فيينا / الأحد 07. 04 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
بينما “يزعج” رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعضاء فريقه لإنشاء مجسرات وطرق تفك الاختناقات المرورية، تجاور مولات تجارية بعضها البعض في المناطق المكتظة، وأبرزها: المنصور والشعب.
مولات المنصور تجاور بعضها
في منطقة المنصور غربي العاصمة بغداد، هناك مولان تجاريان، الأول، مول المنصور الذي أُنشأ بتكلفة وصلت إلى 35 مليون دولار، وافتُتح في عام 2013، أما الثاني، فهو مول “بابيلون” الذي افتُتح في أيلول عام 2017.
وتُقدر المسافة بين المولين بـ 1300 متر، إذ يقع مول المنصور في شارع الرواد، قريباً من مول بابلون الذي يقع في شارع المنصور، ولحظة افتتاح الأخير تساءل المواطنون: “ما الفائدة من افتتاح مول قرب آخر، ما الذي سيتحقق منهما؟”.
تجربة المنصور تُعاد في الشعب
أما منطقة الشعب، فإنها الأخرى شهدت بناء مول “عشتار” على الطريق العام الذي يربط بين العاصمة والمحافظات الشمالية، ويشهد اختناقات مرورية يومية يعاني منها أبناء منطقة الشعب.
وأمام مول “عشتار”، هناك مبنى “الأسواق المركزية” الذي بقيَ “مهجوراً” دون أن يُستثمر على الرغم من توجيه السوداني، بإحياء الأسواق المركزية في العاصمة.
وجوار مبنى الأسواق المركزية بمنطقة الشعب، يجري العمل على إنشاء مول آخر اسمه “سومر” وهو يحاذي حي سومر، لتتكرر تجربة مولي المنصور وبابلون في منطقة الشعب، لكن البنايتين، واحدة تقابل الأخرى.
“امتناع” هيئة الاستثمار
وحاولت منصّة “إيشان” أن تستعلم عن كيفية منح الاستثمارات لإنشاء المولات، إلا أن هيئة الاستثمار “امتنعت” عن التصريح، وكذلك وزارة التخطيط التي قالت إن “الأمر لا يعنيها”.
وبينما “يروّج” مستثمرو المولات بأنها “تحقق منفعة اقتصادية”، تتفق آراء الباحثين في الشأن الاقتصادي على أنها “واجهة لغسيل الأموال، دون أن تحقق أي فائدة”.
لا إحصائية بعدد المولات
ولم تحصل “إيشان” على إحصائية بعدد المولات التجارية في بغداد والعراق، رغم تواصلها مع المختصين، إلا أن الباحث في الشأن الاقتصادي عمر الحلبوسي يقول، إن “المولات تنتشر بكثافة، بإجازات عشوائية خالية من الجدوى الاقتصادية، وأصبحت تزاحم المناطق السكنية وتتسبب في الزحامات المرورية وسط غياب التخطيط السليم من قبل هيئات الاستثمار والتي تمنح إجازات خارج الضوابط ومن دون أن تدرس الفائدة الاقتصادية من المشروع على المدى الطويل, بل تمنح الإجازات لشخصيات وأحزاب لغرض غسيل الأموال فقط”.
وقرب مول المنصور، يصل سعر المتر الواحد إلى 2700 دولار، ما يعادل حوالي أربعة ملايين دينار، ليكون سعر الدار الذي مساحته 100 متر بـ 270 ألف دولار، أي ما يعادل نحو 400 مليون دينار.
“واجهة لغسيل الأموال”
ويوضح الحلبوسي عبر “إيشان”، أن “هيئة الاستثمار في كل محافظة هي المسؤولة عن منح إجازات الاستثمار للشركات والأفراد, وإن وجود المولات بشكل مكثف في بغداد يثبت حقيقة أن المولات التجارية أصبحت واجهات لغسيل الأموال بسبب ضعف قدرات السراق على تهريبها إلى خارج العراق، مما جعلهم يلجؤون إلى غسيل الأموال داخليا عبر وسائل متعددة منها المولات التجارية التي لم تحقق أي نهضة تجارية أو اقتصادية للعراق”.
ويرى، أن “المولات أضحت مشكلة كبيرة ليس كسرقات فقط وإنما مساهمتها في خلق الضعف الاقتصادي من خلال تضخيم الأسعار وكذلك غياب الجدوى الاقتصادية، عبر هذه المشاريع التي تعد وجهات فساد متعددة الأوجه ومضايقات السكان كونها تقام وسط مناطق سكنية وكذلك خلق الازدحامات المرورية، ومنها متقاربة ومرأب كل مول سعته لا تتناسب مع سكان بغداد وسياراتها”.
“فقاعة سعرية”
وتتلّخص أسباب إنشاء مولات متقاربة بـ “خلق فقاعة سعرية تتسبب في تضخيم أسعار هذه المناطق، لتنفجر في أي وقت، مسببةً خسائر كبيرة للمواطنين والمستثمرين الصغار”، حسب ما يرى الحلبوسي، الذي طالب بـ “تحديد الجدوى الاقتصادية من كل مول”.
ويؤكد أن “هيئة الاستثمار كان يجب عليها منع إقامة مشاريع متشابهة في مسافات متقاربة، كونها تتسبب بأزمات اختناق ولا تشكل أي جدوى اقتصادية، ووضع شروط تحقق من خلال المصلحة الاقتصادية والاجتماعية من المولات”.
مولات تُنشأ وتُغلق
وما زالت المولات تنتشر، وتُنشأ في أماكن مختلفة من العاصمة بغداد بمسافات متقاربة، حتى باتت مناطق كثيرة تحتضن “مولات تجارية”، من دون وجود “فائدة حقيقية”، ليكون الإغلاق مصير المول “الخاسر”، كما حصل مع مولات أُغلقت في بغداد أبرزها “مول النخيل”.
ويقول الحلبوسي أيضاً: “هناك مولات سوف تخرج عن الخدمة وتتوقف بسبب ضعف الإقبال عليها وتكدسها في أماكن محدودة، خصوصاً أنها تشكل واجهات لغسيل الأموال لأحزاب وفصائل مسلحة”.
وتدخل ماركات عالمية وبراندات إلى السوق العراقية بـ “سهولة”، لأنها لا يوجد عليها استحصال ضريبي وجمركي عالٍ كما يحصل في بقية البلدان، حسب ما يحلل أحمد عيد، وهو باحث آخر في الشأن الاقتصادي.
ويقول عيد لـ “إيشان”، إن “انتشار مراكز التسوق العامة (المولات) حالة طبيعية في العواصم والمدن الكبرى لمختلف البلدان، وفي العراق اتسعت أعدادها لتغطي مناطق واسعة من العاصمة بغداد نتيجة أسباب تتعلق بعمليات غسل الأموال أو الاحتيال باستخدام فقرات القانون”.
ويعتقد، أن “عائدات الاستثمار في هذا المجال كبيرة”، مشيراً إلى أن “أنواعاً مختلفة من البراندات والماركات العالمية تدخل إلى السوق العراقية بسهولة، في ظل عدم وجود استحصال ضريبي وجمركي عالي عليها كما يحصل في بقية البلدان”.
“تتبع سياسيين ومتنفذين”
وأيضاً، يتّفق الباحث عيد، مع “عائدية المولات إلى شخصيات سياسية أو جهات متنفذة في الدولة، وأخرى تعود لمكاتب اقتصادية تتبع لفصائل مسلحة في العراق، ليوفّر هذا المجال مساحة واسعة لعمليات غسل الأموال و الأموال المستحصلة بطرق غير شرعية”.
وتبقى “علامات الاستفهام” حاضرةً أمام بناء المولات قرب بعضها، وهيئة الاستثمار التي لم تُجب عن الموضوع، لتُبقي التحليل وحده مَن يتكلم.
الاتكاء على مادة قانونية
ويوضحّ عيد، أن “المادة 15 أولاً من قانون الاستثمار العراقي تنص على أن يتمتع المشروع الحاصل على إجازة الاستثمار بالإعفاء من الضرائب والرسوم لمدة عشر سنوات من تاريخ بدء التشغيل التجاري، وهذه الفقرة أتاحت الفرص لمستثمرين محليين يملكون الأموال في استثمار أموالهم في هذا المجال، خاصة مع وجود ميزة أخرى تتيح فرص تمديد الإعفاءات وفق فقرات معينة يتم من خلالها التحايل على القانون من أجل الحصول على التمديد”.
ويكشف: “هناك جهات مستفيدة تحاول ترويض الذوق العراقي من خلال الترويج لقضية بناء المولات التجارية بكونها مشاريع ذات قيمة رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية لفئة كبيرة من الشعب العراقي، ولا تزال الجهود الحكومية عقيمة باتجاه إقامة مشاريع استراتيجية حقيقية تكون فائدتها كبيرة بالنسبة لدخل الفرد العراقي”.
ولم يتوقف بناء المولات في العاصمة بغداد المكتظّة بالسيارات والسكان، فمول عشتار في منطقة الشعب، ينتظر آخر أمامه، يجري العمل على بنائه، ليكون المشهد عبارة عن مول يقابل مول في منطقة واحدة ولا يفصل بينهما سوى أمتار عديدة.