السيمر / السبت 10 . 12 . 2016
سجاد نشمي
إن الحكم على ما إذا كان التغيير في سياسة (حكومة ما) هو “قرار اقتصادي جيد” يعتمد على ما سيتم تحقيقه من هذه السياسة الجديدة وعمّا إذا كانت السياسة الجديدة تقتصر على اقتصاد الدولة أو تُأثر على الدولة بنحوٍ عام؛ في هذه الحالة إذا أخذنا فكرة تقليل أو رفع دعم الطاقة بنحوٍ منفصل فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض في الإنفاق العام الذي يُعدُّ ظاهرياً قراراً اقتصادياً جيداً.
يوضح الشكل (1) تأثير الدعم الحكومي على تقليل سعر سلعة ما؛ مما يؤدي إلى زيادة في الطلب، وأن تقليل الدعم له تأثير مماثل على الرسوم الجمركية أو الضرائب التي تؤدي إلى زيادة في الأسعار وانخفاض الطلب، ويعد الدعم من المصروفات المباشرة للحكومة([1]).
إن تخفيض النفقات تعني أن بإمكان الحكومة التحكم بميزانيتها بنحوٍ أفضل (على افتراض أنها لا تنفق ما ادخرته على استثمارات أخرى)، وهذا قد يعني أن الحكومة ستقوم باقتراض أقل أو ستواجه نسبة أقل لتكلفة الإقتراض أو غيرها من الآثار المالية الإيجابية.
وحتى الآن فإن الإجابة على السؤال: هل إن تخفيض الدعم الحكومي هو قرار اقتصادي جيد؟ هي نعم، وإذا تم تطبيق هذه السياسة مع سياسات أخرى مثل استخدام بعض المدخرات ليتم استثمارها في التعليم وغيرها من الجوانب الاجتماعية فيمكننا القول في هذه الحالة إن هناك أثراً إيجابياً متمثلاً بنمو الناتج المحلي الإجمالي، وإن رفع الدعم عن بعض السلع مثل النفط سيؤدي بالتأكيد إلى تراجع نسبة الطلب -بسبب ارتفاع الأسعار-؛ وبالتالي فإن نسب الكربون والملوثات الصادرة عن مشتقات النفط -التي تتسبب بآثار بيئية وصحية سلبية- ستتراجع، وهو أثر إيجابي آخر لهذه السياسة، وأخيراً، إذا كان البلد المعني هو بلد مصدر للنفط والغاز فإن تراجع الاستهلاك؛ وبسبب انخفاض أو رفع الدعم الحكومي سيزيد من كمية صادرات النفط والغاز؛ مما يزيد من عائدات التصدير -على افتراض أن الأسعار العالمية للنفط لا تتراجع بشكل كبير-؛ وبالتالي يُعَدُّ ذلك إيجابية أخرى.
يُعَدُّ الدعم الحكومي إحدى سياسات دولة الرفاهية([2])، وحينما يتم إجراء تعديل لإحدى السياسات أو إقرار واحدة جديدة فإن التحدي يكمن لدى تقييم المثلث الحديدي لها (الشكل 2)([3]).
إن رفع الدعم عن الطاقة سيقوم بخفض التكاليف بنحوٍ مؤكد ولكنه لن يقوم بتحسين مستوى معيشة الفقراء، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية لتلك السياسات فإن ذلك سيؤدي إلى حدوث انخفاض في مستويات معيشة الفقراء. إن تحسين حوافز العمل له تأثير مختلف لأن بعض الوظائف ستتأثر بارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة التكلفة المباشرة على عملياتها، ولكنه قد يعني أيضاً أن الصناعات الأخرى التي لا تستفيد من الدعم الحكومي ستكون أكثر قدرة على المنافسة؛ وبذلك ستزداد نسبة الطلب والإنتاج، مما يؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل (على سبيل المثال: إذا تم رفع الدعم عن الوقود الأحفوري فإن منتجات الطاقة المتجددة التي لا تستفيد من ذلك الدعم ستكون أقل تكلفة وسيزداد الطلب عليها)، وبناءً على ما سبق فبإمكان الحكومة أن تلجأ إلى استثمار الأموال التي ادخرتها من عملية رفع الدعم عن الطاقة في قطاع التوظيف؛ ولذلك من الممكن القول إن سياسة رفع الإعانات يمكن أن تؤدي إلى تحسين حوافز العمل.
إن رفع الدعم عن الطاقة له تأثير معقد على المجتمع ويجب أخذها بعين الحسبان، مثل:
•هل تؤثر سياسة رفع الدعم سلباً على الأفراد الفقراء في المجتمع؟
يعتقد كثيرون أن الدعم الحكومي للطاقة يصبُّ في منفعة الأفراد الأكثر ثراءً؛ وذلك بسبب كثرة استهلاكهم للطاقة، وعلى الرغم من نوايا الأثرياء النبيلة إلَّا أنهم بالكاد ما يقدمون شيئاً يذكر لمساعدة الفقراء، إن الدعم المفتوح للسلع الاستهلاكية يقدم الفائدة للأشخاص الذين ليسوا بحاجة إليها؛ ولذلك فمن الممكن أن يتم رفع الدعم عن الطاقة بطريقة تصب في فائدة الأفراد الأكثر فقراً في المجتمع.
