الرئيسية / مقالات / الغدير كما جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي (ح 4)

الغدير كما جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي (ح 4)

فيينا / الأربعاء 26 . 06 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: روايات نزول آية التبليغ: وفي تفسير المنار: روى أهل التفسير المأثور والترمذي وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي والطبراني عن بضعة رجال من الصحابة: أن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله كان يحرس في مكة قبل نزول هذه الآية فلما نزلت ترك الحرس، وكان أبو طالب أول الناس اهتماما بحراسته، وحرسه العباس أيضا. وفيه،: ومما روي في ذلك عن جابر وابن عباس: أن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله كان يحرس، وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم حتى نزلت الآية ـ فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من يبعث. أقول: و الروايتان كما ترى تدلان على أن الآية نزلت في أواسط إقامة النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله بمكة وأنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله بلغ رسالته زمانا واشتد عليه أمر إيذاء الناس وتكذيبهم حتى خاف على نفسه منهم فترك التبليغ والدعوة فأمر ثانيا بالتبليغ، وهدد من جانب الله سبحانه، ووعد بالعصمة، فاشتغل ثانيا بما كان يشتغل به أولا، وهذا شيء يجل عنه ساحة النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله. وفي الدر المنثور، وفتح القدير: أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول الله يحرس حتى نزلت: “وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” (المائدة 67) فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. أقول: والرواية كما ترى ظاهرة في نزولها بالمدينة. وفي تفسير الطبري، عن ابن عباس: في قوله: “وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ” (المائدة 67) يعني إن كتمت آية أنزل إليك لم تبلغ رسالته. أقول: إن كان المراد به آية معينة أي حكم معين مما أنزل إلى النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله فله وجه صحة، وإن كان المراد به التهديد في أي آية فرضت أو حكم قدر فقد عرفت فيما تقدم أن الآية لا تلائمه بمضمونها.
وعن آية كمال الدين في سورة المائدة وما رافقها من جمل قرآنية يقول السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره في تفسيره: قوله تعالى: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِالْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أمر الآية في حلولها محلها ثم في دلالتها عجيب، فإنك إذا تأملت صدر الآية أعني قوله تعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ” (المائدة 3) إلى قوله “ذلِكُمْ فِسْقٌ” (المائدة 3) وأضفت إليه ذيلها أعني قوله: “فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” وجدته كلاما تاما غير متوقف في تمام معناه وإفادة المراد منه إلى شيء من قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ” (المائدة 3) (إلخ) أصلا، وألفيته آية كاملة مماثلة لما تقدم عليها في النزول من الآيات الواقعة في سورة الأنعام والنحل والبقرة المبينة لمحرمات الطعام، ففي سورة البقرة: “إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (البقرة 173) ويماثله ما في سورتي الأنعام والنحل. وينتج ذلك أن قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3) (إلخ) كلام معترض موضوع في وسط هذه الآية غير متوقف عليه لفظ الآية في دلالتها وبيانها، سواء قلنا: إن الآية نازلة في وسط الآية فتخللت بينها من أول ما نزلت، أو قلنا إن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله هو الذي أمر كتاب الوحي بوضع الآية في هذا الموضع مع انفصال الآيتين واختلافهما نزولا. أو قلنا: إنها موضوعة في موضعها الذي هي فيه عند التأليف من غير أن تصاحبها نزولا، فإن شيئا من هذه الاحتمالات لا يؤثر أثرا فيما ذكرناه من كون هذا الكلام المتخلل معترضا إذا قيس إلى صدر الآية وذيلها. ويؤيد ذلك أن جل الروايات الواردة في سبب النزول لو لم يكن كلها، وهي أخبار جمة يخص قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3) (إلخ) بالذكر من غير أن يتعرض لأصل الآية أعني قوله: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ” (المائدة 3)، أصلا، وهذا يؤيد أيضا نزول قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ” (المائدة 3) (إلخ) نزولا مستقلا منفصلا عن الصدر والذيل، وإن وقوع الآية في وسط الآية مستند إلى تأليف النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله أو إلى تأليف المؤلفين بعده. ويؤيده ما رواه في الدر المنثور، عن عبد بن حميد عن الشعبي قال: نزل على النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله هذه الآية وهو بعرفة: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ” (المائدة 3) وكان إذا أعجبته آيات جعلهن صدر السورة، قال: وكان جبرئيل يعلمه كيف ينسك. ثم إن هاتين الجملتين أعني قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ” (المائدة 3) وقوله: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ” (المائدة 3) متقاربتان مضمونا، مرتبطتان مفهوما بلا ريب، لظهور ما بين يأس الكفار من دين المسلمين وبين إكمال دين المسلمين من الارتباط القريب، وقبول المضمونين لأن يمتزجا فيتركبا مضمونا واحدا مرتبط الأجزاء، متصل الأطراف بعضها ببعض، مضافا إلى ما بين الجملتين من الاتحاد في السياق. ويؤيد ذلك ما نرى أن السلف والخلف من مفسري الصحابة والتابعين والمتأخرين إلى يومنا هذا أخذوا الجملتين متصلتين يتم بعضهما، بعضا وليس ذلك إلا لأنهم فهموا من هاتين الجملتين ذلك، وبنوا على نزولهما معا، واجتماعهما من حيث الدلالة على مدلول واحد. وينتج ذلك أن هذه الآية المعترضة أعني قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ” (المائدة 3) إلى قوله “وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً” (المائدة 3) كلام واحد متصل بعض أجزائه ببعض مسوق لغرض واحد قائم بمجموع الجملتين من غير تشتت سواء قلنا بارتباطه بالآية المحيطة بها أو لم نقل، فإن ذلك لا يؤثر البتة في كون هذا المجموع كلاما واحدا معترضا لا كلامين ذوي غرضين، وإن اليوم المتكرر في قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3)، وفي قوله: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ” (المائدة 3)، أريد به يوم واحد يئس فيه الكفار وأكمل فيه الدين.
ويستمر العلامة الطباطبائي في سرد شرح الآية (المائدة 3) قائلا: ثم ما المراد بهذا اليوم الواقع في قوله تعالى: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ” (المائدة 3)؟ فهل المراد به زمان ظهور الإسلام ببعثة النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ودعوته فيكون المراد أن الله أنزل إليكم الإسلام، وأكمل لكم الدين وأتم عليكم النعمة وأيأس منكم الكفار؟ لا سبيل إلى ذلك لأن ظاهر السياق أنه كان لهم دين كان الكفار يطمعون في إبطاله أو تغييره، وكان المسلمون يخشونهم على دينهم فأيأس الله الكافرين مما طمعوا فيه وآمن المسلمين وأنه كان ناقصا فأكمله الله وأتم نعمته عليهم ولم يكن لهم قبل الإسلام دين حتى يطمع فيه الكفار أو يكمله الله ويتم نعمته عليهم. على أن لازم ما ذكر من المعنى أن يتقدم قوله: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ” (المائدة 3)، على قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3)، حتى يستقيم الكلام في نظمه. أو أن المراد باليوم هو ما بعد فتح مكة حيث أبطل الله فيه كيد مشركي قريش وأذهب شوكتهم، وهدم فيه بنيان دينهم، وكسر أصنامهم فانقطع رجاؤهم أن يقوموا على ساق، ويضادوا الإسلام ويمانعوا نفوذ أمره وانتشار صيته. لا سبيل إلى ذلك أيضا فإن الآية تدل على إكمال الدين وإتمام النعمة ولما يكمل الدين بفتح مكة وكان في السنة الثامنة من الهجرة فكم من فريضة نزلت بعد ذلك، وكم من حلال أو حرام شرع فيما بينه وبين رحلة النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله. على أن قوله: “الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3) يعم جميع مشركي العرب ولم يكونوا جميعا آيسين من دين المسلمين، ومن الدليل عليه أن كثيرا من المعارضات والمواثيق على عدم التعرض كانت باقية بعد على اعتبارها واحترامها، وكانوا يحجون حجة الجاهلية على سنن المشركين، وكانت النساء يحججن عاريات مكشوفات العورة حتى بعث رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله عليا عليه السلام بآيات البراءة فأبطل بقايا رسوم الجاهلية. أو أن المراد باليوم ما بعد نزول البراءة من الزمان حيث انبسط الإسلام على جزيرة العرب تقريبا، وعفت آثار الشرك، وماتت سنن الجاهلية فما كان المسلمون يرون في معاهد الدين ومناسك الحج أحدا من المشركين، وصفا لهم الأمر، وأبدلهم الله بعد خوفهم أمنا يعبدونه ولا يشركون به شيئا. لا سبيل إلى ذلك فإن مشركي العرب وإن أيسوا من دين المسلمين بعد نزول آيات البراءة وطي بساط الشرك من الجزيرة وإعفاء رسوم الجاهلية إلا أن الدين لم يكمل بعد وقد نزلت فرائض وأحكام بعد ذلك ومنها ما في هذه السورة: (سورة المائدة)، وقد اتفقوا على نزولها في آخر عهد النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، وفيها شيء كثير من أحكام الحلال والحرام والحدود والقصاص. فتحصل أنه لا سبيل إلى احتمال أن يكون المراد باليوم في الآية معناه الوسيع مما يناسب مفاد الآية بحسب بادئ النظر كزمان ظهور الدعوة الإسلامية أو ما بعد فتح مكة من الزمان، أو ما بعد نزول آيات البراءة فلا سبيل إلا أن يقال: إن المراد باليوم يوم نزول الآية نفسها، وهو يوم نزول السورة إن كان قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3)، معترضا مرتبطا بحسب المعنى بالآية المحيطة بها، أو بعد نزول سورة المائدة في أواخر عهد النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله، وذلك لمكان قوله تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ” (المائدة 3).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي عن الآية المباركة (المائدة 3): فهل المراد باليوم يوم فتح مكة بعينه؟ أو يوم نزول البراءة بعينه؟ يكفي في فساده ما تقدم من الإشكالات الواردة على الاحتمال الثاني والثالث المتقدمين. أو أن المراد باليوم هو يوم عرفة من حجة الوداع كما ذكره كثير من المفسرين وبه ورد بعض الروايات؟ فما المراد من يأس الذين كفروا يومئذ من دين المسلمين فإن كان المراد باليأس من الدين يأس مشركي قريش من الظهور على دين المسلمين فقد كان ذلك يوم الفتح عام ثمانية لا يوم عرفة من السنة العاشرة، وإن كان المراد يأس مشركي العرب من ذلك فقد كان ذلك عند نزول البراءة وهو في السنة التاسعة من الهجرة، وإن كان المراد به يأس جميع الكفار الشامل لليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ـ وذلك الذي يقتضيه إطلاق قوله: “الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3) فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين بعد، ولما يظهر للإسلام قوة وشوكة وغلبة في خارج جزيرة العرب اليوم. ومن جهة أخرى يجب أن نتأمل فيما لهذا اليوم وهو يوم عرفة تاسع ذي الحجة سنة عشر من الهجرة ـ من الشأن الذي يناسب قوله: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي” (المائدة 3) في الآية. فربما أمكن أن يقال: إن المراد به إكمال أمر الحج بحضور النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله بنفسه فيه، وتعليمه الناس تعليما عمليا مشفوعا بالقول. لكن فيه أن مجرد تعليمه الناس مناسك حجهم وقد أمرهم بحج التمتع ولم يلبث دون أن صار مهجورا، وقد تقدمه تشريع أركان الدين من صلاة وصوم وحج وزكاة وجهاد وغير ذلك لا يصح أن يسمى إكمالا للدين، وكيف يصح أن يسمى تعليم شيء من واجبات الدين إكمالا لذلك الواجب فضلا عن أن يسمى تعليم واجب من واجبات الدين لمجموع الدين. على أن هذا الاحتمال يوجب انقطاع رابطة الفقرة الأولى أعني قوله: “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ” (المائدة 3) بهذه الفقرة أعني قوله: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ” (المائدة 3) وأي ربط ليأس الكفار عن الدين بتعليم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله حج التمتع للناس. وربما أمكن أن يقال إن المراد به إكمال الدين بنزول بقايا الحلال والحرام في هذا اليوم في سورة المائدة، فلا حلال بعده ولا حرام، وبإكمال الدين استولى اليأس على قلوب الكفار، ولاحت آثاره على وجوههم. لكن يجب أن نتبصر في تمييز هؤلاء الكفار الذين عبر عنهم في الآية بقوله: “الَّذِينَ كَفَرُوا” (المائدة 3) على هذا التقدير وأنهم من هم؟ فإن أريد بهم كفار العرب فقد كان الإسلام عمهم يومئذ ولم يكن فيهم من يتظاهر بغير الإسلام وهو الإسلام حقيقة، فمن هم الكفار الآيسون؟. وإن أريد بهم الكفار من غيرهم كسائر العرب من الأمم والأجيال فقد عرفت آنفا أنهم لم يكونوا آيسين يومئذ من الظهور على المسلمين. ثم نتبصر في أمر انسداد باب التشريع بنزول سورة المائدة وانقضاء يوم عرفة فقد وردت روايات كثيرة لا يستهان بها عددا بنزول أحكام وفرائض بعد اليوم كما في آية الصيف (الكلالة) وآيات الربا، حتى أنه روي عن عمر أنه قال في خطبة خطبها: من آخر القرآن نزولا آية الربا، وإنه مات رسول الله ولم يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، الحديث وروى البخاري في الصحيح، عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت على النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله آية الربا، إلى غير ذلك من الروايات.

اترك تعليقاً