السيمر / فيينا / الجمعة 26 . 01 . 2024
سندس النجار
ــ هل يحب القادة شعوبهم ؟ وهل لديهم القدرة على الحب ؟
ــ هل يرتقي الانسان في الحب ، كما ارتقى في كل شئ ؟
ــ هل ان الحضارة بحاجة الى ناس يتحابون اكثر مما يتناسلون ؟
ــ هل يعرف الحكام واصحاب السلطة وذوي الامتياز، الحب ؟
الحياة الحب ~ والحب الحياة ، هذه العبارة قالها امير الشعراء على لسان اخر الفراعنة ، هل كانت الحياة كلها حبا عند تلك الملكة التي صورها المؤرخ القديم ( بلوتارك ) على انها في قمة المقدرة على استخدامه كسلاح للاغراء .!
وراح شكسبير مصورا لها من كتاب ( حياوات ) وجعلها تخدع انطونيو بوصفها له على انه ( اعظم جندي في العالم ) مع انه لم يكن بالتاكيد هكذا .وقال عنها” أينوباربوس” في مسرحيته : ” لا ينال الاعتياد من قدرتها التي ليس لها حد على التنوع ” ..
اما ” برناردشو ” فصورها على انها فتاة بلهاء عندما اعتلت عرش مصر وهي في سن السابعة عشرة ، وبقيت على هذا الحال حتى لقيت مصيرها المأساوي بعد عشرين عاما حيث كان ” الاغواء “سلاحها مع انها لم تمتلك الجمال بذلك المقياس . والتساؤل يبقى ـ هل كانت هذه الملكة الاغريقية قادرة على الحب ؟
الجدير بالقول ، ان العالم النفساني الشهير ” ايــريك فــروم ” ، راى ، ان الحب ليس فقط الارتباط بالحبيب ، وعرفه في كتابه ( فــن المحبــة ) ، بان الحب سلوك انساني سامي ، وليس بالضرورة ان يحدد بشخص ما ، بل انه توجه يدل على علاقة الفرد بالعالم ككل ، وان احب الفرد شخصا بمفرده واستبعد العالم فهذا لم يكن حبا ً ، بل انه تضخيم للذات والأنــا . وراح مسترسلا في تعريف الحب ، على انه ” الحس بالمسؤولية والاحترام اتجاه كل كائن ، اي انه الحب الاخوي الذي يتبادله الاكفّاء . والأكفاء ايضا ليسوا متساوون . فلكوننا كائنات آدمية فنحن بحاجة الى العون ، والحب يُوَجَه الى مَنْ يحتاجه . والحب الحقيقي هو الذي ياتي خالصا من حاجة الفرد اليه ..
ويعلق ” فــروم ” على سلفه ( فرويد ) : ان اعتراضي عليه ليس من مبالغة في واقعية الجنس ، وانما لم يستطع ان يستوعبه ويفهمه !
ولو فُسّرَت مفاهيم فرويد بحيث لا تنحصر ضمن وظائف الاعضاء ، وانما امتدت الى دائرة الوجود والحياة
” فهل يمكن للقادة بتلك المفاهيم ان يحبوا شعوبهم ” ؟ ضمن نظرية ” فرويد ” في التعويض التي تقول ان الحرمان هو ما دفع ” حمورابي وبختنصّر وهانيبال ” الى نشر الدمار والعنف ، وفي مسرحية الطريق الى روما للكاتب ا الامريكي ( روبرت شيروت ) يصور فيها ان هانيبال سحب جيشه من اوروبا بعد ليلة قضاها مع زوجة القائد الروماني ( فابيــوس ) والاثينية التي رأت ” أن(( الحب فعلا خير دواء للحروب )) ..
اذن هل كانت ” كيلوباطرة ” تحب شعبها ؟ ام مجرد ( حب الانا ) ؟
حقيقة لو كانت هذه الملكة قادرة على الحب لما حولت الشعب الى ببغاء ، عقله في أُذُنيه ، ولما جعلته يملأ الدنيا هتافا ً بحياة قاتليه ، ويقلب هزيمة ” اكتيوم الى نكسة “. وقد رأى ( أينوباريوس) فيها السلطة وما صاحبها من ظواهر وبواطن الأبّهة والبذخ ، اي امتيازات السلطة او الوظيفة تجعل الحكام والقادة واصحاب الأمتياز ان يفقدون القدرة على الحب مما يحتم ان يقع لهم ما جرى لثلاثة رؤساء امريكيين في قرن وربع وامتدت عصا الـتأديب الى دول الفلبين واندونيسيا . فلو تعلم الحكام ( فن المحبة ) لانحلت مشاكل الكون كلها من الأيدز حتى سخونة الكوكب ..
ما نود الوصول اليه هو ان الفظاظة عند الحكام هي توأم الجهالة ، والسلطة والتحكم في مقدرة الشعوب ليس ما يفسدهم ً ولكنه يندفع وراء مثلث الغريزة الذي يتكون من ضلع واحد فقط وهو ( الغريزة ) اما ال ( عقل ) فبليد ، وال ( عواطف ) شوهاء ..
كازانوفـــا ، الذي عُرف بملك ملوك الغرام ومضرب المثل في كل زمان ومكان ، وزير النساء في كل انحاء اوروبا طوال القرن الثامن عشر، تقابل مع فتاة لاول مرة فوقع في حبها ، واحس انه يعرفها من زمان ! وعندما قدم الى امها يطلب يدها صاحت به معشوقته القديمة ( جاكومو ! هذه ابنتك ) !
الى هذا الحد يرتبط الحب بالوعي عند بني الانسان حتى عند كبار المحبين ..
اذن لمــاذا نحب ؟
وهل الحب قوة ام ضعف ؟
وهل بامكاننا ان نرتقي بالحب ؟
الحلقة (2) …
عن ــ عمانيات
الفيلسوف والعالم النفساني الالمانـــي ” أيـريــــك فـــروم