الرئيسية / مقالات / فشل الخيار المدني بالعراق / جزء 3 : مقتدى الصدر والدولة المدنية

فشل الخيار المدني بالعراق / جزء 3 : مقتدى الصدر والدولة المدنية

السيمر / فيينا / الثلاثاء 20 . 07 . 2021 

منذ ولادتها وهذه الدولة المدنية تترنح أمام قوة السلطة الدينية – بإختلاف مصادرها.

 بُعيد تلك الولادة برزت ثلاثةُ أطرافٍ دينيةٍ أظهرت من خلالِ سلوكِها أنها لن ترضخ لسلطة الدولة الجديدة بل ستحتفظ لنفسها بموقعٍ أعلى منها :
١— المرجعيات الدينية السنية – التي تمردت على التغيير ولم تستوعب فكرة إزاحة السنة عن رأس الحكم بالعراق وأحزنها إنقلاب القوى الغربية على سنة العراق ، لذا لجأت فورا للخيار العنفي مستعينة ببقايا النظام المقبور ، والدعم المالي والإعلامي والإستخباري العربي – المعادي للعراق الجديد . لكنها فشلت فشلا ذريعا في فرض إحترامها وخسرت خيارها العنفي وإنهارت سلطتها تبعا لذلك.

٢— المرجعيات الشيعية – والتي بقيت محافظة على إستقلاليتها عبر قرون ..
.. فقد إختارت النهجَ العقلاني في التعامل مع التحولات الكبرى الحاصلة بعد ٢٠٠٣
– لاحقاً أدركت أن الجميع أضحَوا محتاجين إليها :
أ- فالاحزاب الشيعية المتنافسة تحتاج أبوتَها كي تجمعَ شتاتها وتمنح الإسلاميّين غطاءا شرعيا للحركة.
ب- والتحالف الغربي يحتاج عقلانيتها لمنع (تمرد) الشيعة ، وللحيلولة دون نشوءِ مقاومة شيعيةٍ ضدّه.
ج- والسنة يحتاجون ورعَها كي تمنعَ الإنتقامَ الشيعي ضد مجرمي النظام المقبور – بعد عقودٍ من القهر العنصري ومن سفك الدماء وحرمان الأغلبية من حقوقها المدنية والسياسية.
 وهكذا – فجأة وبلا مقدمات : وجدت نفسها أقوى من الجميع، وأنها قادرةٌ على ممارسة ولايةٍ شرعيةٍ بلا تقيةٍ ، مما يمنحها قدرةً إنتقائيةً على التدخل في الشأن العام ، دون أن تلزمها الدولة المدنية بأيةِ قيودٍ .
– عملياً : خضعت الدولة المدنية لهيبةِ المرجعية الدينية.

٣— مقتدى الصدر – وتياره الذي تحركه دوافع المظلومية والطبقية والحرمان .

 كان النهج الثابت لتيار مقتدى الصدر هو مخالفة الإجماع الشيعي.
– وقد دربت قيادته أتباعَها (وجلّهم من البسطاء والمحرومين) على الطاعة العمياء.
وقد أشعرتهم بقوتهم عبر تحريكهم فوضويا واللجوء إلى العنف ضد الدولة، والغلظة في معاملة الخصوم والمناوئين.
– كان الصدر يتعامل مع أتباعه ككتلة بشرية طيّعة – طالما وصفها بالجهل – ممتلئاً بشعور العظمة وهو يرى محبّي والدِه الشهيد يستجيبون لنداءاتِه بمئاتِ الألوف عند كل صيحةٍ منه.
– كانت العاطفة الدينية محركاً أساسيا لهذه الجموع الكبيرة، وقد احسن الصدر توظيفها.
– وقد استغل خوفَ الآخرين من لجوءِه للعنف فاستقوى على الدولة مهددا إياها بتحريك الفوضى كل حين.
– في البداية انتفض على استبعاد الأمريكان له فأراد أن يثبت للجميع أنه قادر على فرض وجوده بالقوة ، فاشتعلت معركة النجف الأشرف ٢٠٠٤.
– بعدها أدرك أن السلطة تتطلب إقتحام العملية السياسية وقضمها شيئا فشيئا.
.. وهذا ما حصل فعلاً – فكان يتقدم بعد كل انتخابات مضيفا لتياره مناصبَ جديدةً ومقاعد إضافيةً في البرلمان، ووزاراتٍ وتعييناتٍ وعقوداً ضخمة واستثماراتٍ لا حدّ لها.
– كطالب علم محدود القدرات، لم يكن للرجل أي أمل بتحقيق طموحه في ساحة العلوم الدينية، لذا إندفع في ساحة السياسة والإقتصاد ، مستعيناً بالقوة العسكرية التي بقيت منعزلةً عن الدولة في ولاءها.
 طموحه للسلطة ومنهجيته (كرجل دين) في السعي إليها كان يتعارض بقوة مع مبادئ الدولة المدنية.

 بخلاف العديد من التنظيمات المسلحة بالعراق، والتي كان بعضها معارضا للنظام السابق، واخرى نشأت بعد السقوط إنطلاقا من مبدأ مقاومة الإحتلال.
.. حيث ألقى بعضها السلاح مندمجا بالعملية السياسية، كما إندمجت أجنحتها العسكرية ضمن أجهزة الدولة – خصوصاً بعد نشوء مؤسسة الحشد الشعبي.
.. فإن الأجنحة العسكرية للتيار الصدري بقيت خارج سلطة الدولة رغم إندماج التيار في العملية السياسية ووصوله لأعلى المناصب.
 وهكذا بقي التيار متقاطعا مع الدولة المدنية في مفصلين أساسيَين:
١) توظيفه العلني للسلطة الدينية في العمل السياسي واحتفاظ زعيمه بسلطة أعلى من الدستور والدولة.
٢) بقاء أجنحته العسكرية خارج سلطة الدولة وجاهزةً للنزول إلى الشارع لفرض رؤية قيادتها.
١٩ -٧ -٢٠٢١
المعمار
كتابات في الشأن العراقي – الشيعي

اترك تعليقاً