السيمر / الاثنين 28 . 03 . 2016
محمد الحنفي / المغرب
عوامل عرقلة تطور اليسار:
وعدم فسح المجال أمام تطور اليسار، هو الذي يعرقل مسار عمله. ذلك أن الجمود العقائدي، وعدم التفاعل مع مختلف الأفكار المتطورة، ومع ما تحققه العلوم من تطور، يعرقل اليسار، ولا يفسح المجال أمام تطوره.
فلكي يصير اليسار متطورا، ومتفاعلا، وفاعلا في الواقع، وقويا، وممتدا من خلال ارتباطه بالجماهير الشعبية الكادحة، ومن خلال استيعاب جميع المستجدات المساهمة في تطور اليسار، على جميع المستويات: الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، مما يجعل الحزب اليساري متجددا باستمرار، وحاملا لعوامل قوته، في أفق امتداده في النسيج المجتمعي، من خلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن خلال المثقفين الثوريين، الذين يقومون بدور رائد في ترسيخ أيديولوجية الحزب اليساري، أو أيديولوجية الطبقة العاملة، القائمة على الاقتناع بالاشتراكية العلمية، بقوانينها: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، التي تساعد اليساريين، والمثقفين الثوريين، على التحليل الملوس، للواقع الملموس، الذي هو المنطلق لقيام الحزب اليساري بتثوير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق جعله في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من خلال تمكن اليسار من الوصول إلى مختلف المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها المؤسسة التشريعية، والمؤسسة التنفيذية، بعد العمل على تغيير الدستور، في أفق صيرورته دستورا ديمقراطيا شعبيا، تكون فيه السيادة للشعب المغربي، الذي يصير بذلك مصدرا لكل السلطات.
فعرقلة تطور اليسار، لا تعني، في عمق الممارسة، إلا التمكن من جعل اليسار عاجزا عن تحقيق أهدافه الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية. فكأن المتحكمين في اليسار، المرضى ب(الدغمائية) الوثوقية، وبالجمود الأيديولوجي، لا يريدون لليسار أن يتجاوز معضلاته الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، من خلال تفاعله مع الواقع، في تطوره العلمي، والتقني، والأيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي؛ لأنه بدون ذلك التفاعل، يبقى الحزب اليساري جامدا، لا يتطور، ولا يتغير، وبمنطق المنهج الستاليني، الذي رسم حدودا معينة للأيديولوجية، والتنظيم، والسياسة، مع أن وجود اليسار نفسه، ناتج عن حركة الصراع القائمة في المجتمع، بين المتناقضات، في مستواها الثانوي، وفي مستواها الرئيسي.
فحركة الصراع القائمة على أساس وجود التناقضات الثانوية، تقود إلى تطور الإطار أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، ما لم يتحول الصراع الثانوي إلى صراع تناحري، غير مشروع، بين التوجهات اليسارية المتصارعة، على أساس تحويل الأختلاف الأيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، إلى خلاف، يستحيل معه قيام حوار ديمقراطي، يؤدي إلى وجود قواسم مشتركة فيما بينها، كما هو قائم بين العديد من الأحزاب، والتوجهات اليسارية، والمتياسرة، نظرا لاختلاف المنطلقات الأيديولوجية، من حزب، أو توجه يساري، إلى حزب، أو توجه يساري آخر، ومن توجه متياسر، على توجه متياسر آخر.
ومعلوم، أن اختلاف المننطلقات الأيديولوجية، يؤديإعلى الاختلاف في التصور التنظيمي، الذي يؤدي، بدوره، إلى الاختلاف في المواقف السياسية.
ونظرا لأن اختلاف المنطلقات، يترتب عنه اختلاف المنهجية المعتمدة، التي تقود إلى تحول الاختلاف الموضوعي، إلى خلاف بين الأحزاب، والتوجهات اليسارية، الذي لا يمكن تجاوزه إلا بالانتقال من الصراع الديمقراطي، إلى الصراع التناحري، الذي ينتهي بنفي أحد طرفي الصراع. مع العلم أن الصراع بين مختلف الأحزاب، والتوجهات اليسارية، لا يمكن أن يكتسب مشروعيته، إلا من اعتباره صراعا ثانويا ديمقراطيا.
أما حركة الصراع القائمة على أساس التناقضات الرئيسية، التي يصير فيها اليسار طرفا قائدا للكتلة الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة، والأحزاب البورجوازية، والإقطاعية، وأحزاب التحالف البورجوازي / الإقطاعي، القائدة للكتلة الطبقية المستغلة، المتكونة من البورجوازية، والإقطاع، ومن بورجوازية الريع المخزني. والصراع القائم على أساس التناقض الرئيسي، لا يمكن أن يكون إلا تناحريا. وإذا قام في إطاره تفاوض معين، فإن تأجيله، يتم على أساس تقديم التنازلات المتبادلة بين الأطراف المتصارعة، والتي لا يمكن اعتبارها تنازلات ديمقراطية؛ لأنه في الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لا وجود للتنازلات، بقدر ما يتم التمسك بكافة الحقوق الديمقراطية، ولو بمفهومها الليبرالي، على الأقل، إن لم تكن بمفهومها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. أما التنازلات التي تتم في المفاوضات بين الأطراف المتصارعة، فلا يمكن أن تتم إلا على حساب الكتلة الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة، التي تساهم، بشكل كبير، في تفعيل كافة قطاعات المجتمع.
