الرئيسية / مقالات / انقلاب الصخيرات [2]: الكابورال يَطَأ الجنرال!

انقلاب الصخيرات [2]: الكابورال يَطَأ الجنرال!

الملك الحسن الثاني عام 1961، وإلى جانبه شقيقته لالة أمينة

السيمر / الخميس 24 . 01 . 2019

جعفر البكلي/ تونس

صوّب ضابط صف، لم يبلغ العشرين من عمره، مسدسه الحربي، نحو جمع من أكابر القوم ولّوا مدبرين لمّا رأوه، وأمرهم أن ينبطحوا على الأرض. وصاح زميله على القوم، بحدّة، وهو يهدّدهم بأنه سيطلق النار عليهم: «طيحوا للأرض، ولاّ نتيري فيكم». لم يستجب الكبراء الهاربون لنداء التحذير، وانطلقوا يتراكضون مذعورين. كان منظرهم مَهيناً، وهم يتدافعون للنجاة بأنفسهم، ويتخبطون ببعضهم، وكأنهم حُمُر مستنفَرة فرّت من قسورة! أطلق ضابط الصف، في الهواء، رشقة من سلاحه الـ«MAT49»، فتساقط دهاقنة البلاط المغربي على الأرض، وهم يرتعشون من الرعب الذي أحدثه دويّ الرصاص فوق رؤوسهم. بيد أنّ بعض الوجهاء استمروا في العدو لا يلوون على شيء. أخذ أحمد رضا اكديرة، نديم الملك ومستشاره الأثير، يركض بطريقة عجيبة كأنه نعامة شاردة: ساقاه منفرجتان، وجذعه منحن، ويداه تمسكان برأسه مخافة أن تصيبه رصاصة طائشة. وفجأة، التَوَت قدم مستشار الملك أثناء ركضه، فانكبّ على وجهه بعنف. وقام المسكين متعجّلاً، يريد أن يعاود الركض. فما كاد يخطو خطوات مرتبكة حتى زلقت ساقه من جديد، وخرّ على الأرض ثانيةً. وأعاد اكديرة الكرّة أملاً في النجاة بجلده، فما لبث أن كَبا. وأراد أن ينهض، فلم يقدر. عندئذ تماوت مستشار الملك، وأبقى نفسه ثلاث ساعات مجندلاً بلا حراك، تحت شمس لاهبة، وفوق عشب ملعب الغولف في قصر الصخيرات.
لم يكن اكديرة وحده هو الآبق المنكود؛ ذلك أن عبد الهادي بوطالب، وكان وزير خارجية المغرب يومئذ، انطلق، هو الآخر، يجري بكل قوته، هارباً من الرصاص المتطاير في كل مكان. وأراد بوطالب الوصول إلى شاطئ البحر القريب، لعلّ الاحتماء بأمواجه ينجيه من مصير محتوم. لكنّ الرجل، لسوء حظه، أصابته شظية في ساقه، فتدحرج فوق كثبان رمال الشاطئ، وتعفّر وجهه بالتراب، وتكسرت إحدى عَدَستي نظارته الشمسية. وحينما قام بوطالب من عثرته، بدا وجهه أقرب شبهاً إلى وجه موشي دايان، فقد اختفت عينه اليسرى وراء عدسة سوداء، فيما أطلّت الأخرى من تحت إطار النظارة المكسورة.

كُدسٌ من الوزراء
أخذ الوزير عبد الهادي بوطالب يحملق مذهولاً ممّا يحصل في قصر الصخيرات. غير أنّ ذهوله لم يدم طويلاً، فقد أمسك به أحد الجنود، وجرّه من ثيابه بفظاظة، وبطحه فوق ظهر عبد اللطيف الفيلالي، وزير التعليم العالي يومذاك. ووجد بوطالب أنّ الفيلالي، هو الآخر، ملقيٌّ فوق ظهر محمد الشرقاوي، صهر الملك الحسن، وزوج أخته مليكة. وهكذا أصبح الوزراء مكدّسين فوق بعضهم بعضاً (1).
كان الأمر بمجمله مُخزياً ومعيباً! وفي ما بعدُ، برّر بعض ضباط الصف أفعالهم الفظّة، وتصرفاتهم الشرسة، فقالوا إنهم كانوا غافلين، ولم يعرفوا هوية القوم الذين ساموهم سوء العذاب. وقال آخرون إنهم نفّذوا أوامر رؤسائهم الصارمة فحسب، ولم يدركوا عاقبة ما فعلوه …
ولم تكن تلك التعلات صحيحة أو منطقية. والحقيقة، أنّ اعبابو لم يطلب من رجاله أن يُذِلّوا وزيراً، أو يسيئوا معاملة مسؤول كبير في الدولة، أو يهينوا ضابطاً سامياً في القوات المسلحة. لكنّ التلاميذ من تلقاء أنفسهم فعلوا كل ذلك. وقف عريف من مدرسة اهرمومو العسكرية فوق ظهر الجنرال ادريس بن عمر العلمي، وزير البريد يومئذ، ورئيس الأركان السابق للجيش المغربي، والمفتش العام للقوات المسلحة. وجعل «الكابورال» يدوس على جسم الجنرال، ويَطَؤه، ويمشي فوقه جيئة وذهاباً، وهو يضحك هازئاً (2). ومكث إدريس بن عمر صامتاً خاضعاً، يكظم غيظه خوفاً من أن يفرغ الشاب الأرعن طلقات مسدسه الحربي في ظهره. ورأى ضابط صف آخر وزيرَ الدفاع الوطني السابق المحجوبي أحرضان جاثماً على الأرض، يرفع يديه فوق رأسه مستسلماً، فاتجه صوبه، وهو شاهر رشاشه. ونظر أحرضان بخوف إلى وجه الشاب المكفهر. فرمقه الأخير شزراً، ثم أمره بأن ينزع حذاءه. امتثل أحرضان، وخلع الحذاء. فأمره العسكري، بعدئذ، أن يخلع كل ملابسه، ويجثو أمامه عارياً. هنالك ضجّ أحرضان من هول الإهانة، فصاح: «أوهو! إلا هذه، أنا ماشي قرد!» (3).
ضحك المسلحون من جواب السياسي الخمسيني. ثم تدخّل رقيب، ينتمي مثل أحرضان إلى إقليم الخميسات، فشفع للوزير وزعيم «الحركة الشعبية»، عند زملائه، فعفوا عنه. وأمّا الكولونبل خرّابة، فكان أتعس حظاً من أحرضان. ذلك أنه لم ينتبه سريعاً لما يجري من حوله، فقد كان يسكر في مقصف متحرك، في حدائق القصر، أقيم فوق سكة حديدية. وفجأة، انقضّ عليه جنود، وجرّوه من بذلته العسكرية الأنيقة، ورموا به أرضاً. ووقف خرّابة، وهو يرتعد من الحنق، وقد هاله أن يتجرأ عساكر عليه، فصاح بهم: «أنا الكولونيل خرّابة. تي واحد ما يقيسني (لا أحد يلمسني)». كان الرد عليه بأعقاب البنادق، وأطيح به أرضاً إلى جانب الآخرين (4).

كسكس الملك
لماذا صنع ضباط صف صغار تلك الإساءات الفادحة بوزراء، وقادة، وساسة شاء لهم حظهم العاثر، وخوفهم الغريزي من الموت أن يستسلموا، وينبطحوا صاغرين تحت أقدامهم؟! أهو الحقد، والتشفي، والنكاية؟! أهي الخساسة، والوقاحة؟! أهي الحماقة، والسفاهة، والبلادة؟! لعلّ الجواب ليس بعيداً من كل ذلك جميعاً. غير أنّ العساكر – وأغلبهم ينتمون إلى طبقات محرومة – هالهم ما اكتشفوه، في قصر الملك، من مظاهر الترف، فلمّا ظفروا بالمترفين، تحرّكت في نفوسهم ضغائن قديمة، وبغض مكتوم، وغيظ جاثم في الصدور، ينقّب عن منفذ لكي يتدفق. أفرغ جندي مشطاً من رشاشه في كعكة عيد ميلاد الملك ذات الطوابق

