الرئيسية / مقالات / الاستراتيجية الوطنية للتعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة

الاستراتيجية الوطنية للتعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة

السيمر / فيينا / الخميس 05 . 08 . 2021 

د. ماجد احمد الزاملي

أن تطور التكنولوجيا خاصة في مجال الاتصالات الى جانب الانفتاح الاقتصادي للدول سمح ب “عولمة” الجريمة التي أصبحت تعبر الأوطان وتستفيد من المعلوماتية في “النتظيم والتنفيذ، وعدم إمكانية أي احد التصدي لهذه الجرائم بصفة مفردة لذلك يجب تظافر الجهود بين المصالح المختصة وبين كل الدول. وهذا التقدم التكنولوجي الكبير – وبخاصة فى مجال الاتصالات و المواصلات بين كافة أرجاء المعمورة – إلى تطور الجريمة بوجه عام وظهور أنماط جديدة منها على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية ، فزادت معاناة العالم من الجريمة المنظمة والإرهاب ، والمخدرات ، وأنشطة غسيل الأموال ، وتزييف العملة ، والجرائم البيئية والصناعية والمعلوماتية ، وسرقة الأعمال الفنية والتحف الأثرية ، وزادت خطورة بعض هذه الأنشطة الإجرامية إلى درجة فاقت قدرات جميع الدول قاطبةً على المواجهة ، بما فى ذلك الدول الكبرى. لم يكن بالامكان الاستمرار في ملاحظة ومراقبة تدفق المعلومات في مختلف مجالات الفكر البشري ولا سيما على الصعيد الدولي من دون ايجاد الوسائل المنظمة لكيفية التعامل مع تلك المعلومات من الناحية القانونية وتشريع قوانين وعقد اتفاقيات تساعد للوصول الى تفاهم على حد أدنى للمطلوب حؤولا” دون حصول تعديات على اجهزة الاستعلام والوسائط الناقلة له سيما القريبة منها لاصدار تشريعات مدنية او جزائية وتأسيس هيئات ومجالس وطنية وتأليف لجان حكومية وغير حكومية متخصصة في وضع قوانين حول تبادل المعلومات والخبرات الامنية والقضائية. ويجب العمل على تحديث المؤسسات القضائية والأمنية في جميع دول العالم وتطويرها وتأهيل إطرها من اجل نجاعة أكثر في مواجهة الجريمة التي تزداد تعقيدا بالشكل الذي يجعل من الصعب كشفها كالجرائم المصرفية وتبييض الأموال التي تتطلب دراية خاصة بالأنظمة المصرفية وقواعد التجارة الدولية، والتعاون بين المكتب المركزي الوطني للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الانتربول” والمصالح القضائية أن لهذه المنظمة دور “فعال” في مجال محاربة الجريمة المنظمة . وهنالك أهمية كبيرة للتعاون بين الدول في مجال إنفاذ القانون في التصدي لظاهرة الاجرام المنظم، فهذا التعاون يُشكل حرب استباقية تشنها الدول ضد الجماعات الاجرامية المنظمة من شأنه أن يقي المجتمعات من شرور هذه الجماعات، وذلك بالحيلولة دون وقوع الأنشطة الاجرامية المزمع ارتكابها. لم يعد للأمن الوطني مفهوماً ذاتياً، بأن يقتصر على ما تقوم به كل دولة بالاعتماد على قوتها وقدرتها الذاتية على التصدي للمخاطر التي تهدد مجتمعها، وتحقيق اكتفاء ذاتي في ذلك، إذ أن هذا المفهوم أصبحت له أبعادا خاصة، في الوقت الراهن، جعلت منه مفهوما جماعيا، الذي يقتضي التزام الدول فيما بينها في تحقيق الأمن الداخلي لدولة معينة، وذلك لارتباط أمن باقي الدول بأمن هذه الدولة، فوقوع انقلاب أمني في دولة معينة لا محالة سيؤثر على أمن باقي الدول. ونظرا لأهمية تبادل الخبرات في تفعيل دور الجهات المكلفة بمكافحة الاجرام ، نصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على ضرورة أن تساعد الدول الاطراف بعضها البعض على تقاسم الخبرة في هذا المجال، وذلك بإعداد وتخطيط وتنفيذ برامج بحث وتدريب، مع إمكانية الاستعانة بالمؤتمرات والحلقات الدراسية الإقليمية، من أجل تحفيز النقاش حول المشاكل التي تعتبر شاغلا مشتركا، بما في ذلك مشاكل دول العبور واحتياجاتها الخاصة).
