فيينا / الخميس 26 . 12 . 2024
وكالة السيمران الاخبارية
تمارا برو */ لبنان
تراقب الصين بقلق ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، وقد لا تتأخر كثيراً كي تبدأ مشاوراتها مع الأطراف المعنية لتقييد تحركات مسلّحي الحزب الإسلامي التركستاني.
صعّد الحزب الإسلامي التركستاني خطابه المناهض للصين، في أعقاب الهجوم الذي شنته الجماعات المسلّحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، على الجيش السوري، والذي أدّى إلى سقوط نظام بشار الأسد.
هدد الحزب، الذي يضم مسلّحين من قومية الإيغور المسلمة، وتصنّفه الصين بأنه تنظيم إرهابي، بنقل المعركة إلى الصين. ففي الـ 8 من كانون الأول/ديسمبر الحالي، اليوم الذي سقط فيه النظام السوري، نشر الحزب الانفصالي فيديو ظهر فيه مقاتلوه وهم يحملون رشاشات ويرتدون ملابس عسكرية، وهدَّد رجل ملثم بأنهم سيستمرون في القتال في أورومتشي وآقسو وكاشغار، وهي مدن في إقليم شينجيانغ، أو تركستان الشرقية كما يسميها الإيغوريون. وأضاف أنهم سيطردون الكفار الصينيين، وسيواصلون القتال في تركستان الشرقية، كما قاتلوا في حمص وإدلب.
الحزب الإسلامي التركستاني هو عبارة عن جماعة انفصالية من الإيغور المسلمين، تعود أصولها إلى إقليم شينجيانغ، في شمالي غربي الصين. ويرتبط الحزب بعلاقة بتنظيم القاعدة وطالبان، ويسعى لإقامة دولة إسلامية مستقلة في إقليم شينجيانغ، أو تركستان الشرقية، كما يسميها.
يتهم المجتمع الدولي بكين بالقمع الجماعي للإيغوريين، وبوضعهم في “معسكرات”، بينما تُرجع الصين سبب اتخاذها إجراءات مشدّدة تجاه الإيغوريين، ووضعهم في “مراكز تدريب مهني”، إلى إبعاد الناس عن التطرف والإرهاب، بعد أعمال العنف التي شهدتها شينجيانغ ومناطق أخرى من الصين.
تقول بكين إن الحزب الإسلامي التركستاني نفّذ هجمات إرهابية في الصين، في أعوام 2008، 2013، 2014، 2015، وتدرجه الأمم المتحدة ضمن قائمة الإرهاب. أما الولايات المتحدة الأميركية فأزالته من قائمة الإرهاب عام 2020 بحجة أنه لم يعد نشطاً، ولكن كان هدف الرئيس دونالد ترامب من ذلك استفزاز الصين في ظل المنافسة بين البلدين.
تأسس الحزب في باكستان، وأقام موطئ قدم له في أفغانستان، حيث يواجد قادته في ولاية بغلان، شمالي أفغانستان. ولجأ كثير من المسلّحين الإيغوريين وعائلاتهم إلى سوريا في أثناء الحرب، وشاركوا، إلى جانب تنظيمات أخرى، ومنها هيئة تحرير الشام، التي يَرْئِسها أحمد الشرع، قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا حالياً، في الهجمات ضد الجيش السوري.
أثار وجود مسلّحي الإيغور في سوريا، والذين يقدَّر عددهم بـ 5000 مقاتل، بحسب ما صرّح، في عام 2017، السفير السوري السابق لدى بكين، عماد مصطفى، قلقَ الصين، التي عملت، خلال الأعوام الماضية، على مراقبة تحركاتهم داخل سوريا، بالتنسيق مع النظام السوري السابق، من دون أن تتدخل عسكرياً في مواجهتهم، إذ ظلت بكين ثابتة بشأن أسلوب عملها الذي استمر عقداً من الزمان، والذي يقوم على عدم التدخل، معتمدةً، في مواجهة الحزب الإسلامي التركستاني، على الجيش السوري والدول التي كان لديها قوات في سوريا.
وعقدت بكين أيضاً مباحثات رفيعة المستوى مع دمشق لتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن تحركات مسلّحي الإيغور، على أساس شهري، بدءاً من عام 2016، وهو العام الذي عينت فيه أول مبعوث صيني خاص إلى سوريا، وشهد الزيارة التي قام بها وفد عسكري صيني لدمشق، حيث التقى الأدميرال جوان يوفي وزير الدفاع السوري السابق، فهد جاسم الفريج.
في سوريا، قاتل الحزب الإسلامي التركستاني، إلى جانب هيئة تحرير الشام وفصائل مسلّحة أخرى، خلال الأعوام الماضية، كما ساعد على إطاحة نظام الرئيس بشار الأسد. وبعد أن كان دور مقاتلي الحزب محصوراً في مناطق محددة من سوريا، أدت الأحداث الأخيرة إلى وصولهم إلى دمشق ومناطق سورية أخرى.
أدى سقوط نظام الرئيس الأسد إلى دقّ ناقوس الخطر في بكين من شنّ مسلّحي الإيغور هجمات ضد المصالح الصينية، وتهديد الأمن القومي الصيني للخطر. وكانت بكين تعتمد على نظام الرئيس السوري السابق لمراقبة تحركات مسلّحي الإيغور، أما الآن، في ظل إدارة سورية جديدة، تجد بكين نفسها مضطرة إلى التعامل بأسلوب أكثر حذراً مع قضية الحزب الإسلامي التركستاني، الذي تربطه علاقة وثيقة بهيئة تحرير الشام.
إن انتصار هيئة تحرير الشام لا يشكل تهديداً مباشراً للصين. فعلى الرغم من أن الصين كانت داعمة للنظام السابق، فإنه ليس للهيئة مصلحة في مواجهة الصين، التي أعلنت استعدادها لمساعدة سوريا على الدفاع عن سيادتها، وتسعى لأن يكون لها دور في إعادة الإعمار.
كما أن الادارة الجديدة في سوريا في حاجة ماسّة اليوم إلى الاعتراف الدولي بها، وإلى المساعدات المالية لإعادة بناء ما دمرته الحرب، فضلاً عن الاستثمارات لإنعاش اقتصادها. والصين قطب عالمي كبير، وثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لذلك، من مصلحة الإدارة الجديدة في سوريا التواصل مع بكين، التي ستضع على رأس أولوياتها معالجة قضية الحزب الإسلامي التركستاني، التي يمكن أن تشكل عامل ضغط على أحمد الشرع، الذي سبق له أن دان الاضطهاد الذي يتعرض له الإيغور في الصين، لكنه قال إن معركتهم ضد الصين ليست معركة هيئة تحرير الشام، لتسليم مسلّحي الإيغور إلى الصينيين.
وتبرز قضية أخرى هي مدى قبول مقاتلي الإيغور الإقامة والعيش في سوريا والحصول على الجنسية السورية، ولاسيما بعد تصريح أحمد الشرع بأن المقاتلين الأجانب، الذين يقاتلون في صفوف المعارضة المسلّحة، يستحقون “مكافأة”، إذ ساعدوا هيئة تحرير الشام على إطاحة نظام بشار الأسد.
سيكون لتركيا دورٌ رئيسٌ في معالجة قضية الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا. فهي موطن لنحو 100 ألف إيغوري، وتصوّر نفسها على أنها الحامي والمدافع عن حقوقهم، كما دعمت إرسال مسلّحي الإيغور إلى سوريا لتحقيق مكاسب لها، بينها قتال جيش النظام السابق، والقضاء على “قوات سوريا الديمقراطية”.
لذلك، ستعمل الصين على التواصل مع تركيا من أجل ضمان عدم قيام مقاتلي الإيغور الموجودين في سوريا بتهديد الأمن القومي الصيني والمصالح الصينية، وتقييد تحركاتهم، وتسليمهم إلى بكين.
تحتل قضية الإيغور حيزاً كبيراً في المناقشات والمباحثات التي تتم بين بكين وأنقرة. وليس لتركيا مصلحة في توتير علاقاتها مع الصين بسبب قضية الإيغور، نظراً إلى حاجة تركيا إلى الاستثمارات الصينية.
ويبدو أن هناك اتفاقاً تركياً صينياً من أجل معالجة قضية الإيغور، ولاسيما بعد أن سمحت الصين، الصيف الماضي، لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بزيارة إقليم شينجيانغ.
من غير الواضح إذا كان مسلمو الإيغور سيعودون إلى الصين، أم لا، على الرغم من التهديدات التي يطلقونها في خطاباتهم ضد الصين. وحتى في حال محاولاتهم دخول إقليم شينجيانغ، أو مناطق صينية أخرى، فإن ذلك لن يكون بالأمر السهل، بسبب المراقبة المشدَّدة التي تفرضها الصين على حدودها البرية ومطاراتها.
كما أن الجيش الصيني يمتلك أسلحة متقدمة ومتطورة، وهو من أقوى الجيوش في العالم، وسيواجه مقاتلي الإيغور، حتى في ظل الخبرة القتالية التي يمكن أن يكون اكتسبها المسلحون في سوريا. لكنّ ما يثير خوف بكين أكثر ليس دخول مسلّحي الإيغور أراضيها، لأنها تعرف كيف تتعامل معهم، وإنما أن يستقر المقاتلون، مرة أخرى، في أفغانستان، إذ سبق لهم أن قاتلوا إلى جانب تنظيم القاعدة وحركة طالبان، قبل الغزو الأميركي عام 2001 حتى الانسحاب في آب/أغسطس 2021.
وهذا ما يفسّر سعي الصين للتقارب مع حكومة طالبان، بغضّ النظر عن الأطماع الصينية في البلاد. فلدى الصين قلق من أن يتمكن الحزب الإسلامي التركستاني من إعادة تنظيم نفسه في أفغانستان، ويهاجم المصالح الصينية في أفغانستان وباكستان، ولاسيما الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والذي كان، طوال أعوام، هدفاً لهجمات جيش تحرير بلوشستان، الذي صنفته باكستان والصين، وحتى الولايات المتحدة الأميركية، منظمةً إرهابية.
وفعلاً، تصاعدت الهجمات ضد الصين في باكستان وأفغانستان، خلال الأعوام الأخيرة. ففي العام الحالي، كثف المتمردون البلوش الموجودون في باكستان هجماتهم ضد المصالح الصينية. فخلال الشهرين الماضيين، تعرّض مواطنون صينيون لهجمات في مدينة كراتشي في باكستان. وفي أيار/مايو، وقعت هجمات قام بها مسلّحون بلوش في إقليم بلوشستان. وفي آذار/مارس، وقعت هجمات انتحارية في إقليمي خيبر، في ختونخوا وبلوشتان، استهدفت مصالح صينية ومواطنين صينيين.
تراقب الصين بقلق ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، وقد لا تتأخر كثيراً كي تبدأ مشاوراتها مع الأطراف المعنية لتقييد تحركات مسلّحي الحزب الإسلامي التركستاني. هذا إن لم تكن فعلاً بدأت مباحثاتها.
*أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني
الميادين
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات