السيمر / الثلاثاء 28 . 02 . 2017
محمد ضياء عيسى العقابي
خلاصةً، لماذا يبيّض التحالف الوطني الوجوه الطغموية** التي إسودَّت وسقطت إستراتيجياً بفعل فسادها وأعمالها الخيانية بتعاونها مع الإرهاب والأعداء في الخارج؟ لقد حصد إرهابهم أرواح مئات الآلاف من الأبرياء وأصاب وعوَّق مئات الآلاف من الآخرين ورمّل ويتّم وشرّد الملايين؛ ودمر إرهابهم المدن والنواحي والقرى والقصبات. ما عادت هذه الوجوه القبيحة قادرة على الإبتزاز وفرض ما تريد لأنها أصبحت غير قادرة على تحريك بعض الجماهير ودفعها الى الشغب والفوضي وتمرير داعش مرة إخرى. لقد نبذتها الجماهير السنية الطيبة بعد أن كشفتها ولمست منطلقاتها وتوجهاتها الجهنمية. إذاً، لماذا لا تتيحون المجال للجماهير لإنتخاب قادة جدد لهم؟ إن الأمريكيين يحاولون إعادة إنتاج أولئك القادة الفاشلين العملاء لمنفعتهم الخاصة.
كما سقط رعاة تلك الوجوه الطغموية في المحيط الإقليمي والخارج إستراتيجياً بسقوط المؤامرة الداعشية التي حبكوها.
هم أقوياء بعسكرهم وإعلامهم ومالهم … نعم، ولكنهم ضعفاء أمام وعي الشعب العراقي وتصميمه على صيانة ديمقراطيته إعتزازاً بها لا من منطلق التمنطق البلاغي بل من منطلق عملي ملموس أقنعهم أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لضمان أمنهم الشخصي وضمان وحدة العراق وديمومة العيش المشترك لجميع أطياف الفسيفساء العراقي على أسس المواطنة وتحقيق العدالة الإجتماعية والعدالة السياسية والحريات.
إن احترام الدستور والتمسك بالنهج الديمقراطي السليم كفيلان بتحقيق العدالة الإجتماعية والأمن المجتمعي وصيانة الحريات المسؤولة بعيداً عن الطائفية والمحاصصة.
تكون “المصالحة” و “التسوية” مطلوبتين في حالة إستحواذ وإستئثار جهة ما على الحكم بالقوة تحت أية ذريعة، حتى لو كانت صائبة، ومن ثم إستأثرت بالحكم وأقصت الآخرين. عندئذ يُصار الى المصالحة والتسوية لوجود طرفين متنازعين أحدهما (سواء كان مصيباً أو مخطئاً) ظفر بالسلطة عنوة وإنتزعها من طرف آخر فَقَدَ السلطة (أيضاً سواءً كان مصيباً أو مخطئاً) ولم يُعطَ الجميع الحق المتساوي للتنافس عبر صناديق الإقتراع. ثم أراد الطرف المستأثِر فيما بعد، لسبب أو آخر، تصحيحَ الوضع فيحتاج الأمر، عندئذ، الى مصالحة وتسوية وتفاهم مسبق.
وهذا ما لم يحصل في العراق منذ إنتخابات 30/1/2005 حين أُعطي الحق للجميع في التعبير عن آرائهم والتنافس الحر عبر صناديق الإقتراع التي أدارتها الأمم المتحدة وراقبها ما يناهز (320) ألف مراقباً محلياً وأجنبياً بعد أن أقرت أمريكا للأمم المتحدة بكونها دولة إحتلال.
إن إدارة الأمم المتحدة للعملية الإنتخابية دحض نظرية الشيخ حارث الضاري، رئيس “هيئة علماء المسلمين” الذي أفتى بأن الإنتخابات جرت بوجود قوات الإحتلال فهي باطلة لأن “ما بني على باطل فهو باطل”، على أساس أن الإحتلال لم يكن شرعياً أي لم يحظَ بتخويل الأمم المتحدة ممثلاً بمجلس الأمن. وهذا صحيح عند حد عدم شرعية الإحتلال. لكن الفتوى غير دقيقة فيما يخص الإنتخابات، ففتوى الشيخ الضاري باطلة للسبب التالي:
إن أمريكا بعد إحتلالها العراق ذهبت الى الأمم المتحدة وأقرت بأنها إحتلت العراق وأصبحت دولة إحتلال وأصبح العراق بلداً محتلاً. فقامت الأمم المتحدة بتنظيم إنتخابات لمجلس تأسيسي عراقي بتأريخ 30/1/2005 كتب دستوراً وأقره الشعب في إستفتاء أجرته، الأمم المتحدة، في 15/10/2005. وهنا وُلدت شرعية الحكم المطلقة في العراق وكان نظاماً دستورياً ديمقراطياً. وتمت إنتخابات أخرى في 15/12/2005 بموجب الدستور المعتمد. وحددت الأمم المتحدة (مجلس الأمن) نهاية عام 2008 كآخر موعد لبقاء القوات الأمريكية تحت مظلة الأمم المتحدة ومن بعدها يحق للعراق (ممثلاً بحكومته الشرعية المنتخبة) إخراج القوات أو تمديد بقائها حسب حاجته وتقديراته. وعقدت الحكومة المنتخبة شرعياً إتفاقية مع أمريكا وقعت في 17/11/2008 وأصبحت سارية المفعول في 1/1/2009 تم الاتفاق فيها على بقاء القوات حتى نهاية عام 2011 وقبلها يتم الاتفاق على الخطوة اللاحقة. وفي عام 2011 لم يوافق رئيس الوزراء المالكي وأيده النائب الأول لرئيس مجلس النواب قصي السهيل على منح القوات الأمريكية حصانة من القضاء العراقي (ووافق البرزاني وتملص علاوي وعادل عبد المهدي من إبداء الرأي!).
لذا فالانتخابات جرت باشراف الأمم المتحدة مثلما جرت في كل البلدان المحتلة والمستعمرة أي ليس بالضرورة شرعياً أن تُجرى الانتخابات بعد مغادرة قوات الاحتلال. ومهما يكن من أمر فإن الأمريكيين والأمم المتحدة والنظام الرسمي العربي حبذوا تعيين أياد علاوي كرئيس للوزراء ربما من منطلق أن العراقيين سيصوتون لعلاوي في الإنتخابات القادمة في 30/1/2005 على أمل أن التصويت سيكون وفق صيغة “الناس على دين ملوكهم”!!! بينما فاز إبراهيم الجعفري بأغلبية ساحقة.
في إنتخابات 7/3/2010 فاز إئتلاف العراقية بقيادة أياد علاوي بـ (91) صوتاً وإئتلاف دولة القانون بـ (89) صوتاً بينما كلف رئيس الجمهورية نوري المالكي لتشكيل الوزارة لأن الأحزاب الإسلامية دخلت في تحالف بعد الإنتخابات بإسم “التحالف الوطني” وأصبح مجموع أصواتها يقترب من نصف المجموع الكلي. راح الطغمويون يطبلون لحد اليوم معتبرين ذلك تحيزاً ضد علاوي ومخالفة دستورية وسلباً لحقه. هذا مردود لسببين: أولاً أن مجلس القضاء حكم بجواز تشكيل تحالفات بعد الإنتخابات ويؤخذ بأصوات التحالف وليس بأصوات مكوناته. ثانياً: لنفترض أن رئيس الجمهورية كلف علاوي لتشكيل الوزارة. ما يحصل هو أن علاوي كان سيدور على الأحزاب والتحالفات لمدة شهر وهي المهلة القانونية المتاحة له ليضمن أغلبية برلمانية ولكنه لا يحصل عليها بسبب أن التحالف الوطني كان بحاجة الى أقل من 20 صوتاً ليضمن الأغلبية وهو أمر يسير جداً لأن التحالف الكردستاني كان مايزال بحاجة الى التحالف الوطني سياسياً ولا يمكن أن يصوت ضده.
