الرئيسية / الأخبار / رائد فهمي: تغيير موازين القوى ممكن

رائد فهمي: تغيير موازين القوى ممكن

السيمر / الخميس 16 . 03 . 2017 — عقد الحزب الشيوعي العراقي ندوة جماهيرية بعنوان (التغيير نحو دولة المواطنة.. ضرورة وامكانية) في الرابع من آذار 2017 على قاعة جمعية المهندسين العراقية، تحدث فيها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي قائلاً:
هناك تقدير واسع بأن المؤتمر الوطني العاشر كان حدثاً سياسيا مهماً وقوبل بترحاب كبير ليس فقط من الشيوعيين وأنصارهم وأصدقائهم بل حتى أبعد من هذه الدائرة, المؤتمر أشر الى أمل في اللوحة السياسية التي تثير الكثير من الكآبة بعد سنوات من الاحباط والفشل والوضع المتردي لحياة المواطنين والفساد المستشري في مفاصل الدولة بحيث اصبح هو الخطر وكابحا من كوابح النمو والتطور. وغدا المفسدون شريحة متحكمة بمفاصل السلطة فيما الكثير من المتنفذين متشبث وغير مستعد لتقديم أي تنازل من أجل فسح المجال لقوى اخرى تتولى زمام الامور او تتصدى للشأن العام.

انتصارات عسكرية مضيئة وسط ازمة عامة
الانتصارات العسكرية هي النقطة الأساسية المضيئة في اللوحة السياسية الان، وهي غير قليلة ولكن الانتصارات العسكرية الباهرة التي تحققت ونحن نشيد بها وندعمها ونوجه التحية لكل الفصائل والتشكيلات المشاركة فيها, لكنها بحد ذاتها غير كافية لكي تفتح بالضرورة افقا سياسيا واعدا للبلد، لا بل ان القلق يساور الكثيرين عن ماذا بعد داعش؟ وماذا بعد الموصل؟ ما هو مصدر هذا القلق؟ فالبعض يقول أن كل القوى قد توحدت ضد عدو شرس وحشي متمثل بداعش ولكن عند غياب هذا العدو قد ترجع الامور الى نقاط الانقسام وعدم الاتفاق وخاصة فيما يتعلق بخواتيم الامور بعد داعش وبعد تحرير هذه المناطق. والحديث يدور عن الاوضاع ومآلها سواء في داخل المناطق التي تم تحريرها أم على مستوى الوطن حيث يجري الحديث عن الدولة العراقية فهناك تصورات مختلفة في بنيتها. وهناك من يتحدث عن تشكيلات جديدة في بنائها ؛ اقاليم و محافظات جديدة واعادة ترتيب الأوراق.ولابد من تأشير ان هناك قوى صعد نجمها وأخرى أفل نجمها وهذا يحوله البعض، عن قصد او عن غير قصد، الى مصدر قلق. ما يكبر مساحة القلق ان مسؤولين كبارا في الدولة يتحدثون عن ان البلاد لا يمكن الاستمرار في إدارتها بشكل عام كما كانت تدار قبل 2014 فهناك فشل ضاعفه احتلال داعش لأراضينا وتعرض البلاد إلى أزمة اقتصادية وتداعي الموارد وهي بالكاد تغطي الرواتب الأساسية من تصدير النفط. حقا اصبحت الرواتب مشكلة ناهيك عن الاستثمار والعمالة الجديدة، اضافة الى المشاريع الجديدة. والحقيقة الماثلة اننا خلال الفترة الماضية لم ننجز شيئا على صعيد بناء القدرات الانتاجية للبلد وهذا يشترط بناء القطاع الزراعي والقطاع الصناعي وغيرهما من القطاعات واصبحنا مكشوفين تماما. عشر سنوات مضت وفي معظمها كان هناك فائض كبير في الموازنة حيث بلغ سعر النفط بين 100 الى 130 دولارا او اكثر، لكن كل هذه الاموال تبددت والحديث يدور حول اننا انفقنا 800 إلى 900 مليار دولار. التخصيصات من غير الرواتب هي بحدود 300 مليار او اكثر، اين هذه الاموال؟ واين تبددت وانفقت؟.

