أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / قرار حكيم وعقل سليم :: الانباريون بعد داعش: لا اكراه في الدين.. والبارات خلاصنا الاخير من المخدرات

قرار حكيم وعقل سليم :: الانباريون بعد داعش: لا اكراه في الدين.. والبارات خلاصنا الاخير من المخدرات

السيمر / السبت 27 . 10 . 2018 — يجلس احمد ذو الاثنين وثلاثين عاما في باحة بيته المطل على نهر الفرات وسط البساتين في مركز مدينة الرمادي، بوجه شاحب وقوى منخورة، للتو خرج من رحلة علاج استمرت أربعة اشهر، للاقلاع عن تعاطي المخدرات، يقول انه اقحم على حين غرة في عالم الهلوسة والعقاقير المخدرة، العالم الذي يأخذه على جناحين الى ما يشاء. وحين سئل عن سبب تعاطيه المخدرات اجاب وهو يمط شفتيه ،”ما هو البديل عن المخدرات لشاب بلا عمل ولا مستقبل حياته فضاء مفتوح دون هدف ، الا يا خالي احسن ما اصير وي داعش ..!”
احمد واحد من مئات المتعاطين والمدمنين على المخدرات في الانبار التي احتلت المرتبة الثانية بعد البصرة في تجارة المخدرات. طبيعة الانبار العشائرية والقبلية لا تعطي للقانون قيمة او وجود، فالشريعة هنا شريعة العقال والعمامة، الامر الذي اتاح لأصحاب وتجار هذه الممنوعات حصانة شبه مطلقة، فالمتهم بالترويج او التعاطي اذا ما اعتقل فالوساطات العشائرية كفيلة بأطلاق سراحه بغضون ساعات معدودة وساطات”.
ووفقا لشهادات مواطنين انباريين فإن النفوذ العشائري كان سببا مؤثرا وراء الإفراج عن تجار المخدرات أو مدمنيها. ويقول علي جمعة الدليمي لـ (نيو نيوز): “كن ذا عشيرة قوية خارجة عن القانون واصنع ما شئت. في الأنبار المحترم هو الذي لا يخشى القانون ولا السلطة، الجميع سوف يحترمك ويهابك إن كنتَ مستهتراً”

دعوات لإرجاع “البارات والملاهي”
مختصون ومسؤولون في المحافظة، عزوا اسباب استفحال هذه الظاهرة الى غياب القانون والوعي المجتمعي ، فضلا عن انعدام وسائل واماكن الترفيه، وهو ما أبرز دعوات جديدة لإعادة فتح (البارات والملاهي) في المحافظة، والتي اغلقت ابان “الحملة الايمانية” التي اطلقها رئيس النظام البائد صدام حسين في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
الباحث في شؤون محافظة الأنبار خالد القره غولي اكد لـ (نيو نيوز): ان “المحافظة تتربع على المركز الثاني بعد البصرة في تجارة وانتشار المخدرات التي لم يكن يعرفونها إلا في أفلام الكاوبوي والسبب يعود إلى ضعف الرقابة الأمنية لذا بدا انتشار المخدرات بشكل كبير في المقاهي والمدارس وبين منتسبي القوى الأمنية”.
وأشار القره غولي إلى: “وجود نحو 104 نوعا من أنواع المخدرات منتشرة في المحافظة” مبينا ان “من بين تلك الأنواع نوع يسمى (الأكزز) سعر الحبة الواحدة منه 45 ألف ديناراً، ويأتي من جنوب العراق ويوزع بشكل خاص، ويسبب زيادة القوة الجنسية مما أدى إلى حالات زنا محارم”.
واتهم القره غولي “جهات سياسية ومسؤولين كبار في تجارة المخدرات” ووجه رسالة من خلال (نيو نيوز) إلى محافظ الأنبار داعيا إياه إلى “الاهتمام بمثقفي المحافظة والواعين وليس فقط بشيوخ العشائر وأصحاب العقال والعمائم”.
ويقول قائد شرطة الأنبار السابق اللواء طارق يوسف العسل: “العراق بشكل عام والأنبار بشكل خاص خلال فترة التسعينات إلى حد الألفين كان ممرا للمخدرات فقط ولم يكن مستهلكا نهائيا لكنه كان يستهلك المخدرات في السجون فقط، وكان استهلاكه نوعيتين هي (الآرتين والمكدون) بينما الآن أصبحت الأنبار مستهلكة بشكل كبير لأنهم جعلوا منها سجنا كبيرا.. لا اماكن ترفيه ولا وسائل بديلة!”.
وأضاف: ان “متعاطي المخدرات ليس غالبيتهم من العاطلين عن العمل فأكثرهم هم من منتسبي الجيش أو الشرطة أو الحشد، او موظفين أو من ذوي الامكانيات المالية، البطالة ليس سبب للتعاطي”.
وعن الحلول الممكنة للقضاء على المخدرات أو تقليلها أجاب العسل: “90 % من شباب الأنبار يتعاطون المخدرات لأنهم لم يروا شيئا من الترفيه فيلتجؤون إلى التعاطي، كان في الرمادي أربع مساجد فقط وكانت تمتلك أكثر من عشر أندية ليلية لذلك كان مجتمعنا الأنباري أكثر شرفا وأكثر نزاهة وأكثر دينا وأخلاقا، اليوم ترى مئات المساجد والمدينة تخلو من أي نادي اجتماعي فالحل مجتمعي بحت وليس أمنيا”.
وأكد “نحتاج إلى قرار شجاع لفتح نوادي اجتماعية لبيع الخمور تنافس المساجد، والمواطن سيحكم من يقدم له الأفضل، المسجد أم النادي؟ ونحتاج إلى فتح متنزهات تتضمن غناء وموسيقى ومراقص، فالخمور أفضل بكثير من المخدرات التي دمرت شبابنا وأهلكتهم فشبابنا وعوائلنا في سجن كبير.. لماذا التعاطي في كردستان العراق أقل بكثير مما هي عليه في الأنبار؟”.