إن ممارسة الديمقراطية واحترام الدستور لا يدعان مجالاً للمحاصصة والطائفية والظلم السياسي والإجتماعي. فلا حاجة بعدئذ لمصالحة أو تسوية أو غيرها من المصطلحات. لم يحرم من حق التصويت في الإنتخابات البرلمانية إلا من تمت محاكمته وحكم عليه بالسجن وحرمانه من حقوقه المدنية لإقتراف جرم. وهناك عدد محدود لايزيد على (30) ألف من أعلى ثلاث حلقات قيادية في حزب البعث ونظامه حُرموا من حق الترشح لمجلس النواب أو شغل مناصب حكومية عليا (مدير عام فما فوق). إن هذا العدد لا يقارن بتاتاً بحجم الجرائم التي إقترفت بحق المواطنين إبان العهد البعثي الطغموي الذي مارس سياسة التطهير العرقي والطائفي الممنهجة فبلغت المقابر الجماعية فقط ما يقرب من خمسمائة مقبرة ناهيك عن السجناء السياسيين الذين تعرضوا للتعذيب وبلغ الإجرام حد إستخدام السلاح الكيميائي في حلبجة الكردستانية. لذا فلا حاجة حتى لـفترة “عدالة إإنتقالية” أيضاً كما جرى في جنوب أفريقيا. الباب مفتوح لمشاركة الجميع في العملية السياسية حتى لأولئك الذين رفضوا هذه العملية حتى هذا اليوم على أن لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين. وهؤلاء لا يحتاجون الى مصالحة أو تسوية فكل المطلوب منهم ممارسة حياتهم وحقوقهم الكاملة كمواطنين ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أما حظر حزب البعث فهو محدد دستورياً وموصوف بـ”حزب البعث الصدامي” وأعتقد يمكنهم تقديم طلب لتأسيس حزب بإسم “حزب البعث اللاصدامي” وهذا ما يتحاشاه الطغمويون لأنهم يعلمون جيداً ما يعني إسم “البعث الصدامي” للعراقيين!! إضافة الى أن لديهم أحزاب عديدة تشارك في الإنتخابات بأسماء مموهة ولكنهم ينوحون دائماً وهو تكتيك تظلمي دعائي معروف ولا ينطلي على أحد.
لا يشكو الطغمويون من إقصاء أو تهميش أو إضطهاد حقيقي (تفحّص تشكيلات الحكومات منذ 1/1/2006 ولحد الآن، هل هناك تهميش؟ أُقرُ أنهم يريدون ديمقراطية “للكَشر” كتحديد نوع الأبريق الذي يأخذه المالكي معه للتشطيف!!! إن المالكي لا يرضى بذلك، لذا فهو إقصائي مستبد لا يشتري علاوي كلامَه “بفلسين” على حد قول علاوي في منتصف عام 2011!!!!) إنهم يشكون من النهج الديمقراطي خاصة إذا طُبق سليماً بالأخذ بنهج التصويت وإعتماد رأي الأغلبية.
إنهم يريدون العودة الى المشروع الذي طرحه الشيخ حارث الضاري على الممثل الأممي الدكتور الأخضر الإبراهيمي والقاضي بالأخذ بصيغة “أهل الحل والعقد” (أي إمتلاك حق “الفيتو” عبر فذلكة الإجماع في إتخاذ القرارات) ورأتها الأمم المتحدة صيغة متخلفة وغير عملية ولا ترقى الى المعايير الدولية أزاء المشروع الذي طرحه السيد علي السيستاني والداعي الى الأخذ بصيغة “خير وسيلة للتعبير عن رأي الشعب العراقي هي صناديق الإقتراع”.
على أن صيغة الشيخ الضاري لقيت دعماً غير مباشر من الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي قال “الأخذ بالنظام الديمقراطي مناسب للعراق على أن تؤخذ الظروف التأريخية بنظر الإعتبار”. أي أراد “ديمقراطية” على النمط الهزلي البحريني (الذي حبذته ندوة في راديو هيئة الإذاعة البريطانية/ القسم العربي، حبذته كنموذج للعراق من أجل الضحك على شيعته “السذج”!!!!). قيلت كلمات شيراك يوم كانت أمريكا تحت رئاسة بوش الإبن الذي أراد الإستفراد بالهيمنة على العالم (قبل النهوض الروسي على يد بوتين) ضارباً حلفاءه الإمبرياليين الأوربيين عرض الحائط ، بينما كان العراق أيام صدام مرتعاً للفرنسيين وإنتزعه منهم المحافظون الجدد الى أن جاء أوباما فتصالح مع أوربا وتقاسم الكعكة معهم وعادت فرنسا تتبع أذيال أمريكا ثانية فالإمبرياليون أخوة و “الطيور على أشكالها تقع” و “رأس المال موحد في العالم” كما قال لينين !!!! ولا أعرف ماذا سيحصل مع ترامب الذي يعتبر النفط العراقي وكأنه يستخرج في حديقة بيته الريفي!!!!