المتعددة، فتناثرت مكوناتها على الأرض، وانسكب منها دفق من الشوكولا سال على الموائد المتخمة. كانت موائد الملك تئنّ تحت أكوام من غلال البحر: الروبيان الأحمر الشهي، والجمبري المشوي، والقريدس المسلوق، وأسماك السلمون المستوردة من بلدان المحيط الهادي، والكافيار الإيراني، وأنواع لا تحصى من الأشربة، وخراف كاملة تدور على أسياخ الشواء، وكؤوس مترعة بالشمبانيا الفرنسية، وأخرى بالبيرة البافارية… أخذ بعض العساكر يسلبون الساعات الثمينة، والسلاسل الذهبية من أعناق ضيوف الملك، ويرمون بها في إحدى الشاحنات. وشرع جندي ثالث يأكل من طبق مليء بالكسكس المزدان بأصناف من اللحوم. وحين نبّهه زميل له، بأن الوقت الآن ليس للأكل، ضحك الأول، وقال إنّ تلك فرصته الوحيدة لكي يأكل كسكس الملك. وأجابه الثاني: «عالله تكون عارف آش كيتسنّاك (ماذا ينتظرك)؟ غادي يكون عندك وقت باش تهضّم».

المخزن… والسيبة
لم يكن المغرب دوماً إلا مغربين: مخزن، وسيبة. دار المخزن هي دار الإمرة، والحكم، والسلطان. وحيّزه هي السهول، والسفوح، والشطآن، وركائزه مدائن التجارة، والصنائع، والرخاوة،
والعمران. ورعاياه هم أهل الطاعة، والقبول، والانقياد، والإذعان… وأمّا بلاد السيبة، فهي نقيض المخزن: متاهة من الصحارى، والجبال، والأحراش، والوديان. وأقوامٌ جُبلوا على التمرد، والنفور، والجموح، والعصيان. وتاريخ ملؤه الإهمال، والإجحاف، والإخلال، والخذلان. وأرواح بَراها الجُمُوح، والشراسة، والنشوز، والحرمان… وبين ذينك المغربين الغريبين اللذين لا يلتقيان صنعت الطبيعة حواجز من تضاريس، ولغات، وأعراق، وعصبيات، ومآس، وثارات، وأحزان…
ولم تزل السيبة بلاداً خارجة على المخزن، مخالفةً له حتى جاء الفرنسيون بمدافعهم، ومدرعاتهم، وطائراتهم، وقنابلهم، وغازاتهم… فأخضعوا المناطق الخارجة، في الأطلسين الأوسط والكبير، وفي الساقية الحمراء في الصحراء، بالحديد والنار. ثم تكفلت الطرق التي أنشأها المستعمرون بالإجهاز على البقاع المتمردة عبر تقطيع أوصالها النافرة، وتسهيل وصول الجنود إلى أبعد مدى فيها. وكان إخضاع السيبة أكبر عطيّة تركها الاستعمار للمخزن، بعد انسحابه المباشر، في آذار/ مارس 1956. لم ينس أهل الريف كلمات السلطان يوسف للمارشال الفرنسي فيليب بيتان، حينما وفد إلى المغرب لمحاربة محمد بن عبد الكريم الخطابي: «أرحنا من هذا المتمرد». يومها، جاء بيتان بهالة نصره في فردان، ليتحالف مع المخزن ضدّ بطل أنوال الذي أذل الإسبان، وأقام جمهورية الريف. أمدّ المخزن بيتان بجيش يتألف من مئات الآلاف من العساكر، توزعوا على أربع وأربعين فرقة، وتلقوا أوامرهم من ستين جنرالاً فرنسياً. ودعم الإسبان عسكر المخزن، والضباط الفرنسيين، بجيش رديف يتألف من مئة ألف جندي. كل ذلك التواطؤ من أجل القضاء
على «عبد الكريم»؛ ذلك ما لم ينسه أهل الريف! ولم ينسوا أيضاً كيف أخذ الفرنسيون، وجنود المخزن نساءهم رهائن، وكيف دمّروا القرى الآمنة بقنابل رموها عليهم من الجو. ولم ينسوا كذلك تلك الحشوات الملفوفة بالسلوفان، والتي يلتقطها الأطفال لأنها تشبه الحلوى، فإذا فتحوا أغلفتها انفجرت فيهم…
لم ينس أهل الريف، أيضاً، ما صنعه الحسن الثاني بهم، إبّان انتفاضة 1958، يوم كان ولي عهد للمغرب، ورئيس أركان للقوات المسلحة الملكية. قدم الحسن إلى بلاد الريف برفقة ثلاث فرق تتألف من عشرين ألف جندي. وكان المقدم محمد أوفقير هو من يتولى إدارة جنود المخزن على الأرض، وأما الحسن فكان يراقب المجازر في طائرة هليكوبتر من الجو. في تلك الأيام، استبيحت قرى بكاملها، ودكّتها القنابل دكّاً، وقتِل الآلاف من الناس. وحين استسلم ثوار من الريف، راق للأمير الشاب «مولاي الحسن»، ولمرافقه الأثير أوفقير أن يمزحا. فجيء بالأسرى إلى مجلس الأمير. وطُلِب منهم الركوع، وتقبيل باطن اليد والقفا، وبعد ذلك فليطلبوا العفو. ولمّا فعل الأسرى ما أمِروا به، دسّ أوفقير قنبلة منزوعة الصمّام في غطاء رأس جلباب أحدهم. وما كادوا ينصرفون بعيداً عن الأمير حتى دوّى انفجار القنبلة، فمزقتهم أشلاء، وسط ضحكات الحسن ومساعده.
بلى! لم ينس أهل الريف تلك التواريخ من العذابات على أيدي رجال المخزن، وأعوانه. ولم ينس كثير من تلاميذ اهرمومو أنهم من أهل الريف، وأنهم من بلاد السيبة.
يعيش سيدنا اعبابو – نصره الله –
خرج امحمد اعبابو من قاعة العرش، بعد أن أمر مجموعة من رجاله بحراسة المكان الذي اختبأ فيه الملك. كان ضباط الصف يسيطرون تماماً على الرهائن المنبطحين تحت الشمس. فأمر اعبابو التلاميذ بأن يوقفوا الجميع في طابور طويل يتكوّن من ثلاثة صفوف، ثم أخذ يتفقد القوم، ويجول ببصره فيهم. بدأ بعض رجال المخزن يهتفون بحياة اعبابو، ويباركون ثورته، ويعبّرون عن تأييدهم له. هل اعتقدوا أنّ التملق يشفع لهم عند ذلك الرجل؟! حاول علال الفاسي، زعيم حزب «الاستقلال» أن يشكو لاعبابو ما أصابه من الجراح، فأجابه الكولونيل: «من بعد، أسي علال.
راح نشوف من بعد». وأراد المقدم أحمد الخياري، وكان زميلاً قديماً لاعبابو، أن يلفت نظره. فخرج من وسط الصف، ليحيي اعبابو. لم يرق لمدير اهرمومو ما فعله الخياري، فسدد له طلقة في البطن، وأرداه قتيلاً. بدا مصير الخياري مفزعاً لبقية الأسرى، فساد الوجوم الرهيب. الشمس من فوق الرؤوس تصلي بنارها، والعرق يتصبب غزيراً من الجباه والصدور والآباط، والخوف يمضغ الأعصاب، والزمن جامد لا ينقضي. كأنّ ذلك اليوم هو موعد الحشر! يتلاصق، في صف واحد: الوزراء، والخدّام، والساسة، والطهاة، والجنرالات، والموظفون، وعلماء الدين، والأمراء… كان الأمير «مولاي» عبد الله، شقيق الملك الحسن، ينزف بشدة، بفعل رصاصات أصابت يده اليمنى وساقه. أمر اعبابو بإخراج الأمير، مع بعض كبار السن، من الطابور، وإجلاسهم في الظل، وإعطائهم ماء. كان هؤلاء من المحظوظين! أمّا الكولونيل بولحيمص، قائد الدرك الملكي، فلم يكن محظوظاً. كان بينه وبين اعبابو عداوة قديمة، فأمر الأخير بإخراجه من الطابور. رشقه اعبابو بنظرة حادة، وقال له: «العالم صغير، مون كولونيل. شحال ستنّيت (انتظرت) هذا النهار». أخذ الكولونيل بولحيمص ينتحب، وهو يترجى اعبابو، ويتوسل له. رمقه اعبابو باشمئزاز، فلم يرق له ذلك التذلل. وأمر اعبابو أحد التلاميذ بإطلاق النار على بولحيمص، فخرّ الرجل على الأرض. لقي الجنرال الغرباوي والقبطان بوجمعة العسلي المصير الدامي نفسه. وأخرج اعبابو من طابور الأسرى أربعة جنرالات كبار، هم: حمو أمحزون (شقيق زوجة الملك)، ومصطفى امهارش، ومحمد حبيبي، وبوغرين الخياري. وطلب منهم أن يؤيدوا الانقلاب الذي يقوده، فترددوا في الموافقة. أمر اعبابو أن يوضع هؤلاء في سيارة «جيب»، ليراجعوا قرارهم.

