الرئيسية / مقالات / تحريم قتل الأولاد وإسقاط الأجنة ( الإجهاض )

تحريم قتل الأولاد وإسقاط الأجنة ( الإجهاض )

السيمر / فيينا / الأربعاء 22 . 02 . 2023

د .عادل عامر / مصر

حرصت الشريعة على الحفاظ على النفس التي خلقها الله لمقتضى العبادة أولاً , وعلى ذلك فقد حرمت الشريعة الإجهاض بعد الشهر الرابع وذلك باتفاق الفقهاء لأن ذلك قتل نفس بغير حق أما ما يترتب على ذلك من الأحكام الدنيوية فاتفق جميع الفقهاء على وجوب الغره .

ولقد كانت الشريعة سبّاقة بتحريم قتل الأولاد حيث نص القرآن على تحريم قتل الفتيات كما كان منتشراً بالجاهلية فأبطلوا هذا الفعل } وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت { سورة التكوير_آية8/9  , وحرمت قتل الأولاد خشية الفقر} وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا{ سورة الإسراء_آية31 , فالشريعة حرمت القتل خوفاً من الفقر فكيف بتعذيب الأولاد الذي يصل إلى القتل ؟

ويشابه حكم الشريعة ما ورد في قانون العقوبات المصري في مادة 262 على إجهاض الحامل نفسها بقولها :

” المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رحبت باستعمال الوسائل سالفة الذكر أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة  تعاقب بالعقوبة سالفة الذكر “

وهذه العقوبة الحبس من حديه العامين 

ومسؤولية الزوج عن إسقاط الجنين نتيجة العنف والضرب لا تتقرر في القانون الجنائي إلا في حالة العمد أو القصد الاحتمالي , بينما تتقرر المسؤولية في الشريعة سواء في حالة العمد أو شبه العمد أو الخطأ .

فالشريعة والقانون اتفقوا على تحريم هذا الفعل أياً كانت دوافعه , وهناك تطبيقات قضائية كثيرة في المملكة بدأت تنشر بهدف الردع وصل أحدها لحد القتل تعزيراً لأحد الآباء الذي عذب طفلته حتى الموت .

“اتفق الأطباء على أن العلقة هي المرحلة التي تعلق فيها النطفة الأمشاج (التوتة) بجدار الرحم، وتنشب فيه”(59). فيكون على هذا تسميتها علقة لكونها عالقة بجدار الرحم، وهذا التفسير له وجه في اللغة، جاء في تاج العروس:

العلوق: ما يعلق بالإنسان.

العَلَق: كل ما عُلِّق.

وأيضاً الطين الذي يعلق باليد.

والعلق: دويبة: وهي دويدة حمراء تكون في الماء تعلق في البدن.

فقوله: تعلق في البدن إشارة إلى المناسبة من تسميتها علقة.

وعلقت الدابة: شربت الماء فعلقت بها العلقة. كما في الصحاح: أي لزمتها، وقيل: تعلقت بها.

وعُلِقَ: نشب العلق في حلقه عند الشراب.

العلائق من الصيد: ما علق الحبل برجلها(60).

يقول الدكتور محمد البار: فلفظ العلقة يطلق على كل ما ينشب ويعلق.. وكذلك تفعل العلقة إذ تنشب في جدار الرحم، وتنغرز فيه.. وتكون العلقة محاطة بالدم من كل جهاتها، وإذا عرفنا أن حجم العلقة عند انغرازها لا يزيد على مليمتر أدركنا على الفور لماذا أصر المفسرون القدامى على أن العلقة هي الدم الغليظ… فالعلقة لا تكاد ترى بالعين المجردة، وهي مع ذلك محاطة بالدم من كل جهاتها، فتفسير العلقة بالدم الغليظ ناتج عن الملاحظة بالعين المجردة(61)، ولم يبعد بذلك المفسرون القدامى عن الحقيقة كثيراً، فالعالقة بجدار الرحم، والتي لا تكاد ترى بالعين المجردة محاطة بدم غليظ يراه كل ذي عينين.

وينتهي الدكتور إلى أن العلقة تنشب في الرحم وتعلق فيه في اليوم السابع من التلقيح بعد أن تكون انقسمت الخلايا فيها، وصارت مثل الكرة تماماً أو مثل تمرة التوتة، وقد فصلت القول فيها فيما سبق(62).

الطور الرابع: المضغة.

اختلفوا في معنى المضغة:

فقيل: هي القطعة الصغيرة من اللحم، على قدر ما يمضغه الآكل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله. الحديث(63).

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) (الحج: من الآية5).

قال ابن كثير: “إذا استقرت النطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يوماً كذلك، يضاف إليها ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله، فتمكث كذلك أربعين يوماً، ثم تستحيل فتصير مضغة قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط، ثم يشرع في التشكيل والتخطيط، فيصور منها رأس، ويدان، وصدر وبطن، وفخذان، ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارة تسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط،

ولهذا قال تعالى: (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) (الحج: من الآية5) أي كما تشاهدونها. (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) (الحج: من الآية5) أي وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة، ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)

 قال: هو السقط مخلوق، وغير مخلوق، فإذا مضى عليها أربعون يوماً وهي مضغة أرسل الله تعالى ملكاً فنفخ فيها الروح، وسواها كما يشاء الله عز وجل من حسن وقبيح، وذكر وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقي أو سعيد كما ثبت في الصحيحين. وذكر حديث ابن مسعود السابق(64).

فنأخذ من هذا ما يلي:

أولاً: أن النطفة حتى تكون مضغة تحتاج إلى ثمانين يوماً.

وثانياً: أن المضغة منها ما هو مخلق أي قد ظهر فيه تخطيط، وتصوير، ومنها ما هو غير مخلق. أي ليس فيه تصوير. فمعنى ذلك أن الأربعين الأولى وهي مرحلة النطفة، والأربعين الثانية، وهي مرحلة العلقة لا تخطيط فيها، إنما التخطيط في مرحلة المضغة، وهي من بعد الثمانين. ولذلك قال سبحانه وتعالى: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً) (المؤمنون: من الآية14)، فجعل خلق العظام وكسوها باللحم يعقب المضغة، وعبر بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، أي ليس هناك تراخ طويل. وهو مقتضى حديث ابن مسعود في الصحيحين، حيث قال: “ثم يكون مضغة مثل ذلك: أربعين يوماً، ثم قال: “ثم ينفخ فيه الروح” وواضح أنه لا ينفخ فيه الروح إلا وقد أصبح بشراً سوياً، كما قال تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) (المؤمنون: من الآية14) إذاً في الأربعين الثالثة هي مرحلة التخليق والتصوير الذي يسبق نفخ الروح. والله أعلم(65).

القول الثاني: في معنى المخلقة:

ذهب بعض العلماء إلى أن قوله: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) هيمن صفة النطفة، قال: ومعنى ذلك: فإنا خلقناكم من تراب، ثم من نطفة مخلقة وغير مخلقة، فقالوا: فأما المخلقة فما كان من خلق سوياً، وأما غير المخلقة فما دفعته الأرحام من النطف، وألقته قبل أن يكون خلقاً.

روى ابن جرير الطبري في تفسيره، قال: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكاً، فقال: يا رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجتها الأرحام دماً، وإن قال: مخلقة، قال: يا رب فما صفة هذه النطفة؟، أذكر أم أنثى؟، ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟، قال: فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، قال: فينطلق الملك، فينسخها، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.

[رجاله كلهم ثقات، ومثله لا يقال بالرأي، إلا أنه مخالف لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود المرفوع](66).

القول الثالث:

ومنها أن المخلقة: هي ما ولد حياً. وغير المخلقة: هي ما كان من سقط: يعني سواء كان مخلقاً أو غير مخلق..

وممن روي عنه هذا القول ابن عباس رضي الله عنهما، وقال صاحب الدر المنثور: أخرجه عنه ابن أبي حاتم، وصححه ونقله عنه القرطبي. وأنشد لذلك قول الشاعر:

أفي غير المخلقة البكاء فأين الحزم ويحك والحياء(67)

القول الرابع: معنى مخلقة: أي تامة، وغير مخلقة غير تامة.

حكاه ابن جرير الطبري بإسناده من طريقين عن قتادة.

قال الشنقيطي في تفسير معنى: تامة وغير تامة، قال والمراد بهذا القول عند قائله أن الله جل وعلا يخلق المضغ متفاوتة، منها ما هو كامل الخلقة سالم من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك. فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم، وطولهم، وقصرهم، وتمامهم ونقصانهم. اهـ فيكون معنى غير مخلقة: ليس السقط، ولكن معناه: أي غير سالم من العيوب: الخَلْقية وغير الخلقية.

وممن روي عنه هذا القول قتادة كما نقله عنه ابن جرير وغيره، وعزاه الرازي لقتادة والضحاك(68).

القول الخامس: في معنى مخلقة وغير مخلقة.

معنى ذلك المضغة مصورة إنساناً، وغير مصورة، فإذا صورت فهي مخلقة، وإذا لم تصور فهي غير مخلقة: وهو السقط. ذكر ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره من ثلاثة طرق، عن مجاهد، وحكاه عن عامر الشعبي، وعن أبي العالية(69).

