الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / “قجغجية كردستان” في أشهر ممرات التهريب بالشرق الأوسط

“قجغجية كردستان” في أشهر ممرات التهريب بالشرق الأوسط

السيمر / فيينا / الجمعة 19 . 07 . 2019 — لا يؤمن المهربون أو “القجغجية” على جانبي الحدود بين كردستان العراق وإيران أنّ فعلهم مرفوض، بل على العكس، يشددون على أنّه كسر للحدود المصطنعة بين العراق وإيران مجموعة من أشهر ممرات التهريب في الشرق الأوسط، والتي فشلت جيوش البلدين، على مدى العقود الطويلة الماضية في ضبطها، فالجبال لا يعرفها إلاّ أهلها، كما يقول أكراد العراق، الذين يرفضون إطلاق صفة التهريب على نشاطاتهم، ويفضلون اعتبارها تبادلاً تجارياً مع أشقائهم أكراد إيران في الشطر الآخر من الحدود، وهو النشاط الذي لم توقفه حتى حرب الخليج الأولى، أو الغزو الأميركي للعراق، أو إقفال الحدود، والتشديدات الجارية الآن عليها، خصوصاً من الجانب الإيراني. قماش وأجهزة كهربائية وملابس ولحوم وأطعمة ومواد مختلفة كالسجائر والأدوية وصولاً إلى حشيشة الكيف (القنب الهندي) وغيرها من المخدرات، تُحمل على الظهور والأكتاف وفوق البغال، وتمرّ داخل طرقات جبلية يعرفها الأهالي وحدهم، ويبلغ طول بعضها 20 كيلومتراً أو أكثر، مما يفصل بين العراق وإيران. تبذل الجهات الإيرانية منذ مدة جهوداً واضحة في محاولة وقف عمليات التهريب تلك من دون جدوى، بالرغم من أنّها استخدمت القوة المميتة، وقتلت عشرات المهربين خلال السنوات الماضية واعتقلت مثلهم، وهو ما تفعله السلطات في إقليم كردستان العراق عبر قوات الأمن الداخلي (أسايش) لكن على نحو أقل بسبب ضعف الإمكانات. وترتبط إيران وإقليم كردستان بمعابر حدودية رسمية، أبرزها يقع في مناطق بنجوين وبشدر شرقي مدينة السليمانية، وبلدة سوران شرقي مدينة أربيل، لكنّ عمليات التهريب تجري من خلال سلاسل الجبال الشاهقة التي تفصل البلدين عن بعضهما بعضاً عبر ممرات جبلية يتنقل فيها المهربون الذين يعرفون باسم “العتالين” وفي اللغة الكردية باسم “قجغجية” أي المهربين. تبدأ عملية التهريب في ما يعرف بالمخازن الخلفية حيث يتفق التجار في كلا البلدين على نوع البضاعة المراد تمريرها من هذا الجانب إلى ذاك وكميتها وسعرها قبل أن يجري تكليف مجموعة المهربين بالمهمة، وعادة ما يكون ذلك عبر رئيس الفريق أو مسؤول المجموعة، فلكلّ مجموعة مهربين رئيس يشرف على العمل ويتفاوض مع التجار، وهناك آخرون يشتغلون لحسابهم الشخصي، فيشترون مواد وينقلونها ويبيعونها بسعر مضاعف في الجانب الآخر من الحدود. المشروبات الكحولية والقماش والسجائر واللحم كلّها تنقل من العراق إلى إيران، وفي المقابل، تردّ إيران إلى العراق الحشيش والمخدرات والأدوية والمكسرات والتين والفواكه المجففة، ومواد مختلفة كالمشغولات اليدوية التي تصنعها النساء في الجانب الإيراني. بينما يقمع الأمن الإيراني “القجغجية” بقسوة، وعادة ما يعلن عن مقتل أحدهم بين الجبال، فإنّ أهل مهنة التهريب هذه يقولون إنّهم ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، أما من يقمعهم فهم المؤمنون باتفاقية “سايكس – بيكو” التي يلعنها الجميع ويقدسها في الوقت نفسه عبر الدفاع عن الحدود، على حد وصف كاك سردار سعيد، الذي تقاعد أخيراً من المهنة، وأورثها مع خبرة طويلة لابنه، فهو لم يعد قادراً على تسلق الجبال كما كان يفعل. يضيف: “عملنا هذا شرعي، لكنّهم