لا اكراه في الدين
بدوره يرى السياسي الانباري، والقيادي السابق في الصحوات الشيخ حميد الهايس، ان “الأنبار ليست مكة المكرمة ولا هي المدينة المنورة، الأنبار محافظة مدنية ليست اسلامية أو متطرفة كما يتصورها البعض ونحن نؤيد فتح بارات وملاهي”.
واضاف: “نحن نبحث عن راحة المواطن وسعادته ونحن ملتزمون بـ (لا اكراه في الدين) التزاما كبيرا بما لا يضر أحدا.. لو نبقى بعقلية خطباء الجوامع فلن نتقدم مترا واحدا، نبحث عن السياحة والترفيه فمزاجات الناس ليست واحدة.. نريد تفعيل وتوسيع المدينة السياحية في الحبانية”.
وقريب من ذلك يقول المواطن الانباري محمد الدليمي: “الرمادي تحتوي شارع اسمه (شارع السينما) لكنه يخلو مثلما تخلو المدينة كلها من سينما، يجب فتح السينما وفتح بارات وملاهي كي تنفتح الأنبار وحتى لا يعود إليها التطرف مرة أخرى ومن أراد المسجد فالمسجد موجود، كل شخص وحريته دون الاعتداء على حريات الناس”.
بينما يرى المواطن الأربعيني عمر أحمد: “أن أفضل مكان لفتح بارات أو ملاهي هي سدة الرمادي قرب نهر الفرات” متخيلا الأمر بضحكة هادئة مع غمض عينيه أنه: “سوف يصبح كأبي نؤاس في بغداد أو جقجق في السليمانية”.

