الرئيسية / مقالات / حركات المقاومة ضد الاحتلال وعلاقاتها بالحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية

حركات المقاومة ضد الاحتلال وعلاقاتها بالحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية

فيينا / الأحد 22 . 12 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

عبد الرحيم الجرودي/ المغرب

تُعد حركات المقاومة ضد الاحتلال ظاهرة تاريخية ذات جذور عميقة في سياقات النضال من أجل الحرية والاستقلال. تتداخل هذه الحركات في كثير من الأحيان مع الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية التي قد تتبنى مواقف متباينة تجاه الفعل المقاوم. ففي حين تتبنى بعض الحركات والأحزاب طروحات المقاومة وتلتف حولها كوسيلة لتحقيق أهدافها الوطنية، تُفضل أخرى البحث عن حلول سلمية أو الانخراط في السلطة، مما يؤدي أحيانًا إلى تعارض في الرؤى والأهداف.
المقاومة الفيتنامية نموذجًا
خلال حرب فيتنام، جسدت المقاومة الفيتنامية بقيادة “فيت كونغ” وجبهة التحرير الوطنية نموذجًا فريدًا في النضال ضد الاحتلال الأمريكي. كانت هذه المقاومة مستندة إلى دعم شعبي واسع وتجذُر في القرى والمجتمعات الفيتنامية.
تداخلت المقاومة مع الحركات الاجتماعية التي سعت لتحسين الظروف المعيشية للمزارعين وتحريرهم من الاستغلال الإقطاعي.
لم تتردد المقاومة الفيتنامية في اتخاذ إجراءات عنيفة ضد العملاء والخونة الذين تعاونوا مع الاحتلال الأمريكي. شملت هذه الإجراءات تنفيذ عمليات اغتيال محددة وإعدامات وشن حملات تطهير استهدفت القرى والمناطق التي كانت تمثل قواعد دعم للعدو. ساهمت هذه الإجراءات الثورية في تعزيز موقف المقاومة وترهيب الأطراف التي حاولت تقويض النضال التحرري والإنعتاق من سيطرت المحتل.
على النقيض، كانت هناك أطراف سياسية في جنوب فيتنام مرتبطة بالنظام المدعوم من الولايات المتحدة، حيث رفضت هذه الأطراف الفعل المقاوم وراهنت على الدعم العسكري والسياسي الأمريكي للبقاء في السلطة. أدى هذا التباين إلى صدام داخلي حاد، لكنه عزز من شرعية المقاومة التي ظهرت كصوت الشعب الحقيقي المطالب بالاستقلال والسيادة.
التجربة الكوبية: من الثورة إلى الصدام الداخلي
تمثل الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو وتشي غيفارا مثالاً آخر على ارتباط المقاومة بالحركات الاجتماعية. انطلقت الثورة ضد نظام باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة، واستمدت قوتها من الحركات الشعبية التي طالبت بالعدالة الاجتماعية والإصلاح الزراعي.
استخدمت المقاومة الكوبية أيضًا أساليب عنيفة لتثبيت موقفها، حيث شنت هجمات على مراكز الشرطة والثكنات العسكرية، واغتالت شخصيات بارزة في النظام كانت مسؤولة عن قمع الشعب. كما تعاملت بحزم مع العملاء والخونة الذين تعاونوا مع النظام القديم أو مع القوى الخارجية. هذه الإجراءات لم تكن مجرد وسيلة للدفاع عن الثورة، بل كانت رسالة واضحة بأن الخيانة لن تُغتفر وأن الثورة لا تقبل الحياد في صراعها.
لكن الثورة الكوبية واجهت أيضًا أحزابًا سياسية كانت ترفض العمل المقاوم. فبينما انحازت القوى الثورية إلى الكفاح المسلح كوسيلة للتغيير، فضلت بعض الأحزاب البرجوازية الإصلاح السياسي عبر الحوار مع نظام باتيستا. وبعد نجاح الثورة، أصبحت هذه الأحزاب في مواجهة مباشرة مع النظام الثوري الجديد، مما أدى إلى انحسار دورها في الحياة السياسية الكوبية.
تأثير العمل السياسي للمقاومة على الفعل المقاوم
إن مشاركة المقاومة في الإدارة السياسية تطرح تحديات كبيرة قد تؤثر على استمرارية الفعل المقاوم. ففي بعض الحالات، يؤدي الانخراط السياسي إلى تحجيم الخيارات المتاحة للمقاومة، حيث تجد نفسها ملزمة بالتزامات وتعهدات تجعلها أقل قدرة على اتخاذ مواقف صدامية مع الاحتلال أو الأنظمة القمعية. كما أن الدخول في العملية السياسية قد يضعف من زخم المقاومة بسبب الانحراف نحو التركيز على المكاسب السياسية الآنية بدلاً من الأهداف الاستراتيجية.
فقد أظهرت التجارب المختلفة أن المشاركة في الإدارة السياسية قد تُجبر المقاومة على التفاوض مع أطراف كانت تعارضها بشدة، مما يؤدي إلى فقدان بعض المواقع الأخلاقية والسياسية التي كانت تشكل قاعدة دعم لها. وفي بعض الأحيان، تتعرض المقاومة للانتقاد من قواعدها الشعبية إذا ما اتخذت مواقف تتعارض مع طبيعتها الأصلية كحركة تحررية، بل قد تؤدي إلى شلل حركي وفوضى وخيمة العواقب.
العلاقة بين المقاومة والأحزاب السياسية
تبرز العلاقة بين حركات المقاومة والأحزاب السياسية كعلاقة معقدة ومتشابكة. ففي حين تدعم بعض الأحزاب الحركات المقاومة وتعتبرها امتدادًا عضويا لنضالها السياسي، تعارضها أحزاب أخرى لأسباب أيديولوجية أو عملية.
في الحالتين الفيتنامية والكوبية، يمكن ملاحظة أن الدعم الشعبي هو العامل الحاسم في ترجيح كفة المقاومة على الأطراف التي اختارت الانخراط في السلطة أو تبني مواقف غير تصادمية مع الاحتلال أو الأنظمة المدعومة منه. كما أن نجاح المقاومة غالبًا ما يعزز شرعيتها ويضعف من موقف الأحزاب المعارضة لها.
تظل حركات المقاومة ضد الاحتلال مثالاً حيًا على الإصرار الشعبي لتحقيق الحرية والاستقلال. ورغم التعقيدات التي تخلقها التفاعلات مع الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية، فإن الدعم الجماهيري والدور الحاسم للقيادة المقاوِمة يمثلان مفتاح النجاح. وتجربة فيتنام وكوبا تبرزان كيف يمكن للمقاومة أن تتغلب على التحديات الداخلية والخارجية، وتحقيق أهدافها في ظل ظروف شديدة التعقيد.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً