السيمر / الخميس 03 . 08 . 2017
أياد السماوي
يبدو أنّ شعار الدولة المدنية قد أصبح شعارا ومطلبا تلتّف حوله الحركات والقوى السياسية العراقية , وحتى الأحزاب الإسلامية التي كانت ترفع شعار الدولة الإسلامية , تخلّت جميعا عن هذا الشعار ولم يعد لأي حزب إسلاموي ينادي بشعار الدولة الإسلامية , لأنّ الدولة الإسلامية اكذوبة لا وجود لها على أرض الواقع , بينما الدولة المدنية القائمة على أساس المواطنة حقيقة قائمة في كل الأنظمة الديمقراطية , ولعلّ السؤال الذي واجه منظرو الدولة الإسلامية هل هنالك إسلام واحد متّفق عليه بين الطوائف الإسلامية يصلح أن يكون أساس وقاعدة لبناء هذه الدولة ؟ أي إسلام منهم ؟ الإسلام الشيعي أم الإسلام السنّي أم الإسلام الوهابي ؟ كما أنّ تجربة الأعوام الماضية قد أثبتت أنّ الأحزاب الإسلامية التي تصدّت للمشهد السياسي والعملية السياسية الجارية في العراق , قد أثبتت جميعا وبدون استثناء أنّها أحزاب فاشلة وفاسدة ولا تحمل من الإسلام سوى الاسم , وقد توّرطت جميعا بعمليات الفساد والنهب المنظم للمال العام , وتراجعت مصداقية هذه الأحزاب بإقناع الشعب بالدولة الإسلامية العادلة , وتحقيق العدل والمساواة بين الناس لا يحتاج لأي دين أو مذهب , بل يحتاج لدولة مدنية تقوم على أساس المواطنة وليس على أي اعتبار آخر , والطريق إلى الدولة المدنية دولة القانون والمؤسسات ودولة المواطنة , يمرّ فقط من خلال حكومة الأغلبية السياسية , وهذه الحكومة هي الخطوة الأولى الصحيحة نحو الدولة المدنية , ولا سبيل مطلقا للخروج من هذا المأزق الذي تمرّ به العملية السياسية غير طريق الأغلبية السياسية , ومن ينادي بالإصلاح الحقيقي ويريد إنهاء نظام المحاصصات السيء الذكر , فليس من سبيل أمامه سوى التسليم والالتفاف حول مطلب حكومة الأغلبية السياسية .
ويحاول معارضو حكومة الأغلبية السياسية إثارة بعض الإشكالات حول مبدأ الأغلبية السياسية , من هذه الإشكالات أنّ مبدأ الأغلبية السياسية من شأنه أن يؤدي إلى انفراد وسيطرة الأحزاب الشيعية على مركز القرار في إدارة الدولة ويستبعد المكوّنات الأخرى , وهذه الإشكالية ساقطة , لأن الأحزاب الشيعية ليست على توافق وانسجام سياسي , وليس من أدبياتها الانفراد بالحكم واستبعاد المكوّنات الأخرى وإقامة نظام للحكم قائم على سيطرة مكوّن واحد أو مذهب واحد , وحكومة الأغلبية السياسية هي حكومة البرنامج الواحد المتّفق عليه بين الأحزاب والقوى السياسية المتحالفة والتي تربطها مشتركات واحدة , كما ويحاول البعض أن يثير إشكالية أخرى , بأنّ من يرفع هذا الشعار وهو زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي , ربّما سينقلب على شعار حكومة الأغلبية السياسية فيما لو عرضت عليه حكومة جديدة للمحاصصة برئاسته , كما فعل بعد انتخابات عام 2010 حين تخلّى عن شعار حكومة الأغلبية السياسية وقبل برئاسة حكومة للمحاصصة , وبدوري أقول لهذا البعض المشكك أنّ ظروف البلد عام 2010 حين كانت قوات الاحتلال موجودة في العراق , ليست نفسها ظروف البلد الحالية , وأنّ نوري المالكي الذي تراس الوزارة في العراق لدورتين لم يعد يسعى لأي موقع تنفيذي , وهذا ما صرّح به بنفسه , وقد أعلن مرارا وتكرارا أنّه سيذهب ومن معه من المتحالفين إلى المعارضة في حالة عدم تمكن ائتلافه من تشكيل حكومة الأغلبية السياسية , والرجل جاد في انقاذ البلد من نظام المحاصصات الذي أرهق البلد وأنهكه , وهو غير مستّعد للعودة لنظام المحاصصات الذي اشاع الفساد , وقناعاته باتت مطلقة بشأن جدوى حكومة الأغلبية السياسية التي يراها المخرج الوحيد لهذا المأزق والخلاص الأبدي من المحاصصات الطائفية والحزبية التي استنزفت طاقات البلد وموارده … فلا سبيل ولا طريق للدولة المدنية إلا عبر حكومة الأغلبية السياسية , ومن يريد الإصلاح ومحاربة الفساد وليس إشاعة الفوضى , فليطالب بحكومة للأغلبية السياسية .