حتى عندما يكون بمقدور الدولة المعنيـة أن تـوفر المساعدة بدون وجود معاهدة، من شأن الاعتماد على أحكام متَّفق عليها مـن صـك ثنـائي أو متعدد الأطراف أن يساعد في التقريب بـين التقاليـد والثقافـات القانونيـة المتباينـة والاختلافـات في القانون الإجرائي على الصعيد الوطني. ثُـمَّ إنَّ وجـود حقـوق والتزامـات قانونيـة في الصـك الثنائي أو المتعـدد الأطـراف يـوفِّر إطـاراً واضـحاً يحكـم الطريقـة الـتي ينبغـي بـها للدولـة ا لمتلقِّيـة للطلبات أن تستجيب لها. يمكن لأحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف مثـل اتفاقيـة سـنة ١٩٨٨ واتفاقيـة الجريمـة المنظمة واتفاقية مكافحة الفسـاد أن تـؤدي دوراً أساسـيا في موائمـة الالتزامـات وسـدِّ الثغـرات القانونية في مجال التعاون الدولي في المسـائل الجنائيـة. فتلـك الصـكوك، إذ تركِّـز علـى الطرق الأساسية لهذا التعاون على وجه التحديد، تشكل في حدِّ ذاتها أساساً لتسليم المطلوبين وتبـادل المساعدة القانونية، إضـافة إلى الالتزامـات الناشـئة عـن الاتفاقـات الثنائيـة أو المتعـددة الأطـراف الأخرى المتعلقـة بالتعـاون الـدولي في المسـائل الجنائيـة الـتي أبرمتـها الـدول الأطـراف. ومـن ثم، توفِّر الاتفاقيات طريقة لسـدِّ الثغـرات القانونيـة المحتملـة، في حـال عـدم وجـود اتفـاق ثنـائي أو متعدد الأطراف بين الدول الساعية إلى التعاون، وكذلك وسيلة لزيادة تقارب هذه الاتفاقـات الثنائية والمتعددة الأطراف.
ويُشَكل اختلاف النظم التشريعية للدول التي تطمح إلى تحقيق التعاون فيما بينها في مجال مجابهة الجرائم الإرهابية السيبرانية، عقبةً كبيرةً تحول في معظم الحالات دون تحقيق غايات وأهداف الدول خاصة عندما لا تواكب بعض الدول التطورات الهائلة الحاصلة في نوعية هذه الجرائم المعقدة، بإصدارها التشريعات المتطورة التي تلاحق الثورة الكبيرة في مجال استخدام الحاسوب وشبكات المعلومات العالمية في ارتكاب جرائم الإرهاب السيبراني على وجه الخصوص. أيضا كثيراً ما يُعيق التعاون القضائي بين الدول لمجابهة الجريمة السيبرانية مثلاً ، اختلاف البيئات والعادات والتقاليد والديانات والثقافات من مجتمع لأخر، وبالتالي اختلاف السياسات والنظم التشريعية من مجتمع لأخر، فضلا عن اختلاف الدول في تحديد المصطلحات وتكييفها للجريمة السيبرانية، وكل ما سبق ينعكس سلبا على إجراءات التعاون الدولي، ويُعيق من تأطير أليات التعاون القضائي المختلفة لمكافحة هذه الجريمة الخطيرة، وهنا يفلت الجناة بجرائمهم من العقاب، وتُهدر حقوق ضحايا الجرائم المعلوماتية في أن يحصلوا علي الإنصاف والجبر المستحقين. إن التطور الهائل في استغلال الإرهابين لوسائل التقنية الحديثة ومنها بالطبع شبكات المعلومات العالمية، ما فَتِيء يُشكل تحديات عويصة جداً