السيمر / الاثنين 12 . 12 . 2016
علاء حلبي
هجوم عنيف شنّه مسلّحو تنظيم «داعش» على محاور عدة في بادية تدمر شرق حمص، أسفر عن تراجع على بعض المحاور لقوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره، بينها خسارة لحقل مهر النفطي، في وقت تستعدّ فيه مدينة حلب لإخراج ما تبقى من مسلحين من الأحياء الأخيرة المحاصَرين فيها في القسم الجنوبي الغربي للأحياء الشرقية، مع عودة نشاط عمليات مسلّحي «درع الفرات» التابعين لتركيا نحو مدينة الباب شرق مدينة حلب، والتي توقفت خلال الأسبوعين الماضيين.
مصدر عسكري سوري رأى خلال حديثه إلى «السفير» أن الهجوم العنيف الذي شنه مسلحو التنظيم في هذا التوقيت بالذات يأتي بهدف «خلط الأوراق»، خصوصاً مع وجود عدد كبير من القوات في مطار كويرس شرقاً، وتقدم الوحدات الكردية بخط موازٍ لمحور عمليات الجيش السوري نحو مدينة الباب، والتمهيد لبدء عملية للقوات الحكومية لاسترجاع أحد أهم معاقل التنظيم في ريف حلب الشمالي الشرقي.
مسلحو التنظيم استغلوا الضباب الكثيف الذي شهدته بادية تدمر خلال اليومين الماضيين، فشنّ المئات منهم هجوماً عنيفاً في وقت متزامن على جميع محاور التماس مع قوات الجيش السوري في محيط مدينة تدمر، ونحو حقل مهر النفطي، تخلله تفجير ثلاث عربات مفخخة، وقيام «انغماسيين» بتفجير أنفسهم في محاور الاشتباك. وهو أمر دفع قوات الجيش والفصائل المؤازرة إلى التراجع عن معظم النقاط في حقل مهر النفطي (باستثناء نقطتين)، فضلاً عن التراجع نقاطاً عدة من منطقة جحار المحاذية لحقل مهر في المحور الشمالي الشرقي لمدينة تدمر.
كذلك، دارت اشتباكات عنيفة في محيط الكتيبة المهجورة القريبة من مطار «تي فور» الاستراتيجي، بالإضافة إلى جبهات جبل هيان وصوامع الحبوب ومنطقة قصر الحلابات وجبل عنتر، شمال مدينة تدمر، وعلى أطراف قرية آراك ومنطقة السكري في محيط مدينة تدمر.
مصدر ميداني أشار خلال حديثه لـ «السفير» إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل نحو 15 جندياً سورياً، وضابط روسي برتبة مقدم، بالإضافة إلى فقدان الاتصال مع إحدى المجموعات المقاتلة. وتسبب الضباب الكثيف بتحييد سلاح الجو، الذي عاد للعمل بكثافة بعد انقشاع الضباب، حيث شاركت طائرات حربية سورية وروسية ومروحيات عدة في قصف مواقع تنظيم «داعش» ونقاط الاشتباك، ما ساهم باستيعاب الهجوم ومنع مسلحي التنظيم من «التمدد».
واستقدمت قوات الجيش السوري تعزيزات كبيرة للبدء بتنفيذ عملية عسكرية واسعة على محاور الاشتباك، كما تم استقدام مجموعات كبيرة من «الدفاع الوطني» في حمص، حيث أثمرت أولى خطوات الهجوم المعاكس باستعادة ثلاث نقاط في محيط تدمر.
وتمثّل تدمر بالنسبة للروس قاعدة عملياتية وحيوية مهمة، الأمر الذي يوضح مدى خطورة اقتراب مسلحي التنظيم من المدينة الأثرية التي استعادها الجيش السوري بعملية مشتركة مع القوات الروسية في آذار الماضي.
