السيمر / الأربعاء 29 . 06 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
لو سألنا أصحاب العقول المشفرة عن آرائهم الصريحة بالفوارق الطبقية، التي صنعتها الحكومات والأنظمة المستبدة، ولو سألناهم عن ميولهم الطائفية ونزعاتهم العنصرية، لقالوا لنا: أن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، وأن أكرمنا عند الله أتقانا، لكنهم في حقيقة الأمر يخالفون الأعراف السماوية، ويتقاطعون مع أبسط المفاهيم والمبادئ الإنسانية، ويؤمنون إيماناً راسخاً بمخلفات الجاهلية الأولى، ويسعون لتكريسها وتعميقها في سلوكهم اليومي مع الناس الذين يعيشون معهم تحت سقف الوطن الواحد.
الشيء بالشيء يُذكر، وجدت نفسي منجذبا في هذه الأيام الرمضانية لمتابعة حلقات المسلسل التلفزيوني (ساق البامبو)، المأخوذ من رواية للكاتب الكويتي الواعد (سعود السنعوسي)، والتي تحمل الاسم نفسه. كان (السنعوسي) جريئاً وصريحاً في تناوله العلاقة مع الآخر، وفي تناوله الفوارق الطبقية والعرقية، التي انفرد بها مجتمعنا العربي، وقد تطرق لكثير من العادات التي يراها سلبية ومتناقضة مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وربما نجد في حلقات المسلسل إشارات واضحة لطبقة (البدون) باعتبارها من الشرائح الخليجية التي لا انتماء لها.
جاء عنوان الرواية متوافقا تماما مع طبيعة نمو سيقان البامبو، التي لها القدرة على الصمود والعيش بعد اقتلاعها من أرضها، وغرسها في رقعة أخرى خارج بيئتها الأولى، فالإنسان في بعض بقاع الوطن العربي مثل شجرة البامبو، تلك النبتة التي لا انتماء لها، نقتطع جزءاً من ساقها، ثم نغرسه بلا جذور في أي أرض، لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة. تنمو من جديدة، في أرض جديدة، بلا ماضٍ. بلا ذاكرة، وربما بلا هوية، وبلا حقوق، وبلا مستقبل.
العرب اليوم غرباء في أوطانهم، وأتعس ما يمرون به اليوم شعورهم بالغربة داخل بيوتهم. وشعورهم بالخذلان بين أهلهم وذويهم. أما كيف يعيش الإنسان غريبا في بلده، فتلك حالة لا يفهمها ولا يحس بها، إلا نحن الذين عشنا تعساء في أوطاننا. تعساء في منافينا، وكأننا خلقنا تعساء، وكتب علينا أن نعيش غرباء، ونموت غرباء.
وليس أدل من صحة كلامنا هذا من الإجراءات الاحترازية، التي فرضتها بعض دور الرقابة الخليجية على مسلسل (ساق البامبو)، والتي منعت بموجبها عرضه في بعض القنوات الفضائية، ما أحدث ضجة كبيرة بين الأوساط الثقافية، التي طالبت بتوضيح أسباب منع الرواية الجميلة، التي تحكي قصة شاب كويتي من أم فلبينية، يعيش حالة اغتراب باحثاً عن ذاته وعن هويته، التي لم يعثر عليها في الكويت، ولا في الفلبين. لقد أبدع السنعوسي في كتابتها، وأبدع أكثر في اختيار عنوانها. فهل سيتخلى أصحاب العقول المشفرة عن مفاهيمهم البالية المعبئة بشحنات العصور المظلمة ؟، أم أنهم سيحملون معاول التفكيك والتمزق للإطاحة بما تبقى من أركان وحدتنا الوطنية ؟.