لجهات وهيئات الإنفاذ القانون في الأساس؛ فأصبح عنصر “الدولية ” مضافاً أو مرادفا لمعظم الجرائم وهذا يعني أن الأليات البطيئة للتعاون الدولي في شأن ملاحقة الجرائم المعلوماتية والإرهابية من شأنها أن تُخرج التحقيقات عن مسارها، أو يُعيقها في حالات أخرى؛ لذلك يجب على الدول أن تتفاوض فيما بينها من أجل إبرام اتفاقيات دولية علي المستوي الثنائي أو المتعدد الأطراف بغرض إرساء إطاراً تنظيمياً حاكماً لمكافحة كل أشكال الجرائم المستحدثة، وخاصة منها الجرائم المعلوماتية العابرة للحدود، ثم تستهدي وتستقي منها التشريعات الوطنية الجديدة أو تُنَقح تشريعاتها الموجودة بالفعل على هدى من هذه الإتفاقيات الدولية التي تم إبرامها. وعلى الدول القيام ببعض التضحيات الطفيفة على صعيد السيادة الوطنيـة بغية المساعدة على تعزيز وتطوير التعاون بين أجهزة إنفاذ القوانين على المستويين الإقليمي والدولي لا سيما في مجال تسليم المجرمين وتبادل المعلومات، خاصـة وان المنظمات الإجرامية تسعى بشكل منتظم الى تقويض السيادة الوطنية. وينبغي أن تراعي تدابير المكافحة الاستراتيجيات التي تتبعها المنظمات الإجرامية للسيطرة على المخاطر، وفي هذا الصدد هناك هدفان لهمـا أولويـة، الاول هو القضاء على الملاذات الآمنة للمنظمات الإجرامية من خلال تعزيز سيادة الدولة وسيادة القانون، والثاني هو باستهداف موجودات المنظمات الإجراميـة سواء أكانت أموالا” منقولة او غير منقولـة مـن خـلال كشفهـا ومصادرتهـا بغية القضاء على مصادر تمويلها ومنعها من تحقيق غاياتها بجني الأرباح الطائلة بطرق غير مشروعة لعدم إمكانية غسل هذه الأموال. وتبعا” للتطور الكبير في مكافحة الجريمة نظمت اتفاقيات دولية لتبادل المعلومات الامنية ضمن التعاون الدولي منها:
– اتفاقية قمع الاعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية المعقودة في روما بتاريخ 10/3/1988 والتي انضم اليها لبنان. وكذلك فيما يتعلق بالقرصنية البرية عمليات نقل النفايات الخطرة والتخلص منها.
– اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ( فيينا 2003) والتي ركزت على وجود سياسة حكومية وهيئات متخصصة لمكافحة الفساد وتفعيل دور القضاء وحماية الشهود وضرورة التعاون الدولي في جمع المعلومات والتحقيقات وتسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة والمساعدة التقنية والتدريب، وكان لبنان مشاركا” في هذه الاتفاقية.
– اتفاقية اليونسكو عام 1952 حول حماية الميراث الثقافي والطبيعي التي تحظر نقل الآثار من موطنها الاصلي او تداولها خارج اوطانها بحيث يتوجب على الدول من اجل تفعيل عملية مكافحة سرقة وتهريب الآثار بتشديد العقوبات وتبادل المعلومات والخبرات والدراسات والتدريب وانشاء وحدة امنية متخصصة لمكافحة سرقة وتهريب الآثار.