مصادر جهادية ذكرت أن هجوم التنظيم جاء بعد استقدام مقاتلين من العراق، وتشكيل غرفة عمليات خاصة بالبادية. وأوضحت المصادر أن التنظيم يعتبر البادية «معقلاً رئيسياً له ولن يسمح باختراقه»، مشيرة إلى أن «معظم المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم هم من أبناء الصحراء».
مجزرة تركية في الباب: «درع الفرات» تتابع عملياتها
في غضون ذلك، تابعت الفصائل المشكِّلة لـ «درع الفرات» التي تديرها تركيا عملياتها باتجاه مدينة الباب، تحت غطاء جوي تركي مكثف، حيث تمكنت الفصائل، التي تضمّ فصائل «جهادية» مثل «أحرار الشام»، من التقدم والسيطرة على قريتي الدانا وبراتا ومدرسة الزراعة والصوامع غرب المدينة، بمشاركة قوات خاصة تركية.
هجوم «درع الفرات» الجديد يأتي بعد إعلان تركيا إرسال 300 جندي تركي جديد إلى سوريا، وعودة تنشيط الطلعات الجوية على مواقع تنظيم «داعش» في الباب ومحيطها، حيث تسبّبت الغارات التركية بمجزرة في المدينة راح ضحيتها 15 مدنياً وأصيب نحو 20 آخرين، وفق ما ذكرت وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش»، وشهود من أبناء المدينة، الذين أشاروا إلى أن عدد الضحايا قابل للارتفاع في ظل وجود مفقودين تحت الركام، موضحين أن من بين القتلى عائلتين كاملتين.
من جهته، تمكّن تنظيم «داعش» من تفجير عربة مفخخة استهدفت أحد مواقع «درع الفرات» في محيط مدينة الباب. وذكرت مصادر «جهادية» أن التفجير تسبب بمقتل عدد من الجنود الأتراك، في حين ذكرت مصادر إعلامية تابعة لفصائل «درع الفرات» أن ثلاث عربات مفخخة أخرى أرسلها «داعش» تمكن مسلحو «درع الفرات» من تفجيرها قبل أن تصل إلى مواقع الفصائل.
حلب: آلاف المدنيين يهربون من مناطق المسلحين
إلى ذلك، تمكّن آلاف المدنيين من الخروج من مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في مدينة حلب، معظمهم من حيي الفردوس والسكري، حيث استقبلت قوات الجيش السوري المدنيين وقامت منظمات حكومية وإغاثية بنقلهم إلى مراكز إيواء مخصصة، وذلك بالتزامن مع وقف الهجوم واقتصار عمليات الجيش السوري على الضغط على مواقع المسلحين، إضافة إلى الاشتباك بشكل مستمر لاستنزاف قوى المسلحين بانتظار التوصل إلى تسوية تقضي بإخراجهم من الأحياء. وأعلن المركز الروسي للمصالحة في حميميم أن 11 ألف مدني بينهم أكثر من أربعة آلاف طفل، خرجوا من أحياء حلب الشرقية خلال الساعات الـ 24 الماضية.
وعلى الرغم من انهيار البنية الداخلية للمسلحين في مدينة حلب، تُصرّ «جبهة النصرة» على متابعة القتال، حيث يقوم مسلحو «النصرة» بشنّ حملات اعتقال متتالية طالت مقاتلين في فصائل أخرى كانوا بصدد تسليم أنفسهم.
في هذا السياق، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن أكثر من ألف مسلح قاموا بتسليم أنفسهم للجيش السوري منذ بدء العملية حتى الآن، تمّ العفو عن بعضهم بموجب مرسوم رئاسي. وفي حين عاد أكثر من ثلاثة آلاف مواطن إلى منازلهم بعد تأمين الجيش السوري للأحياء المحرّرة وبدء العمل على صيانة وتأهيل البنى التحتية، أوضحت الدفاع الروسية أن أكثر من 93 في المئة من مساحة مدينة حلب باتت في قبضة الجيش السوري.
