الرئيسية / مقالات / مدى جدوى التزام المقاومة اللبنانية بمخرجات مؤتمر الطائف

مدى جدوى التزام المقاومة اللبنانية بمخرجات مؤتمر الطائف

فيينا / الاربعاء 01 . 01 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

عبدالرحيم الجروديL/ المغرب

تعيش المنطقة العربية مرحلة من التحولات السياسية المتسارعة، التي أفرزتها الصراعات الإقليمية والدولية، إلى جانب التغيرات الداخلية التي شهدتها بعض الدول العربية. تأتي هذه التحولات في سياق الاعتداء الإسرائيلي الأخير على غزة، والذي شكّل عامل ضغط إضافيي على التوازنات الإقليمية والدولية، وأعاد تسليط الضوء على قضية المقاومة بمختلف أبعادها. في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول مدى جدوى التزام المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله، بمخرجات مؤتمر الطائف، ومدى توافق هذا الالتزام مع متطلبات المرحلة الراهنة، إذ يمثل الالتزام في الظاهر تجسيداً لرغبة في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتجنب الانقسامات الطائفية والسياسية كما يواجه تحديات كبيرة في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وما رافقه من تصعيد في الخطاب الإسرائيلي تجاه لبنان، وما ترتب عليه من تداعيات على الساحة اللبنانية.
معادلة صعبة على المقاومة إيجاد حلول تتناسب مع مرجعيتها الفكرية ودورها الرسالي في الحفاظ على جاهزيتها للتصدي لأي اعتداء إسرائيلي، ومع متطلبات الداخل اللبناني. هذه المعضلة تجعل من الصعب تحقيق توازن بين البعدين الداخلي والخارجي للمقاومة في ظل واقع سياسي بئيس ومشحون طائفيا.

اتفاق الطائف: الإطار والمحددات
اتفاق الطائف، الذي وُقِّع في عام 1989، كان بمثابة خارطة طريق لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة من التوازن الطائفي والسياسي. فقد حدد الاتفاق ملامح النظام السياسي اللبناني، بما في ذلك تقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة، ونص على حل الميليشيات المسلحة وتسليم سلاحها إلى الدولة اللبنانية. ورغم أن المقاومة، ممثلة بـحزب الله، اعتُبرت استثناءً في هذا السياق بسبب دورها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الالتزام بالاتفاق ظل قضية إشكالية في الداخل اللبناني.
لقد أسهم الطائف في تكبيل أداء المقاومة نوعا ما، من خلال فرض قيود على حركتها السياسية والعسكرية تحت مظلة “حصرية السلاح بيد الدولة”. هذا البند أدى إلى تضييق مساحة المناورة أمام المقاومة على المستويين الداخلي والخارجي، حيث أصبح عليها مواجهة اتهامات متكررة بتجاوز الدور الذي رسمه الاتفاق للمؤسسات الرسمية. علاوة على ذلك، فإن التركيز على تعزيز الدولة المركزية وفقاً للطائف أوجد حالة من التوتر المستمر بين المقاومة والدولة، خاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات مصيرية تخص المواجهة مع إسرائيل.
إلى جانب ذلك، فرض الطائف على المقاومة تحديات إضافية في الحفاظ على التوازن بين دورها في مواجهة الاحتلال ودورها كفاعل داخلي يسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية، ما دفعها إلى تقديم تنازلات أو اتخاذ مواقف براغماتية أحياناً لتجنب إثارة حساسيات داخلية.
محور الممانعة مرجعية وحصانة
في ظل التغيرات جيوسياسية الكبيرة التي عرفتها المنطقة، من أبرزها التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وتصاعد التوترات بين المحاور الإقليمية. في ظل هذه المعطيات، تواجه المقاومة اللبنانية ضغوطاً متزايدة للحفاظ على شرعيتها ودورها الإقليمي. السابع من أكتوبر أضاف بُعداً جديداً لهذه التحديات، إذ أن أي تصعيد في فلسطين يمتد إلى الساحة اللبنانية، ما يفرض على المقاومة إعادة تقييم استراتيجيتها في التعامل مع الواقع الجديد.
في هذا السياق، يبرز دور محور الممانعة كعامل أساسي في تشكيل استراتيجية المقاومة وتحديد خياراتها. فهي تعمل ضمن منظومة واسعة تضم قوى إقليمية مثل إيران وسوريا والعراق، إلى جانب الفصائل الفلسطينية المقاومة. هذا المحور يمثل قاعدة استراتيجية للمقاومة اللبنانية، حيث يوفر لها الدعم العسكري واللوجستي والسياسي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والدولية. في الوقت نفسه، تسعى المقاومة إلى تعزيز التنسيق مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بما يضمن توافقًا داخليًا حول دورها ويعزز مناعة لبنان في مواجهة الضغوط الخارجية. محور الممانعة لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يمتد ليشمل أبعادًا سياسية وإعلامية تهدف إلى تعزيز صمود المقاومة وتحقيق أهدافها.
في هذا الإطار، أتت أهمية العلاقة بين المقاومة والنظام السوري، الذي كان يشكل عمقًا استراتيجيًا لها. فرغم التحديات التي واجهها النظام السوري منذ عام 2011 الى حين سقوطه وتسليم السلطة ترغيبا وترهيبا وبإشراف عربي لقوى مدعومة من تركيا رديفة NATO وأمريكا وإسرائيل، وهي خطوة تطمح إلى قطع الإمدادات الحيوية عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية وتقويض محور الممانعة بأكمله، كانت دمشق داعمًا أساسيًا للمقاومة، سواء من خلال تسهيل الإمدادات العسكرية أو التنسيق السياسي. هذا الدعم أتاح للمقاومة هامشًا أوسع للمناورة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري وعكس قناعة محور الممانعة بأن أي ضعف في المقاومة اللبنانية والفلسطينية سيمثل خسارة استراتيجية للمحور بأكمله.

