التحذير، ففي الحديث الصحيح: من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فما لم يكن الآخر كافراً بيقين، فستردّ التهمة على من قالها، ويبوء بها، وفي هذا خطر جسيم ترى ما رأي فقهاء السلطان الذين كفروا ليس شعوب وحكام الواقع الراهن، فحسب بل التاريخ أيضاً مثلما حدث مع الدولة الفاطمية ومؤسسها؟
وقد صحّ من حديث أسامة بن زيد أنّ من قال: لا إله إلا الله فقد دخل في الإسلام وعَصَمَتْ دمَهُ ومَالَهُ، وإن قالها خوفاً أو تعوّذاً من السيف، فحسابه على الله، ولنا الظاهر، ولهذا أنكر النبي غاية الإنكار على أسامة حين قتل الرجل في المعركة بعد أن نطق بالشهادة، وقال: قتلته بعد أن قال: لا إله إلاّ الله؟ قال: إنما قالها تعوّذاً من السيف؟ قال: هلاّ شققت قلبه؟ ما تصنع بـ لا إله إلاّ الله؟ قال أسامة، فما زال يكرّرها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ فقط.
ومن دخل الإسلام بيقين لا يجوز إخراجه منه إلاّ بيقين مثله، فاليقين لا يزول بالشك، والمعاصي لا تخرج المسلم من الإسلام، حتى الكبائر منها كالقتل، والزنى، وشرب الخمر، ما لم يستخفّ بحكم الله فيها، أو يردّه ويرفضه.
ولهذا أثبت القرآن الأخوة الدينية بين القاتل المتعمّد وولي المقتول المسلم، بقوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ البقرة ـ الآية 178، وقال النبي لمن لعن الشارب الذي عوقب في الخمر أكثر من مرة: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله.
وفاوتت الشريعة بين عقوبة القتل والزنى والسكر، ولو كانت كلها كفراً، لعوقب الجميع عقوبة المرتدّ.
ونسأل الشيخ يوسف القرضاوي سؤالاً بسيطاً ومباشراً: أليس هذا التكفير الذي كنت تعيبه على التكفيريين قبل «ثورات الربيع العربي» المزعومة… هو عينه التكفير الذي أفتيت به أنت وجماعات الإخوان والإرهاب في مصر وسورية وليبيا… باسم الثورات؟! فلماذا تناقض نفسك؟ وهل من أخلاق المسلم، ناهيك عن كونه شيخاً يُفترض أنه يفهم في الفقه والدين، ان يكفر ويفتي بسفك الدماء كما فعلت أنت تحديداً في فتاويك بشأن ليبيا وسورية والآن بشأن الجيش المصري؟
على اية حال، وفي نهاية الفتاوى المتناقضة يؤكد الشيخ الذي فقد ظله… ثمّ لاحقاً فقد فقهه الوسطي… الشيخ القرضاوي ! أنّ الشبهات التي استند إليها الغلاة في التكفير، مردودة بالمحكمات البيّنات من كتاب الله وسنة رسوله، وهو فكر فرغت منه الأمة منذ قرون، فجاء هؤلاء، يجدّدونه، وهيهات…
ترى ما رأي يوسف القرضاوي وجماعته في هذة الأقوال مقارنة بأقواله وفتاويه التكفيرية ضدّ جيش مصر وشرطتها وإعلامها وناسها العاديين الذين خرجوا بعد 30/6/2013 يرفضون حكم الإخوان وسياساتهم التي كانت تأخذ مصر الى المسار والمصير الليبي او السوري؟ وما هو رأي أتباعهم من فقهاء السلطان القطري او التركي الذين كفروا الناس والتاريخ والحكام في ما قاله الشيخ الذي فقد ظله وفقهه! هل يمتلكون شجاعة الردّ أم أنهم لا يفقهون، وإنْ فقهـوا لا ينطقون إلا بأمر واشنطن وتل أبيب؟
البناء