ونظرا لأن اليسار يعاني من الضعف، والتشرذم، فإن قيادته للكتلة الشعبية، سوف تعاني، كذلك، من الضعف، والتجاذب، الأمر الذي ينعكس على مسار الصراع، في مستواياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يضطر معه اليسار إلى تقديم المزيد من التنازلات، لضمان استمرار ارتباطه، وعبر المنظمات الجماهيرية، وفي مقدمتها النقابات، والجمعيات الحقوقية، والتربوية، وغيرها من الإطارات، التي تخوض صراعا معينا، في إطار قيام التناقضات الرئيسية، بين الكتلة الشعبية بقيادة اليسار، وبين الكتلة المستغلة بقيادة أحزابها المدعمة من قبل الطبقة الحاكمة، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الكتلة المستغلة.
وتبقى أحزاب البورجوازية الصغرى، التي تقود نضالات شرائح البورجوازية الصغرى، المريضة بالتطلعات الطبقية، رهينة بمصلحتها الطبقية. فإذا كان ميزان القوة، يميل لصالح الكتلة الشعبية، انحازت إلى هذه الكتلة، وإذا كان ميزان القوة يميل لصالح الكتلة المستغلة، تنحاز إلى كتلة المستغلين (بكسر الغين)؛ لأن من طبع البورجوازية الصغرى أن تحرص على الاستفادة التي تحقق تطلعاتها الطبقية، تتم إما من الكتلة الشعبية، وإما من كتلة المستغلين. وهي ليست مستعدة للتضحية بمصلحتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تساعد على تحقيق تطلعاتها الطبقية.
وعندما يتعلق الأمر بالأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، فإن هذه الأحزاب، باعنبارها أحزاب للبورجوازية الصغرى، لا تسعى إلى الحفاظ على المكاسب الشعبية، والعمل على انتزاع مكاسب جديدة، بقدر ما تحرص على دعم الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، خاصة، وأن هذه الأحزاب، لا تسعى إلى تحرير الإنسان، بقدر ما تحرص على استعباده، ولا تسعى إلى تحقيق الديمقراطية، بقدر ما تسعى إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو تعمل على فرض استبداد بديل، كما أكدت التجربة ذلك. وخاصة بعد ما صار يعرف بالربيع العربي، أي أن الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، والتي صارت مستقطبة للبورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تدعي أنها ليست بورجوازية، أو ليست رأسمالية، أو ليست إقطاعية، ولا تسعى إلى تحقيق الاشتراكية، تجد نفسها، في نهاية المطاف، أحزابا، وتوجهات منحازة إلى الكتلة الممارسة للاستغلال على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإلى النظام الرأسمالي العالمي، وإلى الأنظمة الرجعية المختلفة، التي تقدم لها الدعم بدون حدود، حتى تقوم بدورها في ممارسة التضليل على الجماهير الشعبية الكادحة، باسم الدين الإسلامي.
وبالإضافة إلى ما أتينا على ذكره، فإن المفهوم المغلوط لليسار، ولأيديولوجيته، ولبرنامجه، وللأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، هو الذي يؤدي إلى إضعاف اليسار، وتشرذمه.
ذلك أن الاختلاف القائم بين اطراف اليسار المختلفة، يبتدئ من المنطلقات الأيديولوجية. فكل حزب يساري، أو توجه يساري، يعتقد أن منطلقه الأيديولوجي هو الصحيح. وهذا الاختلاف، أو الخلاف في المنطلقات الأيديولوجية، هو الذي وقف وراء هذا التعدد القائم على أرض الواقع، في الأحزاب اليسارية، أو في الأحزاب المنتسبة على اليسار.
فهناك الأحزاب الماركسية، التي تختلف في منطلقاتها الأيديولوجية، وهناك الأحزاب والتوجهات اللينينية، التي تختلف، كذلك، في منطلقاتها الأيديولوجية، وهناك الأحزاب الماركسية اللينينية، التي تختلف، كذلك، في منطلقاتها الأيديولوجية، وهناك الأحزاب، والتوجهات الماوية، التي تمارس نفس الاختلاف، إلى درجة الخلاف، في منطلقاتها الأيديولوجية، وهناك الأحزاب الشيوعية، التي تختلف، أيضا، في منطلقاتها الأيديولوجية، وهناك الأحزاب الاشتراكية، على اختلاف منطلقاتها الأيديولوجية، مع العلم أن معظم الأحزاب، والتوجهات، تعتمد تجارب معينة، بمنطلقات ايديولوجية، لا تتجاوز أن تكون مجرد تجارب تاريخية، وليست صالحة لأن تصير منطلقا ايديولوجيا، لبناء حزب يساري، بقدر ما هي مجرد تجارب، قد تكون ناجحة، في الزمان، والمكان، وقد لا تكون كذلك.
وبناء عليه، فإن جميع مكونات اليسار، في المغرب، كما في خارج المغرب، في البلاد العربية، وعلى المستوى العالمي، أن تفتح نقاشا واسعا حول مختلف المنطلقات الأيديولوجية، ما يصلح منها، وما لا يصلح، من أجل الوصول إلى منطلق متوافق عليه، والذي لا يمكن إلا الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كمنطلق لبناء أيديولوجية اليسار، التي لا يمكن أن تكون إلا ايديولوجية الطبقة العاملة، التي سماها الشهيد عمر بنجلون بأيديولوجية الكادحين.
ومعلوم أن التوافق على منطلق موحد، بين الأحزاب والتوجهات اليسارية، سيؤدي بالضرورة إلى أيديولوجية موحدة تقريبا، مع بعض الاختلافات القابلة للنقاش، من أجل التجاوز، في أفق الوحدة الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية.