الرئيسية / اصدارات جديدة / د.سربست نبي يحاور د. نصر حامد أبو زيد حول:الإصلاح الديني، والتنوير، والتحديث

د.سربست نبي يحاور د. نصر حامد أبو زيد حول:الإصلاح الديني، والتنوير، والتحديث

السيمر / الأحد 08 . 04 . 2018

جاسم العايف

الاتهامات التي وجهت إلى (د. نصر حامد أبو زيد) ، لم تكن نتيجة الإطلاع الفاحص والدقيق لأفكاره أو كتاباته، بل كانت جزءاً من مشروع التخلف والهجمة الظلامية السائدة ، في العالمين العربي – الإسلامي ، وبدأت تتسع لتشمل الفنون وانجازاتها ومعطياتها، وتم اقتطاع بعض النصوص والجمل والأفكار التي طرحها من سياقاتها وتقويل بعضها برؤى ومفاهيم متخلفة , وتم توجيه الطعون له عبر كتبه وأبحاثه الأكاديمية المرموقة ومقالاته التي عمل فيها على التفريق بين الدين وجوهره ، والفقه الديني الذي هو صناعة ورؤى واجتهادات بشرية محكومة بالإمكانات والمنافع الخاصة والقدرات الإنسانية المحدودة زمكانياً. وتم جراء تلك الهجمة على خلق حالة من التماثل أو التطابق بين الدين والفهم البشري له وتحويل أي نقد للفهم البشري للدين ووضعه خارج توجهه الاجتماعي واعتبار هذا النقد موجها للدين ذاته، واعتمد في التعامل مع نتاجاته ورؤاه البحثية-العلمية لاستجلاء بنية أفكاره وشكلها التي من خلالها طرح موضوعاته، بسوء النوايا والعدائية المسبقة لقراءته المعاصرة للنصوص الدينية ذاتها ومحاولة تأويلها من خلال الفحص والدراسة للمساهمة في بلورة خطاب معاصر على أساس الحداثة التي يتسم بها عالمنا ، نافياً عن النص الديني ما علق به من خرافات,وتشويهات , لما يحتويه جوهره . فتم وصمه بالـ ((كافر الخارج عن الملة)), وأن على زوجته أن تعلم أنه يُحرم عند جميع الفقهاء وبلا استثناء معاشرة الزوجة المسلمة لزوجها ((المرتد)) فإذا عاشرته بعد معرفة الحكم فهو ((زنا)) صراح, تعاقب عليه بعقوبة الزاني المحصن؟!. حول هذا الشأن يذكر د. نصر: إن د. ابتهال يونس – زوجة أبو زيد- رفضت أن يتكلم أي احد باسمها،و(هي) المرأة الوحيدة في العالم الإسلامي طُلقت دون أن تطلب الطلاق ، بينما هناك ألوف النساء ولسنين يطلبن الطلاق في المحاكم ولم يظفرن به، وكان لها موقف شجاع عندما أعلنت :أنا جزء من سيرة هذا الرجل وأنا التي اخترته وليس من حق احد في الدنيا، قاضياً كان أم غيره أن يتدخل باسمي من اجل حمايتي. يؤكد (د. أبو زيد): اجتاحتني الجراح على مستويات عدة ، منها أنهم يذكرون عنها ((زانية)) في مجتمع مسلم، وأنا مسلم واعرف ما ذا يعني هذا، واعرف كم (ابتهال) قوية ولكن ما يهمني أمها وإخوتها وأسرتها، وماذا يعني أن يقال عن ابنتهم ((زانية))؟!.ويضيف: إن الجرح الآخر الذي أصابني هو في تدمير تلك الحديقة الصغيرة التي زرعتها مع طلابي الذين كانوا يعملون معي في الماجستير والدكتوراه، لقد ترك بعض هؤلاء الطلاب الجامعة وبعضهم تعرض للاضطهاد الشديد.كما ألزموا الدولة أن تطبق حق (الردة) عليَّ وعلى أمثالي!!.في كل هذا وغيره يأتي الحوار* المتوهج معرفياً الذي أعده وقدم له (د. سربست نبي) مع (د. نصر حامد زيد). و مادة الكتاب كانت موضوعاً للنقاش بينهما كلما أتيح لهما اللقاء أو التواصل على مدار سنوات عدة، ومن ابرز التساؤلات هو هل مرَ العالم الإسلامي بمرحلتي الإصلاح الديني والتنوير كما تحقق ذلك في أوربا؟. د. سربست يؤكد انه لم يتوجه إلى محاكاة الآخر وتاريخه بصورة ميكانيكية ووضع ترسيمة لا تخلو من الحتمية والتعسف، تسعى لان تصادر الخيارات الممكنة والمحتملة بالنسبة لمجتمعاتنا، وان تأخرت، لان ذلك توجه مضاد للعقلانية ،و يرى إن مصائر هذه الشعوب والمجتمعات ينبغي لها أن تتماثل مع تاريخ الآخر الأكثر تقدماً. هذه الأسئلة ربما تكون هي ذاتها التي طرحها “روسو وفولتير وكانت” سابقاً لكنها في هذه اللحظة الراهنة هي أسئلتنا ، تلك الأسئلة التي ندرك أنها في سياق حياتنا الراهنة وتاريخنا المعيش كونها المشكلات الكبرى التي يفرزها واقعنا وتنبثق عنه، كذلك أن صحتها وواقعيتها وراهنتيها، تكمن في أنها مادة عصرنا مع إدراكنا للتفاوت التاريخي بين أوضاعنا وأوضاع المجتمعات الأخرى الأكثر تقدماً، وهو ما ينطبق عليه تحديد “هابرماس” للمجتمع الألماني في المنتصف الأول من القرن التاسع عشر قياساً إلى أوضاع المجتمعات الأوربية المتقدمة،آنذاك، التي أنجزت ثورة التحديث وسارت بها شوطاً بعيداً وهذا ما يصفه “هابرماس” بـ”تعاصر اللامتعاصرات”، إذ أن المجتمعات الإسلامية هي “معاصرة الآخر جغرافياً دون أن تكون كذلك تاريخياً”، ومن هنا فان الأسئلة، التي ربما، تبدو وكأنها تحاكي وتندغم بصورة ما مع أسئلة الآخر ولعلها تماثلها في الطرح نسبياً، فهي في مراميها وحقيقتها أسئلة واقع صلد قاسٍ مُجرب ومعيش.من جهة أخرى فان مجرد طرحها هي محاولة للانفلات من هذا الواقع والخروج منه إذ إن اشق المعضلات هي الكيفية التي تطرح بها الأسئلة في الزمن والوقت المناسبين، لأنها تعبر عن ممارسة عملية تدخل في نطاق الفكر وحريته التي يجب ألا تحد، وعبر الحرية يعيد تشكيل ذاته ويعيد كذلك تشكيل نفسه في عملية تشكيل الواقع ذاته بصفته ذاتاً إنسانية تعيش في الحاضر وتواجه نكوصاته و اشكالياته وتحفر في الواقع وتاريخه من اجل تخطيه ، والواقع ذاته لا يمنح نفسه بسهولة دون مواجهة نقدية صارمة وعبر ذلك تكمن معارضة الفكر النقدي لكل سلطة، أياً كانت، أخلاقية، سياسية، دينية، اجتماعية، تسبغ على نفسها وأطروحاتها صفة (القداسة). المادة التي تضمنها كتاب د. سربست نبي هي أسئلة مقدمة للدكتور أبو زيد في مراحل زمنية عدة ، وليس حواراً جرى بشكل متواصل ، لذا تم وصفه بـ” حوار شامل” ، فالإجابات لا تخضع لتعليقات في ما هو ضروري أو يشوبه بعض الغموض ، من قبل المُحاوِر إلا في مقدمة الكتاب.
2
لسنا هنا في معرض تكرار الأسئلة و أجوبتها، أو التعليق عليها، ولكننا سنتطرق إلى مسألتين ، هما الموقف من المكونات المختلفة في العالم العربي ، وكذلك الموقف من العراق بالذات فـ(د.أبو زيد) ينكر ثمة (فوبيا) إعلامية وواقعية تجاه المكونات العرقية – الدينية في العالم العربي ويصفه بأنه “تخوف حقيقي” من شرذمة العالم العربي إلى دويلات وذلك “سيرسخ وجود دولة عبرية دائمة في قلب العالم العربي ودويلات أخرى وسيكون فيه :” تحرك التاريخ ضد مساره الطبيعي”؟!. ولم يضع( د. نصر) وهو يتحدث بهذا الشأن (مكر) التاريخ ،ومساراته المتعددة، ومأساويته في حسبانه؟. فمتى وأين وكيف تميز وسار التاريخ ضمن مساره الطبيعي؟. والمسألة تبرز بحدة عندما تصل (العراق) عندها يتم الحديث عن التاريخ ومسيرته الطبيعية؟. ولذا فهو يدعو فقط إلى نوع ” من الاستقلال الذاتي للكرد” في العراق ، ويتجاهل المحن التي تعرضت وتتعرض لها الأقليات العرقية – الدينية فيه!!. ومن المعروف إن:” أرض العراق ، كانت مأهولة ومتميزة بثقافاتها الغنية و شعبها المتحضر، وثمة وقائع ورموز لها جذور مندغمة ومتجوهرة لحد ما في ومع الثقافة – الجمعية الشعبية العراقية،حالياً، و تعود أصولها لأزمان ما قبل دخول الدين الإسلامي العراق “- سليم مطر (الذات الجريحة).وكذلك من:”الأهم أن ننظر إلى الماضي كلاً متماسكاً وليس كطائفة من الموضوعات المقطعة الأوصال”- اريك هوبْزباوْم. من الضروري أن يُعلم هنا أننا لا يمكن أن نتجاهل أو نتنكر للمنجزات والتوجهات والمعطيات الكبرى التي قدمتها الثقافة ‏العربية – الإسلامية في العراق، في الفقه واللغة والفلسفة والعلوم الصرفة، وكذلك التجليات الحضارية لها والتي برزت عبر رؤى وانجازات متعددة وبمختلف مدارسها وتوجهاتها وأماكنها والتي تم الاستفادة منها من قبل العالم وشعوبه المتنوعة ، بانفتاح ودون عقد دونية تجاه الآخر ، مهما كان دينه أو عرقه. لكننا نشير إلى مسعى الاجتثاث الفعلي والقسوة المفرطة تاريخياً التي حصلت تجاه الأقليات في العالم العربي عامة ، و خاصة في العراق، منذ تأسيس الدولة الملكية، تحت توجهات مشروعها القومي أولاً ، والوحدوي ثانياً، و ما تعرضت له مكونات رئيسية في العراق ذاته من إقصاء وتهميش وتدمير بنياتها الديومغرافية والثقافية، خاصة بعد 17-30 تموز عام 1968 ، بحجة أن منحها حقها الطبيعي سيكون القضاء على (الثقافة الثرية )، العربية تخصيصاً، التي تعيشها الشعوب متعددة الأعراق والأديان.يتناسى ، د.نصر، أن التوجه الديني الوحشي في زمن الخلافة العثمانية تحديداً، حاول أن يُحرم حتى التحدث باللغة العربية في العراق ، ثم بعد انهيار الخلافة العثمانية جاء دور التوجه القومي العروبي ، والذي واجه هذه الثقافات والمكونات بغلظة ، محاولاً طمرها وصهرها في بوتقة ثقافية (عروبية) وانه أنكر حتى جذورها العرقية والسكانية ساعياً لاستعرابها وفي العراق بالذات. و( د. نصر ) يعيد صمت اغلب المثقفين العرب عن جرائم النظام العراقي ، ضد شعبه ، لأسباب بعضها يمكن تلمسه في سيطرة الايدولوجيا (العروبوية) أولاً ، ثم(الاسلاموية) خلال الحرب العراقية- الإيرانية،مع اعتبارها من قبلنا كونها عبثية تافهة ،أصابت الشعب العراقي وكذلك الإيراني في الصميم ، و بددت ثرواتهما دون معنى، ثانياً. و شهدت دعماً غير محدود للنظام العراقي من دول عالمية – عربية لها مصلحة في تعميق الاستقطاب الطائفي إزاء الأوضاع في المنطقة. كما يشخص( د. أبو زيد) أن المثقف العربي في معظم الأحوال يفتح عيناً ويغلق الأخرى ويعيد ذلك إلى” الالتباس” الناتج عن “العشى الليلي” لدى كثير من المثقفين العرب “كون المعمار دائماً لديهم سياسي فج” . وكذلك دفاعه حول مسالة”ادوارد سعيد” وتضامنه مع نظام صدام في اجتياح الكويت ، ونحن لا ننكر تماماً ما ذكره د. أبو زيد ” أن ادوارد سعيد مثقف عربي من طراز فريد” لكننا نُذكر فقط بمواقف (ادوارد سعيد ) الذي بقي دائم التشكك في استخدام النظام العراقي للسلاح الكيماوي ضد أبناء وطنه في كردستان، حلبجة والأنفال ومناطق أخرى في العراق، و صمت “سعيد” عن هذا و حتى نكرانه بذريعة “عدم التأكد أوشح المعلومات” ، والغريب أن يصدر هذا الموقف عن “ادوارد سعيد” ، العقل العالمي اللامع والباهر في ما بعد منتصف القرن العشرين، وهو ذاته الذي يؤكد” إن علينا أن نحدد معايير الصدق أو معايير واقع الشقاء البشري والظلم البشري وان نستمسك بها مهما يكن الانتماء الحزبي للمثقف أو المفكر الفرد، ومهما تكن خلفيته القومية،ومهما تكن نوازع ولائه الفطري(..) والمثقف دائماً ما يُتاح له الاختيار التالي: إما أن ينحاز إلى صفوف الضعفاء ، والأقل تمثيلاً في المجتمع، ومَنْ يعانون من النسيان أو التجاهل، وإما أن ينحاز إلى صفوف الأقوياء”- المثقف والسلطة- مستنسخ- ترجمة د. محمد عناني (ص21و73)- وقد تغاضى ادوارد سعيد عن تصرف (الجلاد- الصف القوي حينها)، وهو موقف في حقيقته وتوجهاته وشكوكه يأتي بدوافع سياسية في جوهرها ومراميها، وإلا كيف يمكن أن يسوغ “ادوارد سعيد” اجتياح الكويت من قبل الطاغية ، بأنه لم يكن غير ((مؤامرة وفخ للإيقاع به وبقوته العسكرية التي ستبعث على التوازن في المنطقة))؟!. ويمكن مراجعة المساجلات المحمومة المتكررة و دفوعات (ادوارد سعيد ) عن سلوك النظام في العراق، والتي أجهد كل إمكانياته وقدراته الثقافية والكلامية اللامعة وسخرها من اجل ذلك ومواقفه المعروفة وغير المبررة تاريخياً وفعلياً تجاه المعارضة العراقية، والقرائن والحجج التي انطلق منها (ادوارد سعيد) في رفض إسقاط أبشع وأفتك نظام عرفه ومرَّ به العراق ، وبقي يعلنها ويعبر عنها بقناعة تامة، والمتوفرة أغلبها في كتب عدة، وخاصة عن كتاب كنعان مكية: “جمهورية الخوف” الذي شكك و أنكر ادوارد سعيد جميع ما جاء فيه من فظائع ووحشية، ثم انبرى بمواجهة كتاب مكية الآخر “القسوة والصمت- الحرب والطغيان والانتفاضة في العالم العربي” والسجال معه والردود على أطروحاته فيما يخص النظام العراقي وممارساته الدموية – الوحشية خلال أكثر من ثلاثة عقود، ولسنا هنا أطلاقاً في ذم “ادوارد سعيد” والنيل منه نهائياً ،ومعه طائفة واسعة من الكتاب والمثقفين ، وما هو مدهش حقاً أنهم من اليسار العربي، و قد التقوا جميعهم تحت مظلة واحدة دفاعاً عن(طاغية) لا يحلم إي واحد منهم في العيش تحت مظلته، ولا يمكن تبرير ، بموجب أية ذريعة ، مواقفهم تجاه الغالبية العظمى من الشعب العراقي ، و(صمتهم ) عن فظائع النظام الوحشي العراقي طيلة ثلاثة عقود وأكثر، وعلينا أن نتذكر أن الصمت ، هو ما سماه (سلمان رشدي) في روايته “أطفال منتصف الليل” ليس إلا: ” ثقباً في قلبي”. وما أكثر الثقوب، السابقة – الراهنة، التي في قلوب العراقيين.

* مؤسسة حمدي للطباعة والنشر- السليمانية.

اترك تعليقاً