انطلاق الحركة الاحتجاجية
هذا الفشل الذريع كان احد العوامل المهمة لانطلاق الحركة الاحتجاجية الكبيرة منذ تموز 2015. وهذه الحركة مستمرة وبحالة نادرة عالميا. استمرت الحركة منذ سنة ونصف السنة او اكثر وبدون انقطاع، وهي ليست احتجاجا اسبوعيا فقط وانما هناك اعمال احتجاجية مختلفة مستمرة وهي تطالب بالإصلاح الشامل: سياسي، اقتصادي واصلاح حتى في بنية القضاء، وكذلك محاربة الفساد وتأمين الخدمات كعناوين عامة. هذه المطالبات المستمرة انخرط فيها مئات الالاف من الناس بل الملايين في لحظات. ورغم انحسار الاعداد بين الفينة والاخرى ولكنها متواصلة في معظم محافظات العراق وهي بهذه الصورة المستديمة وبمطالب ملحة ومستمرة، وفي اطر وسياقات وشعارات ذات طابع وطني عام بعيدا عن الهويات الفرعية، وبعيدا عن الطائفية والتعصب، مدنية ليس فقط بشعاراتها بل بسلوكها وقواعدها، سلمية بامتياز رغم بعض الحوادث هنا وهناك، تنم عن سلوك حضاري متقدم أثار إعجاب الكثيرين. والبعض في العالم اليوم يلتفت الى هذه التظاهرات وديمومتها. وهذه التظاهرات قد لا ينظر اليها البعض الا من زاوية واحدة تتمثل بعدد الحضور. التظاهرات حققت الكثير حيث انها غيرت المناخ السياسي، واليوم لا توجد قوة متنفذة في البلد ولا يوجد مصدر قرار سياسي او تشريعي من دون أن يلتفت الى ساحات التظاهر، ومن دون أن يأخذ بالاعتبار المطالب المطروحة وكيف سينظر الى القرار امام ساحات التظاهر وساحات الاحتجاج. ساحات الاحتجاج بقصد او بدون قصد، فهي باستمراريتها تفرض نوعا من الرقابة العامة على الوضع السياسي، رقابة غير مدعومة من المؤسسات وهي شكل من اشكال الرقابة الجماهيرية وصارت محركا للرأي العام، بل حتى القوى المتنفذة المتنمرة المستاءة من هذه التظاهرات لا تجرؤ على مواجهتها بصراحة ولكنها غير راغبة في استمرارها، وهي عندما تجد ثغرة ما فإنها تهجم بدون رحمة ولاحظوا قبل اسابيع فقدنا 16 شهيدا في تظاهرة سلمية باستخدام القسوة والشراسة في مواجهة التظاهرة. وهذه القسوة هي رسالة ليس فقط للمتظاهرين وانما ايضاً لمن يرغب في التظاهر ويريد اللجوء الى الضغط بهدف التغيير.

التغيير على جدول الأعمال
لكل هذه المعطيات، اصبح التغيير على جدول الاعمال, وهذا التغيير ليس مطلبا شعبيا فقط وانما اصبحت حتى القوى المتنفذة ذاتها تتحسب وتتحوط له، لأن الحرب ضد داعش وما تلاها وما رافقها وتأثير التظاهرات والاحتجاجات ترك اثاره على الشريحة السياسية المتنفذة. بعض الوجوه أميط عنها اللثام وأصبحت الآن حقيقة عارية أمام الجماهير وسقطت سياسيا امام الرأي العام الجماهيري وانخفض رصيدها الى حد كبير وحتى رموز كبيرة تعاني من ذلك وبالتالي اصبحت تقلق وتشك في امكانية تجديد الثقة بها.
هناك رموز سياسية وشعارات سياسية وخطاب سياسي كانت تؤمن هيمنة القوى المتنفذة واليوم اصبحت مكشوفة وفقدت الكثير من تأثيرها، وبالتالي فحتى هؤلاء أصبحوا ينظرون الى قضية التغيير كحقيقة لابد أن تتجسد ويتحسبون لكيفية التعامل معها.ان حالة الاحتراب والفوضى حتى لمن أرادها فوضى خلاقة خلفت اليوم هذا النوع من الضعف في أسس بناء الدولة ونفوذها وسلطتها وقدرتها في فرض الأمن على عموم الأرض العراقية، وقدرتها، ايضا، على قطع الطريق أمام أشكال مختلفة من الاعمال الارهابية،اضافة الى عدم القدرة على حصر السلاح بيد الدولة والبعض من القوى الكبرى والاقليمية قام بتوظيف القوى الارهابية لتحقيق اهدافه، ولكن اليوم هذه كبرت وتغولت بحيث أصبحت القوى الارهابية تهدد مراكز الدول الغربية، في اوربا والولايات المتحدة، وأصبح الإرهاب ظاهرة دولية بامتياز وخطره يهدد العواصم وبالتالي هذا الوضع الذي َولد مثل هذه الظواهر لابد من تعديله. التغيير اذاً على جدول الأعمال.

أي نوع من التغيير، ومن هي قواه، وماذا نريد منه؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من التغيير نريد ومن هي قوى التغيير؟ وماذا نريد من التغيير؟ هذه القضايا كانت حاضرة في نقاشات المؤتمر الوطني العاشر للحزب ومجمل اعماله والاوراق والتقارير التي اُعدت والتي طرحت للمناقشة امام لرأي العام. وحزبنا هو الحزب الوحيد في البلد الذي يطرح مسودات وثائقه امام الرأي العام ويتقبل الملاحظات ويأخذها ويتعامل معها ومن ثم يطرحها في مؤتمراته. وقد تناولت الوثائق والأوراق التي طرحت هذه المواضيع كما تناولت عمق الأزمة التي تعيشها البلاد،ملامحها، تطورها، سياقاتها، ابعادها، وما هي المخارج التي ينبغي التعامل معها؟. والأزمة لم تعد أزمة جزئية وهي ليست فقط أزمة حكم أو أزمة اقتصادية وأزمة اجتماعية وأزمة في إدارة الدولة وأزمة المؤسسة القضائية، وانما هي جميع هذه الازمات التي تشابكت لتتحول الى ازمة بنيوية في البلد.

أزمة البلاد البنيوية
ماذا نقصد بالأزمة البنيوية؟ اولا اذا اخذنا بعدها السياسي فان هذا النمط من الحكم قام على اساس الطائفية السياسية، والتعبير عن الطائفية السياسية ونظام المحاصصة، احزاب وكيانات سياسية للطائفة وانتماء الهويات قد تكون هوية طائفية او دينية او قومية او اثنية ولكنها لا تقوم على مشاريع برنامجيه تتضمن رؤى لبناء دولة، لبناء الاقتصاد. وبعد الاحتلال الامريكي واستمراء قوى عراقية متنفذة تشكلت هذه البنية السياسية لنظام المحاصصة القائم على الطائفية السياسية. ونظام المحاصصة كان ينطلق من فكرة تقول أن في البلاد المتعددة الأعراق والقوميات والمذاهب كالعراق، وعندما تكون العلاقات ليست بالشكل السوي والسليم كما ينبغي، فيجب تأمين السلم الأهلي والاستقرار والمشاركة ويصار الى ديمقراطية سميت بالديمقراطية التوافقية والتي تعمل باتجاه مشاركة الجميع في مؤسسات الحكم، اي تشارك المكونات في الحكم عبر ممثليها. ومن هم ممثلو المكونات؟ هم الأحزاب والقوى والاشخاص التي ادعت انها تمثل هذا الطيف أو ذاك.
وبما أنه بعد 2003 لم تكن تتوفر مؤشرات موضوعية، مثل عملية انتخابية نزيهة، تدلل على تمثيل هذه المكونات وقواها العددية ثم اللجوء الى التعامل مع الأحزاب البارزة التي كانت في المعارضة ومعظمها عدا الأحزاب ضمن التيار الديمقراطي والذي يعتبر الحزب الشيوعي وغيره من القوى ضمن هذا الطيف السياسي، كانت أحزاب هويات اما اثنية قومية او مذهبية، سنية او شيعية اسلامية. وعندما شرع الدستور العراقي عام 2005 فانه لم يتضمن الاشارة الى المحاصصة خلافا لما تروج له القوى المتنفذة، كما لم يتضمن التوافقية، وكل ما تضمنه هو فقرة واحدة من بنوده واشارت الى القوات المسلحة التي ينبغي أن يراعى فيها مبدأ التوازن، وجاء مبدأ التوازن هنا كرد فعل على السياسات المستخدمة في زمن صدام حسين التي كانت تقصي من المؤسسة العسكرية، او لا تسند لهم مواقع قيادية فيها، سواء الكرد او الشيعة او غيرهم وحصل هذا التمييز على اسس مذهبية او حزبية. المهم كانت المؤسسة العسكرية غير متوازنة في تركيبتها وبالتالي مبدأ المواطنة غير سار فيها ولم يكن لأبناء الشعب العراقي نفس الحظوظ في المشاركة في المؤسسة العسكرية ولذلك كان الكلام لإعادة التوازن في هذه المؤسسة، بهدف ابعادها عن التمييز ولكن مبدأ التوازن هذا الذي جاء فقط في مادة واحدة من الدستور جرى التمدد في استخدامه من قبل القوى المتنفذة واصبح يسري على كل مفاصل الدولة سواء مجلس الوزراء او مفاصل الدولة التنفيذية وعلى مختلف