القبض على الحسن
كان الموقف في قصر الصخيرات قد دان بالكامل لصالح اعبابو. فهو يسيطر على كل من في داخله: الملك وأسرته، وأعضاء الحكومة، وقادة الجيش وأجهزة الأمن، وزعماء الأحزاب السياسية، والسفراء والقناصل، ورجال المال والأعمال… ما الحاجة إذاً إلى البقاء في الصخيرات؟! إنّ عليه أن يكمل مهمته إلى مداها. سيذهب مع جنوده إلى الرباط، ويعلن للشعب قيام الثورة على الملك، ثم يقبض على مفاصل الدولة، ويشكل مجلس قيادة الثورة. استدعى اعبابو شقيقه محمد، وأمره بأن يبقى في القصر، قابضاً على زمامه، مع مئة من التلاميذ المسلحين. وأما هو فسينطلق مع بقية الجنود إلى العاصمة، ليستكمل العملية هناك.
كانت الساعة تشير إلى حوالى الخامسة عصراً، عندما ركب اعبابو وجنوده شاحناتهم، وغادروا قصر الصخيرات. قال عريف ممن استبقاهم اعبابو ليحرسوا الحمّامات، لزميله: «شنو باقين كانديرو فهاذ البلاصة المنحوسة؟! شنو كان حضيو لهنا؟! (ماذا يبقينا في هذا المكان اللعين؟! ما الذي نحرسه هنا؟!)». قال الثاني: «خاصنا نديرو كيما قال الكولونيل. ما تتحركو من هنا حتى نرجع». قال ثالث: «سمعت بلّي الكولونيل مشى مع les camarades (الرفاق)». دبّ القلق في الجنود. سمع أحدهم أصواتاً خافتة تصدر من الحمّام. ذهب صوب بابه، وفتحه، ليتفقده. فوجئ بمجموعة من الرجال مختبئين داخل المراحيض. أمرهم برفع أيديهم فوق رؤوسهم، وأن يخرجوا
من المكان. امتثل الجميع لأوامر العسكري. خرجوا مثل أفراخ البط. كان المكان معتماَ، فلم يتبيّن الجنود هوية أسراهم. اقتيد المقبوض عليهم إلى الباب الصغير المؤدي إلى ملعب الغولف. هنالك، تحت ضوء الشمس، تفرس أحد الرقباء في وجه رجل يلبس زي عامل نظافة. صاح الرقيب: «الملك! هذا الملك!». التف الجنود حول الحسن الثاني. وجذبه أحدهم بعنف من كتف قميصه، وهو يهتف: «أنت، آجي (تعال) معانا لهنا». أطاع الملك الأمر، ووقف. تكاثر الجنود حول الحسن، وهم ينظرون إليه بفضول. قال مساعد أول للتلاميذ: «شي أربعة منكم يتكلفوا به. (ليتولى أمره أربعة منكم)». اقتاد أربعة رقباء الملك، وهو يرفع يديه عالياً إلى مكان منفصل. ساد الصمت لحظات قصيرة، وفجأة مزقته رشقتا رصاص.
(يتبع)

الهوامش:
(1) اعترف عبد الهادي بوطالب، وزير الخارجية المغربي الأسبق، بما تعرض له من إهانات أثناء انقلاب الصخيرات. وكيف أجبره تلاميذ المدرسة العسكرية باهرمومو على الانبطاح فوق زميليه في الحكومة الفيلالي والشرقاوي. راجع الحلقة الخامسة في سلسلة بوطالب، ضمن برنامج «شاهد على العصر» الذي بثته قناة «الجزيرة» القطرية، في 17 آب 2008.
(2) محمد الرايس، «من الصخيرات إلى تازمامارت: تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم» (دار النشر المغربية، الطبعة الأولى، 2000). ص: 47
(3) المصدر السابق، ص: 34
(4) المصدر السابق، ص: 28

كاتب عربي*
الاخبار اللبنانية 

اترك تعليقاً