السيمر / الثلاثاء 06 . 06 . 2017 — نشرت صحيفة “هارافغي”، الناطقة باسم حزب الشغيلة التقدمي (أكيل) في قبرص، في 25 ايار الماضي مقابلة مع جون فوستر، سكرتير العلاقات الدولية للحزب الشيوعي البريطاني. وهو بروفيسور متقاعد (أمريتوس) في العلوم الاجتماعية، جامعة غرب اسكتلندا. وفي ما يلي نص المقابلة التي ترجمتها “طريق الشعب”.
كيف تقيمون الوضع في بريطانيا بعد الاعتداءات الارهابية الاخيرة في مدينة مانشستر؟
كان الرد الطاغي على التفجيرات في مانشستر هو الدعم للعائلات التي فقدت أحبتها. وكانت الصدمة أكبر لأن الكثير من الضحايا كانوا أطفالاً.
ان مانشستر هي الآن مدينة ذات تركيبة سكانية متنوعة جداً. وتجلت في الوقفة التضامنية التي حضرها الألوف في الساحة الرئيسة وسط المدينة مشاعر الوحدة والفخر بالتنوع الذي تمتاز به المدينة. وعندما حاولت عناصر فاشية من تنظيم “عصبة الدفاع الانكليزية” التجمع في مركز الاحتفالات، الذي شهد التفجيرات، بادر السكان المحليون الى طردهم.
على الصعيد البريطاني، اعلنت كل الاحزاب الرئيسة تعليق حملاتها الانتخابية لثلاثة ايام، رغم ان بعض اعضاء “حزب استقلال المملكة المتحدة” الشعبوي اليميني أعلن مطالب باتخاذ اجراءات اكثر تشدداً ازاء الهجرة وضد المسلمين.
وما كان اكثر استفزازاً هو لجوء احدى الصحف التي تملكها مؤسسة روبرت مردوخ الاعلامية الدولية، وهي صحيفة “ذا صن” الشعبية، الى استغلال تفجيرات مانشستر لتعبئة الرأي العام ضد زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن ومساعده جون ماكدونل، بذريعة انهما كانا ممالئين للجيش الجمهوري الايرلندي وان هذا، حسب مانشيت رئيس للصحيفة، هو الذي تسبب في قتل الاطفال في مانشستر. وكما اشارت صحيفة “مورنينغ ستار” (نجمة الصباح) اليسارية فان كوربن كان قد استخدم موقعه كنائب برلماني خلال الثمانينات لفتح حوار مع الجيش الجمهوري الايرلندي، وهو ما قاد في النهاية الى التوصل الى اتفاق السلام، المعروف بـ”اتفاق الجمعة العظيمة”، الذي أنهى النزاع المسلح في ايرلندا الشمالية.
ومن الصعب تقدير التأثير الاوسع لتفجيرات مانشستر على الانتخابات القادمة في بريطانيا (في 8 حزيران 2017). فقد شهدت بريطانيا سلسلة اعتداءات ارهابية في الأشهر الاخيرة، وإن لم تكن نتائجها بمستوى ما شهدته مانشستر. وحتى الآن تركزت الحملات الانتخابية بشكل أساسي على قضايا حقوق الشغيلة والادارة الاقتصادية ومستقبل نظام الرعاية الاجتماعية في اعقاب الاستفتاء وقرار الخروج من الاتحاد الاوروبي. وعلى رغم ان حزب المحافظين الحاكم حاول ان يستخدم قضية الهجرة وربما حقق بعض النجاح في البداية، الاّ ان حزب العمال تمكن من زيادة حصته من الاصوات في استطلاعات الرأي بنسبة تصل الى خمسة في المائة خلال الاسبوعين الماضيين. وتحقق ذلك الى حد كبير بالاستناد الى برنامج انتخابي يعد بالملكية العامة لوسائل النقل وخدمات البريد والطاقة، وإعادة اطلاق دولة الرفاه الاجتماعي وفرض ضرائب أعلى على الاثرياء.
ما هي وجهة نظرك بشأن الاجراءات التي اتخذت قبل الاعتداء الاخير في مانشستر؟
كما هي الحال في كل التفجيرات السابقة، كان المنفّذ شاباً وُلد وتلقى تعليمه في بريطانيا في عائلة من الجيل الأول من المهاجرين. وفي هذه الحالة الاخيرة كانت العائلة ليبية. وفي اعتداءات سابقة كانت العائلات تتحدر من الشرق الاوسط او باكستان او غرب افريقيا. وكما جرى سابقاً فان منفذ التفجيرات كانت له صلات، او علاقات قرابة، مع آخرين ممن تم تجنيدهم للقتال مع داعش في سورية.
لقد تركز اهتمام الاجراءات المناهضة للإرهاب التي اتخذتها الحكومات بقيادة حزب المحافظين خلال السنوات السبع الماضية على عمليات المراقبة الالكترونية والسعي إلى اختراق شبكات مؤيدي داعش والطلب من العاملين في المدارس والكليات والجامعات ان يقدموا تقارير عن أية أنشطة تؤشر الى تطرف اسلامي.
لكن ذلك جرى في سياق تدهور اقتصادي وتراجع غير مسبوق في الأجور الفعلية، وتفشي عقود العمل المؤقتة في اسواق العمل، ونقص حاد في السكن وتدهور مستوى الخدمات الاجتماعية. وترافق ذلك مع تزايد في المشاعر المعادية للمهاجرين التي جرى استغلالها، وتأجيجها من قبل “حزب استقلال المملكة المتحدة”، وايضاً من قبل حزب المحافظين في الآونة الأخيرة. وكانت النتيجة هي تعزيز احساس بالاستهداف وسط بعض فئات الاقليات الاثنية في بريطانيا، التي تعاني ايضاً وعلى نحو غير متكافئ في سوق وظائف يواجه مصاعب متزايدة. وكان أحد العوامل الاضافية هو التشريع التمييزي الذي تواجهه كل تجمعات المهاجرين من خارج الاتحاد الاوروبي، التي تتألف حالياً من ثلاثة او اربعة اجيال، والتي تفرض متطلبات مالية مرتفعة، تعجيزية بالنسبة الى العائلات الفقيرة، للسماح بدخول الزوجات الازواج او الاطفال الى بريطانيا.
تأثير السياسة الخارجية لبريطانيا ؟
تصادف هذه السنة الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي تعهدت به بريطانيا لجعل فلسطين، التي كانت آنذاك جزءاً من الامبراطورية العثمانية، وطناً لليهود. كما انها تصادف الذكرى المئوية للمعاهدة السرية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا لتقسيم الشرق الاوسط، حيث حصلت بريطانيا على ما يمثل حالياً العراق وعلى فلسطين، وحصلت فرنسا على سورية ولبنان، فيما حصلت روسيا على الاراضي الاوروبية لتركيا. وبالنسبة الى بريطانيا كان أحد الاهداف الرئيسية هو النفط.
وفي 1920 كانت بريطانيا تستخدم بالفعل طائراتها والغاز السام لقمع سكان بلاد ما بين النهرين، الذين انتفضوا آنذاك ضد الحكومة العميلة التي فرضها البريطانيون. ومنذ ذلك الحين كانت هناك حروب لا تحصى لحماية الموارد النفطية التي تخضع لسيطرة شركات متعددة الجنسيات بريطانية وامريكية وللاحتفاظ بالسيطرة الاستراتيجية على الشرق الاوسط. وللقيام بذلك لجأت بريطانيا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، الى تشكيل تحالفات مع اسرائيل ومعظم الانظمة العربية الرجعية في الشرق الاوسط. وقدمت هذه الحكومات بالذات الكثير من المال المطلوب لتمويل مؤسسات اسلامية متطرفة في بريطانيا. والى جانب الاشمئزاز من التدخلات العسكرية لبريطانيا خلال العقدين الاخيرين، فان ذلك أدى الى نشوء اقلية مهمة داخل بعض الجاليات المسلمة تبدي استعداداً للتعاون مع داعش.
كيف يمكن تغيير الأوضاع؟
لا يمكن تغيير مثل هذه المواقف بسهولة. لكن البرنامج الجذري الذي طرحه حزب العمال يقدم افضل الآفاق. فهذا البرنامج يقترح الغاء نظام الهجرة الحالي لبريطانيا ووضع اجراءات جديدة غير تمييزية وغير عنصرية اصبحت الآن ممكنة خارج الاتحاد الاوروبي. وهو يدعو الى اعادة تطوير شاملة لدولة الرفاه الاجتماعي، ورفض سياسة خارجية تحرّكها حاجات الشركات النفطية المتعددة الجنسيات وحي المال والاعمال في لندن، والمساهمة بصورة ايجابية في عملية السلام في فلسطين.
وما لا يقل أهمية عن ذلك، يقترح برنامج حزب العمال الغاء القوانين الحالية المعادية للنقابات وتطوير بنى جديدة للتفاوض الجماعي بالاستناد إلى شراكات ثلاثية بين النقابات والحكومة وأرباب العمل تحظر الممارسات التمييزية في التشغيل.
ويشار الى انه في الماضي كانت المبادئ التي تقوم على وحدة وتضامن الطبقة العاملة هي التي هيأت دائماً المصل المضاد الأكثر فاعلية للانقسامات الطائفية والاثنية. ومنذ الثمانينات تتعرض الحركة النقابية في بريطانيا، والسياسة الأوسع القائمة على التضامن الطبقي، الى هجوم شرس، وتراجع الى حدٍ كبير حجم ونفوذ الحركة. وتمثل إعادة تطويرها اليوم تحدياً رئيسياً لكل الاشتراكيين.
مقابلة صحفية مع قيادي في الحزب الشيوعي البريطاني: *
طريق الشعب