وفي إطار مساعي التهدئة، أعلن الجيش السوري وقفاً لإطلاق النار اعتباراً من الساعة السادسة من مساء أمس في كل من مدينة مضايا قرب دمشق، وكفريا والفوعة في إدلب اللتين تحاصرهما قوات «المعارضة»، لكنه لم يحدّد فترة الهدنة.
واشنطن ترحّب باقتراحات روسيا حول حلب
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي في هامبورغ، أن واشنطن رحَّبت بموقف الجانب الروسي بشأن اقتراحاتها الجديدة حول تسوية الأزمة في حلب، باستثناء «ملاحظتين أو ثلاث»، مشيراً إلى أنه اتفق مع نظيره الأميركي جون كيري على إجراء مشاورات على مستوى خبراء البلدين بشأن تسوية أزمة حلب غداً في جنيف.
وأوضح أن القتال في حلب سيستمر حتى طرد المسلحين من المدينة، مشيراً إلى أن تزويد الولايات المتحدة الأميركية «المعارضة» السورية بالسلاح لن يُغيّر شيئاً من واقع العمليات العسكرية في حلب، لأن السلاح لن يصل إلى المسلحين المحاصَرين بالكامل.
بدوره، أعلن كيري أن اجتماع الخبراء اليوم يأتي لمحاولة «إنقاذ حلب من دمار تام»، عبر وقف لإطلاق النار وإخلاء المدنيين والمعارضين المسلحين، وإدخال مساعدة إنسانية.
وقال أثناء حفل استقبال في السفارة الاميركية في باريس: «سنتوصل كما آمل، الى نوع من الاتفاق لكيفية حماية المدنيين وما يمكن أن يتم مع المعارضة المسلحة»، مضيفاً «نعمل بجهد مع أناس لدينا خلافات معهم، لنرى ما إذا كان بإمكاننا التوصل الى وسيلة، باسم الإنسانية، لحماية هذه الأرواح، ومحاولة فصل المقاتلين ودفع العملية قدماً. نحن قريبون من ذلك لكننا لم ننجح بعد».
إلى ذلك، صوَّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية لصالح مشروع قرار كندي، غير مُلزم، يدعو لوقف إطلاق النار في سوريا وإيصال المساعدات الإنسانية هناك، ووضع حد لحصار المدن، بما فيها حلب.
وفي حين صوّتت 13 دولة ضد القرار، بما في ذلك روسيا وإيران وبيلاروس وكوريا الشمالية وسوريا، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن تصويت موسكو ضد مشروع القرار يأتي نظراً للعيوب الكثيرة التي تعتريه.
وتحدّث عن ضرورة الشروع في إعادة إعمار سوريا، قائلاً: «التقديرات الأولية تشير إلى أن إعادة إعمار سوريا تتطلّب نحو 180 مليار دولار، وهي تكاليف لا يمكن لبلد واحد أو اثنين معاً تحمّلها، وتحتاج إلى حملة دولية لجمعها».
من جهته، أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري خلال الجلسة، أن التصويت على المشروع «يعني استمرار المتاجرة بمعاناة الشعب السوري وتقديم الدعم للإرهابيين».
وكالة «سانا» نقلت عن مصدر في وزارة الخارجية السورية قوله، إن دمشق «تعلن استعدادها لاستئناف الحوار السوري السوري من دون تدخل خارجي ومن دون شروط مسبقة»، وذلك في وقت اعتبر المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في أعقاب الاجتماع المغلق لمجلس الأمن الذي قدّم فيه رؤيته للأوضاع حول الأزمة السورية، أن الوقت قد حان لاستئناف المفاوضات السورية السورية.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس المكتب السياسي لتجمّع «فاستقم كما أُمرت» زكريا ملاحفجي في تصريحات لوكالة «إفي»، تعليق المحادثات مع دمشق وموسكو، موضحاً أن قرار التعليق جاء بعدما رفضت روسيا طلبات المعارضين، مضيفاً: «لا توجد مفاوضات حالياً لأن الروس قالوا لا لكل شيء».
السفير اللبنانية