يسمونه تهريباً، ونحن الذين لا نعترف بحدودهم، نعتبره تجارة ولا يخالف الدين الإسلامي ولا يؤذي أحداً، فنحن لا نهرّب المخدرات ولا الخمور إنّما المواد الغذائية فقط”. في الفترة الأخيرة، كشفت منظمة “هنكاو” المدافعة عن حقوق الإنسان في إقليم كردستان العراق، أنّ “الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 2019 شهدت مقتل وإصابة 130 عاملاً كردياً في التهريب على حدود كردستان، لافتة الى أنّ 70 في المائة من هؤلاء الضحايا أصابتهم عيارات نارية مباشرة أطلقتها القوات الإيرانية”. وقالت المنظمة، في بيان نقلته وسائل إعلام محلية كردية عراقية، إنّ 39 شخصاً من هؤلاء لقوا حتفهم، وأصيب 91 آخرون بجروح مختلفة، وإنّ أغلب العتالين قتلوا وجرحوا في حدود في محافظة آروميه، ومن بين القتلى ثلاثة مراهقين أعمارهم تقل عن 18 عاماً. بالرغم من ذلك، ما زال التهريب متواصلاً فلا بديل عنه وفقاً لأحد المهربين الذي يؤكد أنّ التهريب يسهم في ضبط الأسعار وإغناء الفقراء. بدوره، يقول شيركو غريب، الذي يعمل في هذه المهنة انطلاقاً من كردستان العراق،، إنّ “رحلة التحميل ونقل البضائع ليست سهلة كما يعتقد البعض، بل إنّ أعداداً ليست قليلة من أقاربنا وأصدقائنا فقدوا، بانفجار العبوات الناسفة أو المخلفات الحربية التي تعود للحرب العراقية – الإيرانية (1980- 1988)، أو في شراك أمن الحدود الإيراني”. يوضح أنّ “الرحلة تبدأ من تحميل المواد التي يراد إيصالها إلى الجانب الإيراني، إذ يسبق ذلك اتفاق مسبق بين تجار في الجانب العراقي وفي الطرف الآخر في إيران، وبعد الاتفاق على المواد نقوم بتحميلها على البغال أو حتى على ظهورنا، ونسلك شبكة طرقات وعرة تصل مسافتها إلى نحو 20 كيلومتراً وتمرّ في سلاسل الجبال بين البلدين”. يتابع: “هذه المسارات سهلة في الشطر العراقي، لكنّ الخطورة تبدأ بانتقالنا إلى داخل إيران، فهناك مخبرون أكراد يبلغون عنا الأمن الإيراني، ينتشرون في سلاسل جبال قنديل وهورمان وزاغروس وهلكورد وقره داغ وسورداش، أبرز الجبال العراقية – الإيرانية المشتركة. وتعتبر المناطق الإيرانية مناطق القتل والخطر الحقيقي، أما بالنسبة للجزء المتعلق بالعراق داخل إقليم كردستان فإنّ أقصى عقوبة هي الاعتقال لعدة أيام والخروج بكفالة ما لم تكن حمولة المهرب مخدرات”. يؤكد أنّ “عملية نقل البضائع في الغالب تكون في المساء، وفي المساء أيضاً يجري التسليم والتسلم، ودفع الكلفة”. المخاطر تكمن في العبوات وكذلك نيران القوات الإيرانية بالإضافة إلى المتفجرات التي زرعت على الطريق والشريط الحدودي خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية، وهذا العام قتل ما لا يقل عن 10 حمالين من أكراد العراق أثناء قيامهم بمهمة نقل البضائع”. يضيف أنّ “القوات الإيرانية تطلق نيران أسلحتها على من ترصده في أيّ وقت، وكذلك تشدد القوات الأمنية في السليمانية على منع الانتقال في هذه الطرقات، لكنّنا نستغل ظلام الليل والطرقات الوعرة للانتقال فيها”. من جهته، يقول الضابط في مديرية الحدود العراقية بالسليمانية، العقيد سامان توفيق، “نجحنا في اعتقال 50 مهرباً عراقياً وإيرانياً خلال العام الحالي، وقدمناهم إلى القضاء، ومن يُعتقل يطبق عليه القانون العراقي وتصادر البضائع”. يتابع: “ننصب كمائن لهم على الشريط الحدودي، وهناك زيادة بنقل المخدرات من إيران في اتجاه الإقليم”.

المصدر / كلكامش نيوز

اترك تعليقاً