مئات التجار والاف المتعاطين
وفي مطلع نيسان 2018 أعلن اللواء هادي رزيج قائد شرطة الأنبار عن: “إلقاء القبض على أكثر من تسعين متهما بالمخدرات، وعلى محاكمة 49 آخرين بأحكام مختلفة جميعها تتعلق بتجارة المخدرات”.
وفي 19 تموز 2017 أعلنت شرطة الأنبار عن “إلقاء القبض على تاجر مخدرات بحوزته 30 ألف حبة مخدرة عند مدخل سيطرة الشهيد طالب في مدينة الحبانية كان ينوي نقلها إلى مدينة الرمادي فتم رصده من خلال السونار”.
وبين مدة وأخرى يُعلن عن القبض على تجار مخدرات متوسط ما بحوزة واحدهم نحو (10 آلاف حبة مخدرة) وبعض العصابات تصل ما بحوزتهم إلى عشرات الكيلو غرامات.
وتقول مصادر محلية لـ(نيو نيوز) “إن أكثر المناطق التي يتواجد فيها تجار المخدرات في محافظة الأنبار هي الرطبة والرمادي والخالدية، وأكثر الأحياء تواجدا لهم من أحياء الرمادي هي التأميم والخمسة كيلو وما يجاور هذه الأحياء”.
وبحسب المصادر فان “ناحية الرحالية الواقعة جنوب الأنبار وشمال كربلاء والقريبة من بحيرة الرزازة تعد منطقة عبور لاستلام وتسليم المخدرات أو الأموال أو قد تكون مخزنا مؤقتا لجغرافية المنطقة الصحراوية تليها ناحية العامرية جنوبي الفلوجة لقربها إلى بغداد ولوقوعها في رأس الصحراء نحو الطريق المؤدي إلى قضاء المسيب”.
ويقول مصدر استخباري لـ (نيو نيوز): “تصلنا معلومات عن تعاطي المخدرات عن طريق (النارجيلة) في المقاهي وكذلك عن بيعها بشكل مباشر في كثير من القاعات الرياضية وبعض محلات بيع الفواكه والخضراوات” لافتاً إلى كثير “من الصيدليات التي تبيع المخدرات بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق حبوب الهلوسة التي تستعمل علاجا للحالات النفسية أو حبوب الحساسية ومشتقاتها أو عن طريق خلط تركيبات معينة”.
وحوالي 50 صيدلية تم اغلاقها في عام 2010 بسبب بيعها الادوية والعلاجات التي تساعد على الإدمان بدون وصفات طبية، بعض هذه الصيدليات غير مجازة ولم تحصل على موافقات رسمية.
في موازاة ذلك: كشف مصدر أمني مطلع “أن المواطن (س. س. ص) والمواطن (ش. خ. أ) وهما أقارب أحد المسؤولين البارزين في المحافظة قد قُبض عليهما متلبسين وبحوزتهما كمية كبيرة من المخدرات، تم حبسهما في سجن إجرام الحبانية، لكن أُفرج عنها لتدخل قريبهما المسؤول في ذلك”.
وأضاف المصدر لـ(نيو نيوز)، “إن نجل المواطن (ح.ش) قُبض عليه متلبساً هو الآخر فتم توقيفه في مقر الفوج التاسع التابعة لقيادة شرطة الأنبار الكائن على سدة الرمادي، لكن معركة طاحنة جرت بينهم وبين الحشد العشائري؛ فتم تهريب الموقوف لكون والده قيادي في الحشد العشائري ويمتلك نفوذا عشائريا قويا”.
والى جانب ذلك، يقول مصدر من تربية الأنبار أن “مدرستين ثانويتين لبنات قد رُصد فيها حالات تعاطي مخدرات لكن الأمر قد طمر لأسباب عشائرية، ناهيك عن مدارس البنين أو جامعة الأنبار”.
وكان رافع الفهداوي رئيس مجلس عشائر الأنبار المتصدية للإرهاب ذكر في وقت سابق ان “الانبار تشهد تواجد مزارع ومصانع للمخدرات بالمحافظة الى جانب وجودها بالمحافظات الأخرى”، مشيراً الى ان “وجود الفساد في الأجهزة الأمنية من اهم أسباب انتشارها في الانبار والتواطؤ مع المتاجرين بها الى جانب تخفيف العقوبات عما كانت عليه سابقاً حيث ان العقوبات القاسية التي تفرض سابقاً كانت تمثل رادعا حقيقيا للمخدرات”.
وفي وقت سابق ايضا، أعلن عضو مجلس قضاء العامرية خضير الراشد عن: “ارتفاع نسبة تعاطي وترويج الحبوب المخدرة الى معدلات مخيفة وباتت تشكل نسب خطيرة تحتاج الى معالجة فورية من قبل الجهات الامنية والحكومية مع وضع حلول لمعالجة هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع الانباري”.
وتشير تقارير دولية صادرة عن مكتب مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة، إلى “أن العراق بعد أحداث 2003 تحول إلى محطة ترانزيت لتهريب المخدرات من إيران وأفغانستان نحو دول الخليج العربي”.
وحذرت التقارير نفسها من احتمال تحول العراق إلى بلد مستهلك. ويحذر مختصون من أن محافظة الأنبار من أكثر المحافظات عرضة لتجارة المخدرات أو تعاطيها لحدودها الصحراوية الممتدة على ثلاث دولة ولطبيعتها العشائرية السائدة.

نيو نيوز

اترك تعليقاً