لم يقدم الطغمويون طروحاتهم وملاحظاتهم في مؤتمر حوار بغداد الى اللجنة المنظِمة للمؤتمر بل صرحوا أنهم سيقدمونها الى الأمم المتحدة.
سؤالي: لماذا؟
أراهن على أنهم أعادوا مشروع الشيخ حارث الضاري أي مشروع “أهل الحل والعقد” الى الواجهة وخجلوا من إعلانه على جماهيرنا العراقية (التي هي أوعى من مستثقفيها الخائبين ، بفعل تحسسها الغريزي لمصدر الخطر الإرهابي على حياتها وعلى دولتها الديمقراطية التي لا يمكن إلا أن تكون مدنية وهي بالفعل مدنية!!!). إلا أنهم، الطغمويين، يأملون أن تفرضه الأمم المتحدة بمساعدة أمريكا و “المجتمع الدولي” (الذي عاد يعني “أمريكا” بعد أوباما!!) على العراقيين رغم أنوفهم لأن الأمريكيين بيدهم أدوات مخلصة بفعل المصالح: النجيفي الذي أعادوه للقصر الجمهوري وإحتمال عودة نسيبه وزير الدفاع المقال وبيدهم البرزاني وأبواقه (وعلى رأسهم “جيفارا العراق” الخائب) وبيدهم “المناضلون” أصحاب شعار “بإسم الدين باكَونا الحرامية” وشعار “بغداد حرة حرة … إيران بره بره” ومقولة “الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة”!! وقول الشيخ الصدري إبراهيم الجابري وهو يفتتح خيمة الإعتصام في ساحة التحرير “إنهم يتبعون دستور بريمر ونحن نتبع دستور محمد وآل محمد” (وهو قول رنان صفق له الزعيمان البروليتاريان المدنيان للكَشر جاسم الحلفي** وأحمد عبد الحسين) …. بعد كل هذا … “فأين المفر يا عبادي ويا مالكي ويا جعفري … ويا مرجعية؟!!!”، هذا ما يعتقد الطغمويون أنه سيدور في خلد الأمريكيين عندما يفرضون نظام “أهل الحل والعقد” حسب آمالهم العريضة!!!! وهم قبل ذلك ولسنين حاولوا الإطاحة بالدستور لصياغة دستور “مدني” جديد خاصة في ساحات الإعتصام (التي شهد لها البروليتاريان المدنيان جاسم الحلفي وهناء أدور أنها، الإعتصامات، كانت تطالب بالحكم المدني بدلالة عبور داعش تحت جناحها متوجهة الى الفلوجة لتأسيس الحكم المدني هناك …. وأسسوه!!!).
إن خطوة الطغمويين في محاولة فرض “أهل الحل والعقد” هو في جوهره رفض للديمقراطية ورفض للآخر وهو طرح تكتيكي لإستعادة سلطتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) : للإطلاع على مقال “هل ينفع حوار الفاسدين في بغداد !؟” برجاء مراجعة الرابط التالي:
(**): برجاء مراجعة أحد الروابط التالية للإطلاع على مفهوم “الطغموية والطغمويون” :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=548749
http://www.qanon302.net/in-focus/2017/02/25/93085
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224768.html
http://saymar.org/2017/02/26151.html
http://www.alnoor.se/article.asp?id=316882
http://www.alqosh.net/mod.php?mod=articles&modfile=item&itemid=37857
مهرجان المسرح العربي 2016.. التألق الحقيقي و القدرة على صناعة الدهشة..