المستويات. وكان من الأهداف المثبتة المعلنة تأمين الاستقرار والمشاركة، ولكن منذ 2005 حتى الآن لم يتحقق الاستقرار ولا الشعور بالمشاركة المجتمعية ولا الاداء الاقتصادي واداء الدولة قد تحقق. وقد عجزت الدولة عن تحقيق الأهداف كما ينبغي ولأي من مشاريعها. فبناء الدولة العام مختل بحيث الآن لا تتوفر لها رؤى موحدة, هناك رؤى للدولة ولكن من الصعب ان نسميها موحدة وهذا ما نلاحظه في ميدان السياسة الخارجية والاقتصاد وفي كل مفاصل الدولة. اذاً الاهداف الرئيسة لنظام المحاصصة بمعنى تحقيق الاستقرار والسلم الاهلي والبناء الاقتصادي المتماسك وبناء الدولة قد لم تتحقق وفشل هذا النظام على كل المستويات, وهذا الفشل انعكس على حياة الناس، وليس فقط تأثير الوضع الأمني ومازلنا نعاني منه لاكما يجري الحديث. اما على الصعيد الاقتصادي وصعيد الدولة فحدث ولا حرج، الفساد اصبح مستشريا واصبح آفة تعيق أي عمل بناء.

عجز الدولة عن معالجة المشاكل
دولة بهذا الشكل لا تستطيع معالجة المشاكل و الازمات المتفاقمة. في البداية كان هناك رصيد سياسي ما للقوى المتنفذة ويوجد وضع مالي جيد يساعد في تخفيف الازمة وتداعياتها ومن اعبائها. وهذه الامكانية استنفذت منذ 2014 و2015. الدولة الان هي مرتع للفساد وأي مسعى جدي لمحاربة الفساد غير ممكن في ظل الارتباط بنظام المحاصصة. نعم قد يستطيعون محاربة الفساد في هذه الحلقة او تلك, ولكنهم غير قادرين على محاربته كمنظومة متكاملة ووقف اعادة انتاجها. صحيح ان الفساد اليوم ليس بالسعة التي كانت لأن الأموال قد قلت ولكنه ما زال مستشريا ولاحظوا مؤخرا احتجاجات سواق الشاحنات حيث يجري ابتزازهم والعملية مرتبطة بقوت الشعب. اذاً الفساد ما يزال مستشريا ويعرقل بناء وعمل الدولة.

الحلقة الأرأس في التغيير
ماهي الحلقة الأرأس في التغيير، هل يمكن تغيير اقتصادي في بلد ريعي دون اصلاح سياسي؟، وماذا نقصد بالإصلاح السياسي؟ بالأساس نقصد به الخلاص من نظام المحاصصة، وكيف نتخلص من نظام المحاصصة والعراق فيه اطياف مختلفة وهناك عدم الثقة. نعم الكل يتفق على ان المحاصصة سيئة، ولكن يقولون نحن نتخلص من المحاصصة بالاعتماد على حكومة الاغلبية ولكن أي أغلبية؟
الاحزاب المبنية على الطائفية هي تعبر عن اغلبية طائفة، معناه اقصاء قوى اخرى وهذه ليست اغلبية سياسية ولكنهم تداركوا الامور مؤكدين على انهم يريدون اغلبية سياسية قائمة على برامج يمكن ان تجمع على ارضيتها ليس طيفا معينا وانما مجموعة اطياف، معناه يمكن ان تجمع الاحزاب الشيعية والسنية والاحزاب الكردية،هذا معناه حصل تحريك في المواقف.. ومن المهم اخضاع هذا للتحليل. نعم في البلدان الديمقراطية الاغلبية السياسية مطلوبة وفق برامج لمعالجة اوضاع الدولة والمجتمع برؤية معينة يقوم بها حزب او تتفق عليها مجموعة من الاحزاب بغض النظر عن هوياتها وتعمل سوية. هل هذه الرؤية يمكن ان تحققها الاحزاب التي تتحدث عن الاغلبية السياسية عندنا؟ وهل هم تخلصوا فعلا من طبيعتهم الهوياتية الضيقة؟ هل هذه الاحزاب في عملها وتركيبتها وبنائها وفي خطابها بمجمله وفي نمط ادارتها للدولة، هل قد تخلصت تماما من المنهج الطائفي الضيق؟ الطائفية التي نقصدها هي ليست المذهبية فقط وانما حتى الاثنية الضيقة. فهل تخلصوا تماما من الطائفية؟ واذا كانوا حقا قد تخلصوا منها فكيف كان يحاججوننا قبل اشهر بان المجتمع العراقي هو كذا ويجب ان يدار بالمحاصصة. ماذا تغير خلال ستة اشهر؟ نحن كنا نقول من البداية ان المحجاصصة وباء، فلماذا كنتم تعارضوننا؟.