من الممكن أيضاً التمييز بين السلع في سياسة الدعم الحكومي، فعلى سبيل المثال تعدُّ الكهرباء والغاز من السلع بالغة الأهمية لدى الأسر العاطلة عن العمل أو ذات الدخل المنخفض بينما لا تشكل أسعار المحروقات أهمية لديهم لعدم امتلاكهم للسيارات، ففي هذه الحالة فإن رفع الدعم الحكومي عن الوقود لا تؤثر على الفقراء كتأثير رفع الدعم عن قطاع الكهرباء أو الغاز؛ ولذلك فإن إبقاء الدعم على بعض السلع يجب أن يتم النظر فيها، وبالتالي فإذا تم مراجعة الدعم الحكومي لقطاعات الطاقة بنحوٍ فردي فمن الممكن حينها تجنب الرسوم التي ستصدر عن ضرائب بيغوفيان([4]).
•هل ستؤدي سياسة رفع الدعم عن الطاقة إلى تراجع في الإنتاجية والعمالة أو ضغط على الخدمات العامة (مثل النقل)؟
لكي يتم اتخاذ قرار صائب فيما يخص سياسة رفع الدعم فيجب أن يتم الأخذ بعين الحسبان تأثيره على العمالة، فعلى سبيل المثال، سيواجه سائقو سيارات الأجرة انخفاضاً في الدخل -وربما فقدان وظائفهم- إذ تتأثر هذه الفئة من المجتمع مباشرةً من الدعم الحكومي للطاقة، ومن الممكن تجنب هذه المشكلة من خلال الوسائل التي ستلجأ إليها الحكومة في استعمال الأموال التي تم ادخارها جراء رفع الدعم، وباستطاعة الحكومة أن تستثمر في قطاعات تساهم في خلق فرص عمل جديدة؛ وبالتالي زيادة الإنتاجية وتعويض الخسائر الناتجة من رفع الدعم عن الطاقة.
•وهل ستؤدي سياسة رفع الدعم عن الطاقة إلى زيادة التفاوت في الدخل بين الأفراد؟
إن الجواب على السؤال بكل اختصار هو كلا؛ وذلك لأن الأفراد ذوي الدخل المرتفع يشكلون النسبة الأعلى من مستهلكي الطاقة، وإذا تم التخفيف من أثار رفع الدعم عن الطاقة على الأفراد الفقراء في المجتمع، فإن نسبة التفاوت في الدخل بين الأفراد ستتراجع، إذ سيتحمل أثر ارتفاع الأسعار الأفراد الذين يحصلون على دخل مرتفع؛ وبالتالي تنخفض نسبة عدم المساواة بين أصحاب الدخل المرتفع والمنخفض.
لكي يتم الإجابة على السؤال بنحو سليم فإن ذلك يتطلب بيان الطريقة التي سيتم فيها استعمال الأموال التي ادخرتها الحكومة نتيجة رفع الدعم عن الطاقة، إذا قامت الحكومة بزيادة نسبة المزايا العينيّة([5]) وبالتالي زيادة دخل الأسر -من خلال التعليم مثلاً- فإن رفع الدعم سيكون قراراً اقتصادياً جيداً شريطة ألَّا يتأثر الأفراد الفقراء في المجتمع وأن يقوم الاستثمار بخلق فرص عمل جديدة لتعويض المتضررين الذين فقدوا وظائفهم نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة. يوضح الشكل (3) أنه في حين أن تأثير خفض الدعم يشبه الضرائب غير المباشرة التي تقلل من الدخل فإن زيادة الاستثمار في المزايا العينية يؤدي إلى زيادة دخل الأسرة.
حينما يتم تمثيل ما سبق باستعمال منحنى لورنز (الشكل 4) يمكننا أن نرى أن رفع الدخل النهائي يقلل من نسبة التفاوت في الدخل بين الأسر؛
وبالتالي فإنه بإمكاننا القول إن تخفيض الدعم الحكومي للطاقة هو قرار اقتصادي جيد؛ لأنه سيؤدي إلى حصول الدولة على المزيد من الأموال في ميزانيتها ليتم إنفاقها بطريقة تحسن من دخل الأسر.
(1) المصروفات المباشرة هي جميع المصاريف الناتجة عن ضرورة شراء مواد مرتبطة مباشرة بالمنتج النهائي المباع.
(2) دولة الرفاهية: هو مصطلح يعني أن الدولة تؤدي الدور الأساسي في حماية الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتوفيرهما لمواطنيها.
(3) المثلث الحديدي: هو مصطلح يصف السياسة المتبعة من قبل السلطات الرئيسة في الحكومة لتحقيق الركائز الثلاث التي يستند إليها المثلث.
(4) ضريبة بيغوفيان: هي ضريبة تفرض على المتسبب بالتلوث تقدر بناء على الضرر المقدر التي تبناها كثير من الاقتصاديين.
(5) المزايا العينية: هي التي يلتزم صاحب العمل بتوفيرها للعامل مقابل عمله، بالنص عليها في عقد العمل أو في لائحة تنظيم العمل، وتقدر بحد أقصى يعادل الأجر الأساسي لمدة شهرين عن كل سنة مالم تقدر في عقد العمل أو لائحة تنظيم العمل بما يزيد على ذلك.
مركز البيان للدراسات والتخطيط