– اتفاقية منع تزييف العملة التي وقعّت في جنيف عام 1929 انضم اليها لبنان عام 1966 كما اشارت الاتفاقيات الدولية والتعاون الدولي الى العديد من الاتفاقيات لمكافحة الجريمة المنظمة، بكل انواعها والتي عملت ضمن المنظمات الحكومية وغير الحكومية على تبادل المعلومات الامنية للحد من خطر اتساع افق الجريمة المنظمة وبرز اهتمام الامم المتحدة في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بشكل خاص من خلال مؤتمرات الامم المتحدة لمنع الجريمة ومقرها فيينا، الى ان عقد المؤتمر الوزاري العالمي عام 1994 حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية بمدينة نابولي حيث وافق ممثلو 142 دولة على اسس التعاون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الى ان اصبحت هذه الاتفاقية نافذة عام 2000.
والعقبات التي تواجه مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية متعددة انطلاقا” من مبدأ السيادة واختلاف النظم التشريعية بين الدول وتقارب مصالحهـا الاقتصاديـة والسياسيـة، بحيث يستلزم هذا الامر توسيع نطاق التعاون الدولي وتعزيزه بخاصة في مجال اجهزة العدالة الجزائية مع مراعاة القوانين الموضوعية والاجرائية والاعتراف بالاحكام الاجنبية وتنفيذها، وتقديم الخبرة والمعرفة للقائمين بهذه المهات والارتقاء بمستواهم المهني للتقليـل مـن الفـرص التي تسمح للجريمة المنظمة بالانتشار والتضخم.وقد فرضت الجريمة المنظمة عبر الوطنية على الدول الدخول في علاقات تعاونية، كانت أبرز صورها التعاون القضائي الدولي، الذي يتطلب إعماله تجاوز العثرات الحائلة دون تحقيق المكافحة الأهداف المرجوة منها؛ ومن أمثلة تلك العثرات تباين الأنظمة واختلاف التشريعات والتمسك بالسيادة المطلقة. ولتحقيق ذلك ينبغي دعم أساليب التعاون على مختلف الأصعدة وفي جميع مراحل الدعوى الجنائية، لتحقيق أقصى حد من التقارب بين أجهزة انفاذ القانون وتوفير وحدة الأساليب والممارسات المبنية على وحدة القواعد والأنظمة الإجرائية والقانونية. ودور النيابة العامة في ملاحقة الجناة مرتكبي الجرائم المنظمة عبر الوطنية وإجراءات الحماية التي تقدمها كافة جهات الدولة للمجني عليهم والشهود. أن التشريعات الجنائية المقارنة اتخذت المعايير الدولية كحد أدنى في مجال التجريم والحماية والتعاون الدولي يحدها في ذلك سيادة الدول واحترام حقوق الإنسان، وإتساق التشريعات الوطنية مع تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين الإضافيين المكملين لها الخاصين بمكافحة الإتجار بالبشر؛ وخاصة النساء والأطفال ومكافحة تهريب المهاجرين برًا وبحرًا وجوًا. إن التطور تحت مظلة القانون الجنائي الدولي تسفر عن اعتماد المعاهدات والمواثيق الأممية التي من شأنها مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها وتيسير القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة أمام المراجع القضائية المختصة، مثلما أصبحت تلك المعاهدات والاتفاقيات من أهم أدوات ومقومات العلاقات الدولية لمواجهة ما هو سائد من أن الحدود الدولية تعترض القضاة دون الجناة. أن تسليم المجرمين يُعد من أبرز أشكال المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجزائية لكونه يتعلق بالأشخاص المطلوب تسليمهم لتوجيه الاتهام إليهم أو محاكمتهم، وأغلب الاتفاقيات الدولية فرضت على الدول إلزام المساعدة المتبادلة في المسائل الجزائية عامة، وفي مجال تسليم المجرمين خاصة، مما حدا بأغلب الدول إلى إبرام اتفاقيات ثنائية لترسيخ آليات التعاون القضائي الدولي.

اترك تعليقاً