ان برامج الاغلبية السياسية تفترض دولة تعتمد نهج المواطنة، وتفترض احزاب مشاريع لا احزاب هويات, يعني احزابا تطرح مشاريعها ورؤيتها في معالجة الامور وفي قيادة المجتمع وهذا اليوم غير موجود بدليل يجري الحديث عن الرؤية السياسية ولا يوجد مشروع مطروح، فما هو مشروعهم؟ هناك اقرار بان المحاصصة ونهجها لم يعودا مقبولين من اي كان وهذه خطوة باتجاه التشخيص الذي كنا سباقين الى طرحه ومعنا القوى المدنية. اذاً المحاصصة لم تعد مقبولة وثانيا يعني هذا ان قضية الاغلبية السياسية والمشاريع السياسية امر مطروح والكتل العابرة للطوائف اصبحت على جدول الاعمال. اي ان البنية السياسية التي ادارت الامور حتى هذا التاريخ لم تعد صالحة للاستمرار في هذا. ان الصراع اليوم اختلف، فقد اقتنع الناس بنبذ المحاصصة وهم يطالبون ببنية سياسية عابرة للطوائف ومن اجل دولة المواطنة. الان ما هو مضمون الكتل العابرة للطوائف؟ وما هو مضمون المشروع المطلوب تحقيقه من هذه الكتل العابرة للطوائف التي يسعون الى تشكيلها وهي بالأساس طائفية، وهل من الممكن تحقيقها؟ لندقق بالموضوع. سابقا عملوا كتلا شكلية عابرة للطوائف ولكن هذه المرة يقولون لا نريد تشكيلات شكلية، نريد تحالفات بين قوى سياسية، ويجري الحديث عن تكتلات ما بين احزاب وجماعات سياسية، فهل من الممكن لأحزاب من مختلف الاطياف ان تلتقي فيما بينها على اساس ائتلافات عابرة للطوائف من ضمنها الكتل المتنفذة؟ اقول ان هذا ممكن ولكن ما الذي يجمعهم؟ وما الذي يجمع هذه الكتل المتصارعة فيما بينها لاقتسام كعكة الدولة، وعلى النفوذ والمغانم؟ ولكن اين المشتركات؟ المشتركات هي التالية: انهم كلهم رغم تنافسهم وصراعهم فيما بينهم على الحصة من غنيمة الدولة، اليوم كلهم لهم حصة معتبرة وامتيازات ونفوذ في مناطق معينة واذا كان التغيير المطلوب الذي ينشده الناس وحركات الاحتجاج تغييرا حقيقيا وليس شكليا فاذاً مصالحهم كلهم اصبحت مهددة. اذاً ثمة مصلحة مشتركة يمكن ان تؤسس الى ائتلاف بمضمون اقتصادي واجتماعي وسياسي غير المضمون الذي نريد تحقيقه نحن الشيوعيين والمدنيين. اليوم الناس المحتجون من طائفة ضد ناس من نفس الطائفة الماسكين زمام الامور، فالصراع موجود في داخل الطوائف والاحزاب والكتل لأن المصالح المتباينة قد برزت. في العراق قد تولدت خلال السنوات الاخيرة حفنة من الاثرياء فاحشي الثراء وجموع من الموغلين في الفقر ومن المعدمين، بلغت نسبة الفقر نحو 30 في المائة وفي بعض المناطق 40في المائة وخط الفقر 2 دولار وبلغت نسبة الامية 25في المائة والذين يعيشون في العشوائيات 6 -7 ملايين والنازحون بحدود 4 ملايين وهناك المهجرون في الخارج، فاللوحة كئيبة، مدن كاملة دمرت، والبنى التحتية مخربة، الخراب هائل. نتحدث عن صراع بدأ يتخذ مضامين اجتماعية. الصراع الاجتماعي بدأ يطفو على السطح. القوى المتنفذة تريد من الناس أن ينتخبوا على اساس الهوية الطائفية، فيما الناس يريدون ماء، كهرباء، توفير فرص العمل لأبنائهم العاطلين. الخريجون كل سنة بحدود 300 – 400 ألف خريج لا يوجد لهم عمل.سنويا يضاف 250 ألف عاطل يحمل شهادة بكالوريوس او شهادة عليا. المجتمع يشهد فرزا
التغيير في منهج بناء الدولة والصراع على قانون الانتخابات
التغيير ليس فقط بالأشكال السياسية والشخوص وانما نتحدث عن تغيير في المنهج، منهج بناء الدولة ومنهج ادارة الاقتصاد والشأن العام. التغيير فيه بعد جوهري ويعني ذلك تغيير الناس، وعي مصالح. التغيير هو تغيير سلمي والمدخل لهذا التغيير هو الانتخابات. فليس غريبا ان نرى الصراع على اشده حول قانون الانتخابات، هذا الصراع اكثر حدة واكثر شدة وابعاده اعمق من اي فترة من الفترات السابقة. اذا كان هدف المتنفذين في الدورات السابقة هو لضمان الكتلة الاكبر، هذه المرة الانتخابات كما قال احد قادة الكتل المتنفذة هي مسألة مصير ولذلك نحن نتوقع ان يكون الصراع على قانون الانتخابات صراعا حامي الوطيس. لاحظوا في قانون انتخاب مجالس المحافظات النافذ اعتم سانت ليغو الاصلي والان اقترحوا 1,7 ويراد رفع النسبة الى 1,9. ومن الواضح ان هذا يراد به إقصاء ما يسمى بـ القوائم الصغيرة خارج الكتل الكبيرة المتنفذة.. قدم رئيس الجمهورية مشروع قانون انتخاب مجلس النواب الذي نعده اكثر ايجابية وهو يفسح في المجال للمشاركة ويعتمد نظاما لتوزيع المقاعد افضل من السابق.ان بعض الكتل اعلنت رفضها لهذا المشروع لا بل انها وجهت النقد لرئيس الجمهورية لأنه انفتح على هذا التيار او ذاك وانحاز للقوائم او الكتل الصغيرة وبالتالي وكما يتناقل في البرلمان ربما يعاد المشروع الى رئيس الجمهورية في القراءة الاولى ويطلبون من مجلس الوزراء تشريع قانون آخر. وتصريحات الكتل المتنفذة واضحة انها لا تريد قانونا يسمح للكتل الصغيرة ان تجد منفذا لها الى البرلمان وينبغي لها ان تنضوي تحت كتل كبيرة والمقصود اعادة وتجديد هيمنة وسيطرة القوى المتنفذة واعادة انتاج نفس القوى ربما بوجوه جديدة، وبتعديلات معينة لكن ابقاء نفس المنظومة المسؤولة عن الفساد والفشل. فهل قانون الانتخابات سيدفع بالتغيير ام يضع عقبات جديدة امامه؟ ماهي المعطيات الجديدة لهذا الصراع؟ اليوم حتى دوليا التغيير مطلوب فترامب شدد على هذا التوجه، البعض يخشى هذا الموضوع والاخر يعول عليه وعلى ترامب. نحن نقول ان عامل التغيير يجب ان يكون ذاتيا داخليا ويتوجب تفعليه ويمكن الاستفادة من العامل الخارجي، لكن التعويل عليه بمفرده خطأ جسيم عشنا نتائجه في السابق وليس المطلوب منا تجريبه من جديد. البعض الاخر له موقف من هذه التغييرات حتى المرجعية الدينية كالسيد السيستاني وغيره من المراجع فهي منذ فترة سدت بابها امام الاحزاب السياسية التي تعلن انها تسير على وفق توجيهات المرجعية، وهي راغبة في أن يكون هناك قانون انتخابات جديد يسمح بالتغيير.اذاً هناك ضغط داخل مؤسسة مهمة تدفع باتجاه، وايضا ربما الامم المتحدة تدفع باتجاه تغير ما.اذاً هناك صراع يحدث حول القانون وهو عملياً يعكس كل هذه الصراعات الموجودة. الآن كيف نؤمن التغيير في الموازين السياسية امام قوى تملك المال، السلطة، الاعلام والامتدادات الخارجية؟ هذه المعركة كبيرة، ونعتقد أن القوى المدنية والشعبية ليست ضعيفة، هي ضعيفة تنظيميا الى حدود معينة، ضعيفة كقوة سياسية منظمة وفاعلة ولكن كحضور مجتمعي وكرأي عام مجتمعي وكطروحات فهي مؤثرة في الرأي العام، هي لها منهجية متقدمة بدليل ان المشهد السياسي اليوم يناقش على ذات الأرضية التي وضعتها قوى الاحتجاج.

ما هي الدولة المدنية؟
صار هناك تبار في الادعاءات المدنية بحيث ان قوى واحزابا غيرت اسماءها بهذا الاتجاه, الكل يتحدث ويتبارى في كشف ملفات الفساد والبعض منهم مدانون بملفات الفساد, ولكن القضايا التي اثارها الحراك الشعبي اصبحت تؤسس للنقاش العام وهذه مهمة كبيرة تختلف عن السنوات السابقة التي كان الحوار فيها يدور حسب الهويات ؛ السني على سنيته والشيعي على شيعيته. اليوم هذا التحول لا نقول انه طاغ, الفكر المدني والرموز المدنية اصبحت مقبولة اليوم من قبل اوساط الى حد الأمس القريب كانت تنظر اليها بخوف وربما بعداء وهذا اليوم قد تكسر. ان القوى المدنية كثير منها مقبولة في الاوساط الشعبية وغيرها، هناك حواجز كسرت، وهناك فضاءات كانت مغلقة امام القوى المدنية واليوم قد فتحت، وهناك قوى اجتماعية كبيرة خارج الفعل السياسي دخلت ساحة الفعل السياسي.
التعويل على المنظومة الانتخابية ونقصد بها قانون الانتخابات ومفوضية الانتخابات وطريقة اعلان النتائج السريعة والتصويت الخاص وغيرها، هذه المنظومة كلها موضع نقاش كبير ويجري الحديث جديا عن تعديلها واصلاحها. اذاً هناك جملة من العوامل التي تجعل القوى المدنية او القوى الراغبة في التغيير اكثر تأثيراً، وهذا يشترط الانتقال من حالة التبعثر والتشتت الى حالة التعاون والتنسيق وتوحيد الفعل والعمل. القوى المدنية تتوزع على كتل واحزاب وجماعات. الطموح في الدولة المدنية كبير ولا يقصد به الشكل السياسي فقط. الناس قد تعبوا من الشعارات وهم يريدون شيئا ملموسا، الوعود لم تف بالغرض. ان دولة المواطنة تزيل التمييز وتؤمن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ولا تسمح بوصول اشخاص عن طريق المحاصصة، ودولة المواطنة تؤمن بناء المؤسسة العسكرية على شكل افضل وتؤمن اوليات البلد لأن الكل يشارك فيها وتؤمن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الأكثر رشدا وتؤمن بالنتيجة امكانية محاربة الفساد.

نقص الخدمات وانهيار التعليم
ان دولة المواطنة يجب ان تترجم الى افعال تقود الى تحسن الواقع المعاشي وخدمات وسكن افضل وتعليم للأبناء وتوفير العمل، لذلك فدولة المواطنة تعني العمل من اجل خدمات اجتماعية، وفيها لا يمكن ان يستمر الوضع الحالي للتعليم وهو ينهار ونلاحظ اكتظاظ الصفوف بالتلاميذ على مستوى التعليم الابتدائي الحكومي وتضم الصفوف احيانا نحو 130 تلميذا في الصف الواحد وهذا يعني لا يوجد تعليم. مدارسنا متهالكة وقليلة العدد.فما هي الحلول؟ هل هو في التعليم الخاص،ومن يستطيع الحصول عليه؟ يستطيع ذلك من يمتلك الدخل, ومن يمتلك الدخل نسبة قليلة من الشعب. وما هي النتيجة؟ نخبة قليلة من المجتمع سيتوفر لها التعليم المناسب والأكثرية اما تتلقى تعليما هزيلا وبالتالي يكون لها دور هزيل في المجتمع لاحقا او لا تتلقى أي تعليم اصلا. ولذلك نقول ان دولة المواطنة تعني النضال من اجل تعليم جيد وخدمات جيدة.
اما عن الصحة فقد اصبحت الخدمات الصحية اكثر تكلفة، يجب ترجمة شعار دولة المواطنة في هذا المجال.

الحرب ضد داعش ودور الحشد الشعبي
وفيما يتعلق بالأمن والأمان فهناك خطورة تقلق الناس، وماذا يكون مستقبل العراق مع استمرار وجود السلاح بكثافة خارج اطر الدولة؟ وكيف نغير الوضع؟ الحرب ضد داعش وما قام به الحشد الشعبي من دور وما انجزه نشيد به وهو كبير. البعض من القوى السياسية يقول المستقبل للحشد الشعبي وعليه ان يتحول الى قوة سياسية.الحشد الشعبي خرج بقانون رغم ملاحظاتنا عليه فهو يؤطر الحشد الشعبي ضمن المؤسسة العسكرية، والقانون يقول ان المؤسسة العسكرية لا يجوز لها الدخول في العمل السياسي. وبعد انتهاء داعش فأي سلاح خارج اطار الدولة يصبح ضد القانون ويعامل كذلك، ولا يمكن للحشد الشعبي الذي يعتبر الان حسب القانون ضمن المؤسسة العسكرية خوض العمل السياسي الا اذا تحول الى السياق المدني. الناطق الرسمي للحشد الشعبي حذر من استخدام الحشد الشعبي لأغراض انتخابية وهذا شيء ايجابي.

كيف سيتم التغيير؟
الناس يقولون كيف سيتم التغيير؟ التغيير سيستند الى قوى اجتماعية كبيرة ذات مصلحة فيه وهي اغلبية في المجتمع, ونعمل على تنظيمها وتوعيتها وتحويلها من اغلبية صامتة ومهمشة الى اغلبية مؤثرة داخل الفعل السياسي. محور كل عملنا اليوم ونشاطاتنا هو توعية المواطن. والمواطن بدأ يعرف ان عليه ان لا يستكين الى الوضع المزري القائم. المواطن بدأ يعبر عن رأيه وارادته وعندما يجتمع مع اصحاب المصلحة بموقف احتجاجي فانه يمكن ان يحقق شيئا والأمثلة كثيرة جدا.
ان الدعوات التي تصل الى حد الانكفاء والعزوف عن الذهاب الى الانتخابات تقدم اكبر خدمة للقوى المتنفذة، فهم يريدون من المواطن المكوث في البيت. نحن غير متشائمين، سبق وان اشرنا الى جملة من العوامل يمكن ان تغير في موازين القوى وممكن لها ان تتحول الى تغييرات سياسية شرط ان نكون معبأين فأي كلام يضعف من الحالة المعنوية ورغبة الناس في التغيير هو خدمة للمتنفذين بشكل واع او غير واع. في المقابل نجد الأطراف الاخرى يعملون 24 ساعة في اليوم من اجل تثبيت اوضاعهم وهم يعملون فرقا من اجل قوانين الانتخابات واخرى في المناطق للكسب وثالثة للعشائر ورابعة تتوجه الى المثقفين لكسبهم وتظهر قوائم بعناوين مدنية، هي معركة كبيرة حقا. المقابل لديه مصالح كثيرة سوف لن يتردد عن استخدام اي وسيلة من الوسائل لإدامتها وتوسيعها.
نحن اصحاب الرغبة في التغيير كيف ننظم امورنا وكيف نعبئ قوانا وكيف نوحد ارادتنا نحو اهداف واولويات؟ اقول في اللحظة الراهنة الصراع من اجل قانون انتخابي عادل، و من اجل منظومة انتخابية عادلة بكل مفاصلها نقطة مهمة لتوجيه الجهود ومن ثم ربما حتى تساعد في تهيئة القاعدة لخلق ائتلافات سياسية قادمة واسعة لخوض الانتخابات وتلعب الدور المطلوب في تغيير موازين القوى. لنتابع الامور في حراكها. نلاحظ احتجاجات الطلاب والفلاحين وغيرها من الشرائح التي تتحرك من اجل مطالب مشروعة، وهذه كلها تشكل جزءا من الحراك المجتمعي، وهي جزء من قوى التغيير اذا احسن امر توجيهها وتدخل مطالبهم في المطالب العامة.
التغيير اصبح ضرورة وفيه امكانية. وهو يحتاج الى تنظيم وانفتاح, وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي العراقي فنحن منفتحون والحزب لن يغض النظر عن اي كان في المجتمع ونحن نقوم بللقاءات والحوارات ولدينا رؤيا واضحة، وكل القوى الحية والوطنية في المجتمع يجب ان تجتمع وتلتقي وتتوحد وفق اولويات يمكن ان تتبلور عبر عملية حوارية تتفق عليها بما يجعل فعلها اكثر تأثيراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص6 – 7
الخميس 16/ 3/ 2017

اترك تعليقاً