السيمر / السبت 30 . 07 . 2016
سليم نصار / لبنان
على امتداد ثلاثة أيام، ناقش وزراء الدفاع لثلاثين دولة الخطط والمقترحات المطلوبة لتسريع عملية القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسوريا، واستضافت “قاعدة اندروز” الجوية في الولايات المتحدة حشداً غفيراً يزيد تعداده على الألف خبير ومستشار رافقوا الوزراء بغرض الحماية الأمنية وتقديم مقررات تتعلق بمكافحة الإرهاب.
افتتح الاجتماعات وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر بإلقاء خطاب مسهب استعرض من خلاله المراحل الايجابية التي خبرها التحالف الدولي أثناء مقاومة هذه الجماعات المتطرفة. وحدد في كلمته أهداف الاجتماعات المتواصلة بثلاثة: أولاً – تدمير التنظيم في العراق وسوريا، مع تجفيف منابع الإرهاب في مختلف أوكار المساندة والدعم. ثانياً – التركيز على النصر العسكري داخل الملاذات الآمنة لزعماء “داعش” في الموصل والرقة، الأمر الذي يقطع الإمدادات اللوجيستية، ويعزل منظمات التنسيق. ثالثاً – العمل المتواصل لوقف التهديد، وحماية مواطني الائتلاف الدولي، وتنظيف سائر الأوطان من الخلايا النائمة التي يستعملها “داعش” لزعزعة أمن الشعوب، مثلما فعل في فرنسا وبلجيكا وليبيا وتونس ومالي والنيجر وأفغانستان وتركيا.
ممثل فرنسا في المؤتمر نقل رسالة الرئيس فرنسوا هولاند الذي تعهد رفع مستوى المشاركة من طريق تقديم أسلحة ثقيلة للقوات العراقية مع الطاقم المولج بتشغيلها على جبهة القتال. كذلك أشار الى عودة حاملة الطائرات “شارل ديغول” الى المنطقة بهدف المشاركة في معركة التصفية بواسطة الطائرات الحربية (رافال).
واعترف معظم المشاركين في المؤتمر بأن فرنسا نالت النصيب الأكبر من إرهاب تنظيم “داعش”، إن كان في العاصمة باريس، أم في المدينة الصيفية نيس التي شهدت في يوم الباستيل (14 تموز – يوليو) ما لم يشهده باستيل الثورة الفرنسية. ذلك أن الشاب التونسي الأصل محمد لحويجي بوهلال استخدم شاحنة تزن 19 طناً لسحل 84 سائحاً وطفلاً ومتفرجاً.
والثابت أن الغارات الجوية التي تشنها القوات الفرنسية الخاصة على مواقع “داعش” لا تستهدف العراق وسوريا فقط، وإنما تعدتها لتصل الى ليبيا ومالي والنيجر.
وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري قال إن مؤتمر قاعدة “أندروز” يأتي كتجمع إضافي لقمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي عُقدت في فرصوفيا. وكان على جدول الأعمال بند يتعلق بزيادة الدعم في الحرب ضد “داعش”.
من جهتها، أعلنت واشنطن أنها سترسل 560 جندياً إضافياً الى العراق. وبهذا يصبح عدد القوات الاميركية 4647 جندياً ممَنْ استُنفروا للمشاركة في الهجوم المرتقب على الموصل.
ويفاخر “أبو بكر البغدادي” أنه تمكن من السيطرة على الموصل، ثانية كبرى مدن العراق، في صيف 2014. وهو حالياً يستخدمها كمقر رئيسي له بالتناوب مع مركز “الرقة” في سوريا. ويتردد في هذا السياق أن عملية التحرير من نفوذ “داعش” ستقتصر على العراق حالياً، بانتظار تحقيق توافق أميركي – روسي حول مستقبل النظام السوري.
سافر كيري الى موسكو للمرة الرابعة هذه السنة على أمل إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بجدوى الموقف الأميركي. وهو موقف لم يسلم من انتقاد مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي مستورا، الذي إعترف بأن مهمته تبدو مستحيلة على ضوء الخلاف الأميركي – الروسي. كل هذا بسبب رفض بوتين ممارسة أي ضغط على الرئيس بشار الأسد الذي يعتبر كل المنظمات المقاتلة “إرهابية”. في حين يصنف دي مستورا “داعش” و”جبهة النصرة” في عداد القوى الإرهابية التي تستحق العقاب. وبما أنه ليس لدى المبعوث الأممي أي سلطة لإقناع واشنطن وموسكو بأهمية التوصل الى تفاهم، قرر تأخير المفاوضات لعل الظروف تسمح بتقارب الموقفين الروسي والأميركي.