نحو رؤية استراتيجية للمقاومة
جاء هجوم السابع من أكتوبر الذي نفذته المقاومة الفلسطينية ليشكل محطة مفصلية في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. المقاومة اللبنانية، كجزء من محور الممانعة، اتخذت دون تردد موقف الإسناد الفعّال للمقاومة في غزة، معتبرة أن ما حدث هو تجسيد لوحدة الساحات التي طالما دعت إليها. فلم يقتصر الدعم على التصريحات السياسية، بل قامت المقاومة اللبنانية باتخاذ إجراءات ميدانية مدروسة لردع أي محاولات إسرائيلية لتوسيع دائرة العدوان باتجاه لبنان. هذه الخطوات شملت تعزيز الجاهزية العسكرية على الحدود الجنوبية، وإرسال رسائل واضحة لإسرائيل بأن أي تصعيد إضافي سيُقابل بردود تتجاوز التوقعات.
في ظل التحديات الراهنة، تبدو المقاومة اللبنانية أمام خيارات محدودة لكنها استراتيجية. فهي تحتاج إلى تطوير رؤية شاملة توازن بين متطلبات الداخل وأعباء الخارج. هذه الرؤية يجب أن تقوم على تعزيز دور محور الممانعة كعامل دعم رئيسي، مع الحفاظ على استقلالية القرار اللبناني، فالتكامل مع محور الممانعة لا يعني التبعية، بل يمثل شراكة استراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة. هذه الشراكة تتطلب من المقاومة مرونة تكتيكية وقدرة على التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية، مع التركيز على بناء قاعدة شعبية واسعة داخل لبنان وخاصة أن الموقف اللبناني كان متماهيًا نوعا ما مع رؤية محور الممانعة التي تسعى إلى إبقاء المقاومة قلبا نابضا للمواجهة مع الاحتلال، مع الحفاظ على التنسيق المستمر لضمان عدم انفراط عقد المواجهة أو استفراد إسرائيل بلبنان.
إن الالتزام بمخرجات مؤتمر الطائف في ظل التحولات السياسية الحالية وبعد استشهاد قادة بارزين في المقاومة وعبث إسرائيل المستمر بأمن لبنان والمنطقة، يفرض على المقاومة اللبنانية إعادة النظر في كيفية التعاطي مع اتفاق الطائف وباقي القوى السياسية التي تسعى إلى نزع سلاحها. فالاعتداء الإسرائيلي على غزة ولبنان أعاد رسم أولويات المقاومة، لكنه في الوقت نفسه أكد على أهمية الحفاظ على وحدة الصف الداخلي وتجنب أي انقسامات قد تستغلها القوى المعادية. يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين متطلبات الداخل وأعباء الخارج، بما يضمن استمرارية المقاومة وتعزيز استقرار لبنان في مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة.

30.12.2024

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً