الرئيسية / مقالات / لينين والدين

لينين والدين

السيمر / الاثنين 26 . 03 . 2018

عبد الجبار نوري*

لم يكن لينين يهتم بالشؤون الدينية ، ونادراً ما كان يتحدث عن الأديان ، لكنهُ أعطى حرية العبادة للمتدينين ، وقد تبين ذلك في نص رسالتهِ التي وجهها إلى المسلمين في 24-نوفمبر 1917 جاء فيها : { يا أيها المسلمون في روسيا وسيبيريا وتركستان والقفقاس ، يا أيها الذين هدم القياصرة مساجدهم وعبث الطغاة بمعتقداتهم وعاداتهم ، أن معتقداتكم وعاداتكم ومؤسساتكم القومية والثقافية أصبحت اليوم حرّة مقدسة ، نظموا حياتكم القومية بكامل الحرية وبدون قيد ، وأعلموا أن الثورة العظيمة وسوفيتات النواب والعمال والجنود والفلاحين يحمون حقوقكم وحقوق جميع شعوب روسيا ، وقد بدأ طرد المستعمرين الروس والقوازق والمتحدثين بأسمهم من الكنيسة الأرثدوكسية الروسية في تلك المناطق ، وتوقفت اللغة الروسية عن الهيمنة ، وعادت اللغات المحلية إلى المدارس وإلى الحكومة وإلى المطبوعات ، وأعيدت الآثار والكتب الأسلامية المقدسة التي نهبتها القيصرية من المساجد ، وقد تمّ تسليم القرآن الكريم المعروف بقرآن عثمان ، في أحتفال مهيب إلى المجلس الأسلامي في ( بتروكراد ) في 25ديسمبر 1917 وقد أعلن يوم الجمعة يوم الأحتفال الديني بالنسبة للمسلمين ، ويوم أجازة رسمية في كل آسيا الوسطى } .
أعطى لينين الواسع من أهتماماتهِ لجميع سكان الأرض الروسية الشاسعة وقومياتها ودياناتها المختلفة ، والثورة الروسية في عنفوانها الثوري في 1917 ، من خلال خطاباتهِ ومنشوراتهِ ورسائلهِ ومؤلفاتهِ الثرة والثرية وخاصة مؤلفهِ المشهور ( لينين – الأعمال الكاملة –المجلد العاشر ) ذكر فيهِ الأهتمام بالدين والمتدينين ، لقد تمّ وضع برنامج ضخم لما يمكن أن يطلق عليه اليوم التمييز المضاد الذي يسمى ب( الكورنيزاتيسيا ) أي أحلال السكان المحليين محل المستوطنين الروس ، وقد بدأ لينين بطرد المستعمرين الروس ، والقوازق المتحدثين بأسمهم عن الكنيسة الأرثدوكسية الروسية في تلك المناطق ، وتوقفت اللغة الروسية من الهيمنة ، وعادتْ اللغات المحلية إلى المدارس وإلى الحكومة وألى المطبوعات ، وقد تمت ترقية السكان المحليين ليشغلوا مناصب في الدولة والحزب الشيوعي (المحلية ) ، وأعطى الأولوية حتى على الروس في التعينات ، وقد أُنشئتْ جامعات لتدريب جيل جديد من القادة الغير روس ، وأعيدتْ الآثار والكتب الأسلامية المقدسة التي نهبتها القيصرية إلى المساجد .
كان للينين رأي آخر خارج التوقعات ، ففي برقية أرسلها عام 1920 إلى (أوركوندز ) القائد العام للفيلق الروسي في جبهات القتال خلال الحرب العالمية الأولى وفي جبهة القوقاز بالذات ذكر فيها { أفعل كل شيء لأثبات التأكيد على أننا نتعاطف مع المسلمين مع أستقلالهم وحكمهم لأنفسهم } ، ومن آراء لينين في ذلك العصر : ليست المسألة الدينية في المقام الأول ، ومن يضع المسألة الدينية في المكان الأول كمن يلهي الجماهير ويحرّفْ نضالها ضد الجهل والأستبداد والبؤس الأقتصادي والتطور ، وأن أشعال الحرائق الدينية وُجِد بهدف هذا الحرف عن المشكلات الأساسية الأقتصادية والسياسية والأجتماعية والنضال الثوري من أجل التغيير ، وأن لينين الماركسي يبدي رأيهُ واضحاً حيث يقول أن ألغاء الدين وجهة نظر زائفة ، ولكن من وجهة نظر البورجوازيين النهضويين ضيقي الأفق لأن تفسيراتهم ليس على الطريقة المادية بل على الطريقة المثالية وهي دلالات وركائز الرأسمالية الحديثة ، وحسب المفهوم الماركسي الذي يعتقد به لينين ” يجب أعتبار الدين شأناً خاصاً وشأن من شؤون الدولة ، ولا تعني بالضرورة أن تكون من شأن حزب الطبقة العاملة ، بل يجب أن يكون كل واحد حراً في أن يعلن أيمانهُ بأي دينٍ يرغبهُ ، والتمييز بين المواطنين على أساس الدين أمرٌ مرفوض كلياً ، ويجب عدم ذكر دين المواطن في الوثائق الرسمية ، ولا ينبغي منح مقومات ولا أعتمادات للكنيسة ، ولا أعتمادات مالية للجمعيات الكهنوتية ، والفصل التام بين الكنيسة والدولة .
وأقدم هذا المقطع المهم في مؤلف لينين المشهور المؤلفات الكاملة في المجلد 10 { — ولكي نشرح برنامجنا يتحتم علينا شرح الجذور الحقيقية التأريخية والأقتصادية للضباب الديني ، انّ دعايتنا يجب أن لا تكون بالضرورة مشتملة على دعاية للألحاد ، وتحقيقاً لهذهِ الغاية فأنّ نشرْ الأدبيات العلمية التي منها ولاحقها بقسوة النظام الأقطاعي يجب أن يصبح الآن مهمة من مهمات حزبنا } .
أن القمع الديني المسلط على الأنسانية ليس ألاّ نتاجاً والأنعكاساً للقمع الأقتصادي في المجتمع فهو البرهان على تفاهة البورجوازية ، لذا لن تستطيع الكتب ولا الدعاية أن تنوّرْ الطبقة العاملة المقموعة أذا لم تستمر بالنضال الثوري تقوهُ هي نفسها ضد قوى الظلام الرأسمالي ، وأن وحدة هذا النضال الثوري فعلاً نضال الطبقة المقموعة التي تقاتل لخلق ( جنة ) الأرض وهو الأهم من جنة السماء لهذا أكد لينين في جميع أدبياته وجوب عدم الأعلان بتاتاً عن التوجه الألحادي ( ص87 – 88 من نفس المصدر ) ، وعليهِ شن الحرب على الدين تعتبر أكبر حماقة في نظر لينين ، لآنّ مثل هذا الأعلان والتوجه هو أفضل الطرق لآنعاش الأهتمام بالدين ، وحان الحرب على هذه الفوضوية التي تجعل الثورة الحقيقية ( زائفة ) أن يمنع الدين والتديّنْ في المجتمع الأشتراكي ( ص100 نفس المصدر ) ،
لقد كان لينين واقعياً في تفكيرهِ تجاه الأديان ، وعلينا أن نحمل واقعيتهُ محمل الجدْ وأن نتعلم منها الدروس لا أن ننقلها أو نعممها بشكلٍ آلي — أعتقد أن مشكلتنا اليوم هي ليست مع الدين أو الأديان وأنما هي مع تسيس الدين أو تديين السياسة ، ولينين تعامل مع الأسلام بصفتهِ دين أمّةٍ مضطهدةٍ ، ومفاهيم لينين مدرسة روحية أعلنت عن نفسها بأسم (المذهب اللينيني السياسي) الذي رفع شعاره المهم والأهم ( الأرض والخبز والسلام ) —.
ولم يكن لينين وحدهُ صاحب هذه الآراء السلمية الوسطية والأنسانية تجاه الأديان والمتدينين بل أستوعب وتفهم فلسفة أنجلز وماركس ووثيقتهما المشهورة البيان الشيوعي عام 1848 ، وفي تعليق أنجلز ِعلى البيان سنة 1874 الذي جاء فيه { أن أعلان الحرب على الدين بأنهُ تحفة من الغباوة ويضيف كان من المفترض بدل هذا الحرب الصاخبة على الدين هو أيجاد السبل إلى أحياء منهج الأهتمام بالدين ومنعهِ من أن يضمحل ويتلاشى ، بل أن أنجلز يشكل خطاً حازماً ضد فكرة لزوم حظر الدين في المجتمع الأشتراكي ، وقال أيضاً : { أن أعلان الحرب على الدين هو أعادة أنتاج ” بسمارك ” و الصراع الذي شنهُ بسمارك في سنوات 1870 ضد الحزب الكاثوليكي الألماني بوسائل أضطهاد بوليسي ضد الكاثوليكية ، وأن الحرب على الدين ما هو ألا مقامرة حربٍ خاسرةٍ } وباتت هذه الأفكار الوسطية من صميم توجه الأشتراكية الديمقراطية ، وحتماً سوف يكون من الخطأ الفادح أن ما يبدو من أعتدال الماركسية اللينينية أزاء الأديان ناجم عن أعتبارات تاكتيكية مفترضة والرغبة في عدم أخافة الناس .
وأن لينين الأسطورة سائق القاطرة الروسية سار بالثورة البلشفية على السكة الصحيحة عبر أسس موضوعية مسالمة وبتعامل ديمقراطي مع ما يقارب في وقت الثورة حوالي 200 مليون نسمة قاطنة على أوسع جغرافية آسيوأوربية ، ومع 40- 50 مليون مسلم يتوزعون على 120 قومية عرقية ولغوية ، وتعامل معهم بوسطية معتدلة ، وأستلمها البلاشفة ليكملوا بناء جمهوريات الأتحاد السوفييتي العظيمة بنجاح منقطع النظير ، ثمّ أستلمها لاحقاً الأصلاحيون بالجملة وباعوها بالمفرد في مزاد العهر الرأسمالي وصحّتْ الحكمة القائلة { أن الثورة يصنعها الشجعان ويديرها الأذكياء ويبيعها الجبناء}

المصدر/لينين – الأعمال الكاملة –المجلد العاشر ص83 -87 – 88 – موسكو1965 .

* كاتب عراقي مغترب
في 26 مارس2018

اترك تعليقاً