السيمر / الاحد 12 . 02 . 2017
معمر حبار / الجزائر
كتاب “الأمير عبد القادر” للألماني برهان كارل بيرنت، ترجمة الأستاذ أبو العيد دودو، دار هومة، الجزائر، الطبعة 2012، من 238 صفحة.
تحدث الكاتب الألماني عن 5 سنوات قضاها خارج ألمانيا و ثلاث بالجزائر إبان بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر من سنة 1835 إلى سنة 1839 تاريخ فراره من الجزائر إلى الفرنسيين. وصف الأميرعبد القادر من عدة زوايا وهي التي سنركز عليها، وعادات وتقاليد الجزائريين بدقة متناهية من حيث السلبيات والإيجابيات، وهي..
أولا: الأمير عبدالقادر.. يرى أن الطاعون كان من وراء الأسباب التي دفعت الأمير لعدم اقتحام الجزائر العاصمة. واستطاع الأمير أن يضع حدا للنزاعات بين القبائل في المناطق التي كان يسيّرها. وصف الأمير عبد القادر صفحة 50، فقال: تميز منذ صغره بذكائه وشجاعته، واستطاع أن يخضع لسلطانه جميع العرب، بالشدة حينا وباللين حينا آخر، من المدية إلى المغرب، وبعض القبائل انبهرت بقوته وشدة ذكائه. و في صفحة 61، يتحدث الألماني حين قادوه إلى ولاية معسكر فأخبروه أن الأمير عبد القادر لا يقبل الأجانب في جيشه، ولا يقبل منهم سوى أصحاب الحرف. ويبدو من خلال القراءة أن الألماني تعرّف على الأمير عبد القادر إثر معركة المقطع التي انتصر فيها الأمير على المحتل الفرنسي، وهذه الملاحظة في غاية الأهمية أي أنه تعرف على الأمير وهو في تمام قوته وانتصاراته. وعن ثقة الجزائريين بالأمير عبد القادر، يقول في صفحة 65، كان الناس يعتقدون أن إنهزام الأمير عبدالقادر أمر مستحيل. فرح الألماني بكون المحتلين الفرنسيين أحرقوا بيت الأمير في معسكر حين إقتحموها. ويقول عن الأمير بأنه كانت له زوجة واحدة. ووصف حالة الإضطراب التي عاشها الأمير وجيشه ومن معه على إثر إحراق المحتل الفرنسي لمعسكر واحتلال تلمسان. ويتحدث الألماني عن كونه أصبح مترجم للأمير عبد القادر ومعدا لرسائله وقراءتها التي توجه للفرنسيين، والتي عثر على بعضها في جيوب بعض الجنود الفرنسيين المحتلين الذين تم إلقاء القبض عليهم أو قتلهم في المعارك. وخيمة الأمير كانت صغيرة متواضعة.
وصف الأمير عبد القادر في صفحة 69 فقال: ولم يكن لباسه فيه أي أثر للذهب والفضة. والأمير رجل شاب، في حوالي الثلاثين أو الواحدة والثلاثين من عمره، وهو قصير القامة، رشيق الجسم، أبيض اللون، يرتسم النبل والحلم على ملامح وجهه، وكانت عيناه ذات لون أزرق رمادي، ولكنهما برّاقتان، ولحية سوداء منتظمة، وأسنانه ناصعة البياض، وكان صوته عميقا، وكانت به نعومة ورقة، وكان يحمل ووشما صغيرا فوق جبينه وخده الأيمن ويده اليمنى. ووصفه في صفحتي 73-74 فقال: لقد جمع الأمير عبد القادر بين الدهاء العربي والشجاعة الحربية والطموح، ولكنه كان يتسم بالحلم والعدل على قدر ما تسمح به مواقفه وتطلعاته. وهو يعيش من الوجهة الدينية حياة ورعة، متمسكا بالعادات والشرائع الظاهرية، ويؤكد سلوكه في كل مناسبة مدى تسامحه وخلوه التام من الأحكام المسبقة على من يخالفه في الرأي. وهو متمكن من الكتابة العربية واللغة العربية، ومتمكن من الأدب العربي، ويخصص أوقات راحته لقراءة الأدباء والشعراء العرب، ويعرف تاريخ الخلفاء، وكان يشعر في نفسه، على ما يظهر، القدرة على أن يعيد الهلال ما كان له من غلبة وعظمة. ويتمسك في أسلوب حياته بالعادات المتبعة، بل هو يعيش أكثر بساطة وتواضعا من معيشة معظم العرب، لا يرتدي أبدا ألبسة مذهبة أو مفضفضة، إلا فوق أسلحته وجياده. وللمرة الثانية يعجب بكون الأمير ليس له سوى امرأة واحدة. ولم يكن هناك في الواقع ما يشغل قلبه غير حبه للمجد وتطلعه للأعمال البطولية، يضاف إلى ذلك حلمه ولطفه، ولذلك لم يكن من المستغرب أن يحبه شعبه ويحترمه أعداؤه من المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وفي صفحة 76 يتحدث عن رفض الأتراك تقديم حصن المشور للأمير ليتخذها مقرا لجيشه، وفي المقابل سلموه طواعية للفرنسي المحتل سنة 1836، ما يدل على خيانة الأتراك، وفي نظر الأتراك لايليق بالتركي أن يحكمهم العربي. ويتحدث في صفحة 78 عن معركة المقطع التي انتصر فيها الأمير عبد القادر بثلاثين ألف رجل ضد الجنرال المحتل تريزيل بثلاثة آلاف محتل قادما من وهران. وتحدث فيما بعد عن هزيمة الأمير عبد القادر في معركة سيدي امبارك فنتج عن ذلك استيلاء المستدمر الفرنسي على معسكر.
ويقول في صفحة 80-81: كان الأمير عبد القادر يرغب في السلام، غير أنه لم يكن يريد أن يكون أول من يطلب ذلك. ويتحدث عن قلة عدد جيش الأمير بسبب المعارك وحالات الفرار على حد سواء، فأصبح في وضع يدعو إلى الشفقة. ويخاطب الأمير بلقب سيدي ومولانا، وينتقده حين يستلزم النقد دون جرح ولا قداسة. وفي صفحة 88-89 يتحدث عن فرار بعض الجند من جيش الأمير بسبب بعدهم عن بيوتهم، وكذا إنسحاب بعض القبائل وتركه وحيدا إلا من بعض القبائل العربية يواجه المحتل الفرنسي لوحده. وقال في صفحة 100 أن الأمير عبد القادر لم يتلق من ملك المغرب غير التأكيدات الأخوية، والإعراب له عن عجزه عن تقديم أية مساعدة تتعدى الدعوات الصادقة. وتطرق الكاتب الألماني في صفحة 125 إلى خيانة باي مستغانم إبراهيم بوشناق وبعض القبائل المتعاونة مع المحتل الفرنسي ويرى بأنهم استمدوا تلك الجرأة من تسامح السلطان وضعفه الواضح. وتحدث في صفحات 128-130 عن أن الأمير عبد القادر لم يكن صديقا لأحمد باي، ويكره فيه السلطة التركية ورغم ذلك فرح وأمر بإقامة الحفلات إبتهاجا بهزيمة الفرنسيين المحتلين والمحاولين إحتلال قسنطينة أثناء المرة الأولى. ويرى أن الفرنسيين أقاموا معاهدة مع الأمير ويبدو أنها معاهدة التافنة ليتفرغوا لاحتلال قسنطينة بأي ثمن، ولذلك لبوا كل مطالب الأمير حسب الألماني، ويكفي أنهم طالب بكل السرى ولم يطالبوا بأسراهم. ويرى في صفحة 141أن المعاهدة الثانية وهي معاهدة التافنة كانت أشد ضررا على المحتل الفرنسي من أي معركة أخرى.
وصف الأمير عبد القادر في صفحة 142 بـالأمير الداهية ووصف المجتمع الجزائري الذي أكرمه واستضافه وقدم له الخيول الجميلة التي لم يحلم بها بالشعب المتعود على العنصرية والتعصب الديني. ويختم الفصل الرابع عشر بضرورة إحتلال الجزائر والاستمرار في احتلالها، ويطالب بالقضاء على الأمير عبد القادر ويحذر من التنازل له كما حدث في معاهدة التافنة التي ساعدته في الخروج من الحصار المفروض عليه من قبل ومكنته من الاستيلاء على تلمسان، ومعسكر، ومليانة، والمدية. مع العلم الأمير أحسن إليه، واعترف أن الحياة مع الأمير أفضل بكثير من العيش في الفرقة الأجنبية التابعة للجيش الفرنسي المحتل. ويقول في الفصل السادس عشر 149-156، أن الملك فيليب هو الذي وقع معاهدة التافنة مع الأمير، لأن الأمير عبد القادر رفض أن يوقع المعاهدة مع أيّ جنرال. ويتحدث عن أن الأغنياء من الأتراك والكراغلة إنضموا جميعا للمحتل الفرنسي ضد الأمير عبد القادر.
ويقول عن نفسه في الفصل السابع عشر157-168، أنه يتقن اللغة العربية، والألمانية، والإسبانية، والإيطالية. وتحدث عن التبذير الذي يحدث في الأعراس العربية. وفيما يخص الفصل الثامن عشر 168-174، تأسف الألماني لكون فرنسا تركت الحصون للأميرعبد القادر، وأنه رفض التنازل لفرنسيين عن مطالبهم معتمدا على بنود معاهدة التافنة. وتحدث عن كون بعض الفرنسيين حاولوا تقليد الألمان في الفرار من الجيش الفرنسي المحتل والالتحاق بالأمير عبد القادر لينالوا الحصان الجميل القوي، ولباس ذا جودة، ووظيفة سامية، وحسن معاملة من الأمير.
ثانيا: المجتمع الجزائري..وصف الفرقة الأجنبية التابعة للجيش الفرنسي المحتل للجزائر في صفحة 26 بحثالات أوربا بأسرها، وأبدى فرحا شديدا حين علم أنهم سيحتلون البليدة. ظل يصف الحصان العربي بالجميل والقوي وبأن سرعة الجياد العربية تشبه سرعة الرياح. ويعترف أن الجزائريين الذين ألقوا عليه القبض أحسنوا إليه، وظل يتفاخر بحسن معاملتهم على الغربيين الذين كانوا ضمن الفرقة الأجنبية، وكان يقول أن طعامنا أحيانا كان أفضل مما يقدم للخليفة. تحدث بشكل كبير عن جمال المرأة الجزائرية وأعجب بجمالها أيما إعجاب وظل يصفه وهو يفر من الجزائر للمرة الثالثة، وتحدث عنها وهي تلبس “ملاية كبيرة بيضاء”. يتحدث عن شرب الجزائريين للقهوة بشكل ملفت للنظر حتى أنه سماه بـ “المشروب المحبوب”، ما يدل أن ولع الجزائري بالقهوة خاصة السوداء منها عادة جزائرية وليست من آثار الاستدمار الفرنسي كما يقال ويكتب. قال عن الجزائريين بأنهم لايدخنون ويرفضون ذلك في مجالسهم عكس الأتراك. تحدث عن زملاء ألمان وفرنسيين فروا من الفرقة الأجنبية والتحقوا بالجزائريين لحسن معاملتهم لهم. تحدث عن ظلم الأتراك للجزائريين وكيف أنهم منعوهم من التنقل وحمل السلاح بل لم يكونوا يسمحون لهم بحمل السكين، وأرهقوا كاهلهم بالضرائب. وصف العربي في صفحة 50، فقال: العربي شجاع أيضا ومضياف، ولكنه سارق ومكار. ولغته لغة عربية واضحة، ولكنها ليست لغة القرآن، بل هي لهجة دارجة، كما أنه لم يبق شيء من تلك المروءة القديمة. ويقول في صفحة 72 أن الأتراك يعاملون الجزائريين معاملة احتقار وعبيد، لذلك حاربهم الجزائريون ومنهم من التحق بالفرنسي المستدمر نكاية في ظلم الأتراك. وفي الفصل التاسع 107-114 وهو يتحدث عن فراره من الجزائر ومن الأمير عبدالقادر الذي أحسن إليه وأكرمه أيما إكرام، وراح يصف كرم الجزائريين الذين أحسنوا إليه وزملائه رغم قلة الشيء ودون مقابل. وفي صفحتي 110 و195 تحدث عن الأسود في الجزائر، ما يدل على أن الجزائر إلى عهد قريب كانت تزخر بمختلف أنواع الحيوانات النادرة. وفي آخر الكتاب أفرد فصلا “يحتوي على شروح للعادات والتقاليد والتعابير اللغوية وغير ذلك”، عبر صفحات 203-238، شرح من خلاله بعض العادات الجزائرية والعقيدة الإسلامية كما رآها، وسلوكات الجزائريين كما عايشها عبر المقاهي والحمامات، وبعض العبارات الخاصة، وكذا قاموس مفردات من الألف إلى الياء يشرح فيه الكلمة العربية كما ينطقها الجزائري بالعامية، وكم كنت أتمنى من المترجم أبو العيد دودو، أن لا ينقل بعض الكلمات بعامية مسيئة للسمع والنظر.