ومن هذا المنظور، تبدو أزمة “داعش” في العراق مختلفة عن أزمة “داعش” في سوريا. والسبب أن الانتصار على “الدولة الإسلامية” في العراق يزيل عن كاهل رئيس الحكومة حيدر العبادي عبئاً ثقيلاً يسمح له بإعادة بناء الدولة. وفي سوريا الانتصار على “داعش” لا يعني انتهاء الحرب الأهلية التي تورطت في إشعالها فصائل المعارضة المقدَّر عددها بمئة. ومن أهمها 18 فصيلاً شيعياً تابعاً لإيران، ثم “حزب الله”، وقوات الدفاع الوطني المحسوبة على نظام الأسد، إضافة الى “وحدات حماية الشعب” الخاصة بالأحزاب الكردية، وبين أشرسها “داعش” و”جبهة النصرة”.
يعترف دي مستورا في أحاديثه الخاصة بأن “داعش” خسر مناطق كان يسيطر عليها في سوريا، ولكن هذه الخسارة لم تؤثر على قدرته على محاصرة حلب ودمشق، كما أنها لم تؤثر على محاولاته المتكررة في تطويق اللاذقية ومخيم اليرموك للاجئين. ويُستدَل من هذا التداخل أن الحرب على “داعش” تُعتبر حرباً دولية. بينما الحرب بين النظام وستين فصيلاً معارضاً تُعتبر أزمة سياسية داخلية.
وفي العراق هدد مقتدى الصدر بأن هذه القوات الغريبة ستكون هدفاً لأنصاره، لأنها في اعتقاده قوات احتلال وليست قوات تحرير. ويرى الصدر أن ردور فعل الخلايا النائمة لـ “داعش” في الخارج استيقظت فجأة مع اقتراب معركة تحرير الموصل. وأكد أيضاً أن الانتصار في تحرير الفلوجة أوقع مئات الضحايا في بنغلادش وبغداد ومطار اسطنبول والسعودية والقاع اللبنانية.
ويبدو أن القيادة المركزية لتنظيم الدولة الاسلامية قد استشعرت خطر الاستعدادات القائمة لطردها من “عاصمتها” الموصل، عبر معركة مفصلية شبيهة بمعركة “النورماندي”، لذلك استنفرت مسبقاً خلاياها النائمة في أوروبا. وكان من حصيلتها افتعال أربع عمليات اغتيال وانتحار في المانيا.
كذلك حاول “داعش” التذكير بأهمية دوره السنّي في المنطقة من طريق استهداف مظاهرة سلمية لأقلية الهزارة الشيعية في كابول، مما أسفر عن مقتل أكثر من 60 مواطناً وجرح 210.
وكان من الطبيعي أن تُحدث هذه الخسارات البشرية المتفاقمة محاولات يائسة لتبرير هذه العمليات الارهابية، أو تفسير دوافعها العميقة. وكان من نتائج تلك المحاولات صدور سلسلة تحاليل ودراسات، رأيت أن أجتزئ منها اثنتين للأهمية:
الدراسة الأولى تحيل الأمر الى تقرير “تشليكوت” الذي وضع المسؤولية كاملة على رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير بالتحالف مع صديقه الاميركي الرئيس جورج بوش الإبن. وعليه يرى المشتركون فيها أن اختلاق الأكاذيب لتمرير عملية الغزو وإضفاء الشرعية الملفقة عليها، كانا السبب في ولادة منظمة مناهضة للاستعمار الجديد. وربما انحرفت عن مسارها الأول بقيادة ضباط جيش صدام حسين، لتستقطب كل المعارضين في دول العالم ممن أتقنوا فنون الذبح والحرق والسحل.
الدراسة الثانية تضع الملامة على الولايات المتحدة لأنها ركزت على تفكيك الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي ألغى الضوابط وتوازنات الرعب، وفتح أبواب النقمة لجماعات الجهاد الإسلامي.
صحيح أن المعارضة العالمية كانت ممثلة بمنظمات صغيرة مثل “بادر ماينهوف” الألمانية و”منظمة الألوية الحمراء” الايطالية و”الجيش الأحمر” الياباني وكارلوس الفنزويلي… ولكن الصحيح أيضاً أن الإسلام السياسي كان يُعبَّر عنه بواسطة دول نظامية مثل مصر (عبدالناصر) وأندونيسيا (سوكارنو) وباكستان (ذو الفقار علي بوتو)، إضافة الى الدور البارز الذي لعبته “منظمة المؤتمر الإسلامي”. من هنا يرى المحللون أن غياب الاتحاد السوفياتي ترك فراغاً سياسياً كبيراً من الصعب أن تملأه مناورات فلاديمير بوتين!
النهار اللبنانية