والفرق بينه وبين القول الأول: يتفقان أن كلا منهما كان سقطاً، إلا أن القول الأول حده بالنطفة إذا سقطت، وهذا لم يقيده، فهذا القول أعم منه. والله أعلم.

ورجح ابن جرير هذا القول، فقال: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: المخلقة: المصورة خلقاً تاماً، وغير المخلقة: السقط قبل تمام خلقه؛ لأن المخلقة من نعت المضغة، والنطفة بعد مصيرها مضغة لم يبق لها حتى تصير خلقاً سوياً إلا التصوير، وذلك هو المراد من قوله: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) (الحج: من الآية5) خلقاً سوياً، وغير مخلقة بأن تلقيه الأم مضغة، ولا تصوير، ولا ينفخ فيها الروح(70).

ورد هذا الشنقيطي رحمه الله، فقال: هذا القول الذي اختاره الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، لا يظهر صوابه، وفي نفس الآية الكريمة قرينة تدل على ذلك، وهي قوله جل وعلا في أول الآية: (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) ولأنه على القول المذكور الذي اختاره الطبري يصير المعنى: ثم خلقناكم من مضغة مخلقة وخلقناكم من مضغة غير مخلقة، وخطاب الناس بأن الله خلق بعضهم من مضغة غير مصورة فيه من التناقض كما ترى فافهم.

الفرع الخامس : دقة الشريعة في معالجة موضوع النشوز والنهي التام عن ضرب الوجه والضرب المبرح فضلاً عن تقبيح النساء :

إذا الزوجة امتنعت عن أداء حق زوجها وقامت بعصيانه وإساءة العشرة معه فهذه المرأة بالمنظور الشرعي تعتبر ناشزا ما لم تقلع عن ذلك . قال تعالى } واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {سورة النساء _آية34 وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } فاضربوهن ضرباً غير مبرح أي غير شديد {

فوجهت الشريعة الرجل حال وقوع النشوز إلى التدرج في العلاج بأساليب مختلفة على حسب حالتها ومستوى نشوزها ولا ينتقل للمرحلة الثانية إلا إذا تعذر إصلاحها بالأولى والترتيب كالتالي :

1_ يعضها ويخوفها من الله وعقابه بسبب معصيتها للزوج .

2_ يهجرها في الفراش .

3_ يضربها ضرباً خفيفاً فلا يكسر لها عظماً ولا يسم لها بدناً ويتجنب الوجه .

فالشريعة لم تقر الضرب أبدا وإن كان ولا بد منه فيجب أن يكون غير مبرح أي غير شديد فهنا نرى أن الشريعة  ضوابط صارمة لاستعمال هذا الحق وأنه لا يجب استعماله إلا بعد التدرج في نصح المرأة ثم هجرها فلا نلجأ للضرب كأول الحلول وأيضاً نرى أن الضرب لم يبح إلا للنشوز أما غير النشوز فلا يجوز الضرب له هذا فضلا عن أن الشريعة حرمت تقبيح النساء ووصفهن بصفات سيئة .

ويتفق في هذا القانون الجنائي مع الشريعة حيث يقررون مسؤولية الزوج عن تجاوز حدود ضرب التأديب ووصوله إلى حد العنف , حماية للزوجة من إلحاق الأذى بها عن طريق التأديب .

النهي عن الدعاء على الأولاد وعن ضربهم :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لا تدعوا على أولادكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم “

من هذا المنطلق نرى أن الشريعة الإسلامية أولت أهمية كبيرة للأسرة , حتى أنها اهتمت بما يصدر عن الولد لوالده والولد لوالده حيث يمكن بناء على ذلك أن تتفكك الأسرة نتيجة هذه الضغوط النفسية .

فنهى الشارع عن الدعاء على الأولاد فضلا عن نهيه عن ضربهم إلا في حالة واحدة وهو الضرب لأهم ركن من أركان الإسلام وعمود الدين الصلاة ويكون ذلك بعد بلوغ سن العاشرة أما قبل هذا العمر فلا يجوز الضرب . فنرى هنا دقة الشريعة ونستنتج من ذلك رغبتها في الحفاظ على ترابط الأسرة والحفاظ على صحتها النفسية غير مشوبة بأي خوف أو عنف .

ويتفق القانون الجنائي مع الشريعة في ذلك , حيث تقرر مسؤولية الوالدين عن النتائج المترتبة على تجاوز حدود تأديب الصغار , ووصوله إلى العنف المتمثل في الإيذاء والجرح والقتل عند تجرد الوالدين من المشاعر الحانية .

اترك تعليقاً