فيينا / الثلاثاء 11 . 02 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
عشر سنوات مرّت على استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة بعد أن أُسقطت طائرته المقاتلة من طراز إف-16 بالقرب من مدينة الرقة في سوريا، ثم قُبض عليه في 24 كانون الأول 2014 من قبل مقاتلين في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، قبل أن يبث التنظيم في الثالث من شباط 2015 فيديو يُظهر إحراق الكساسبة حيًا.
في العام التالي، تحديدًا في نيسان 2016، أكّدت النيابة العامة البلجيكية أنها ألقت القبض على ثلاثة رجال متورطين في تفجيرات بروكسل التي وقعت أواخر آذار من العام نفسه وأسفرت عن مقتل 32 شخصًا. كان أسامة كريِّم أحد هؤلاء المتورطين، وهو سويدي الجنسية من أصول سورية، كان قد ألقي القبض عليه في ألمانيا ثم نُقل إلى بلجيكا. وفي 2018 أعلن المحققون البلجيكيون عن تمكّنهم من إثبات ارتباط كريِّم في جريمة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وقال المحققون حينها إن كريّم ظهر بفيديو إحراق الكساسبة مقنّعًا، ولكن حاجبه المميز كشف هويته. وبعد عام واحد اعترف كريّم «بتواجده هناك».
قبل ذلك، وفي نيسان 2016، وجدت التحقيقات أن كريِّم مشتبه بتورطه أيضًا في هجمات باريس التي وقعت عام 2015 وراح ضحيتها 162 قتيلًا. وفيما كانت التحقيقات البلجيكية جارية، أُرسل كريِّم عام 2018 إلى فرنسا لاستجوابه، ثم بدأت محاكمته هناك عام 2021 كمتهم رئيسي ضمن 20 آخرين مشتبه بتورطهم في تنفيذ تفجيرات في فرنسا، وقد أدين كريّم لمسؤوليته عن تفجيرات باريس. وأثناء محاكمته، عُرضت في قاعة المحكمة أجزاء من فيلم تنظيم الدولة (داعش) الذي يظهر إعدام الكساسبة، حيث تم استجواب كريِّم باعتباره أحد الأشخاص الثلاثة عشر المقنعين في الفيلم، ليعترف مجددًا بأنه كان في مكان الحادث.
بموازاة ذلك، كان قسم الجرائم الدولية في النيابة العامة السويدية قد بدأ منذ 2018 تحقيقًا سريًا في الجرائم التي ارتكبها كريِّم، ومن بينها المشاركة في إعدام الكساسبة. وقد أعيدت القضية اليوم إلى الواجهة مجددًا، بعد 10 أعوام على استشهاده، بعدما أعلن القضاء السويدي أنه يدرس تقديم اتهام رسمي لكريّم باعتباره أول مشتبه به في الجريمة.
يُذكر أن السويد تعدّ -بعد بلجيكا- ثاني أكبر دولة شارك مواطنوها في القتال في سوريا نسبةً إلى عدد سكانها، وبحسب جهاز الاستخبارات السويدي فقد ذهب قرابة 300 سويدي للقتال في سوريا خلال الأعوام 2012 و2015، عاد منهم 135 فيما قُتل 44. وما تزال هذه القضية تشغل الرأي العام والقضاء السويدي، لذا أثار المدعي العام القضية، بعد أن قدم طلبًا لاحتجاز كريّم الذي يقضي عقوبة بالحبس لمدة 30 عامًا في فرنسا، وكان من المقرر بعدها إرساله إلى بلجيكا ليقضي عقوبة السجن مدى الحياة بعد إدانته في 2023 بالمشاركة في تفجيرات بروكسل.
قبل أيام، في 20 كانون الثاني الماضي، أصدرت النيابة العامة السويدية بيانًا قالت فيه إن التحقيقات أظهرت أن كريّم المشتبه بارتكابه جرائم حرب في سوريا هو الذي أجبر الكساسبة على دخول القفص المعدني، فيما أشعل متورط آخر النار. وقال نائب المدعي العام إن «الرجل الذي طلبنا اعتقاله سيكون أول شخص قد تتم مقاضاته على هذا الفعل». وحتى اللحظة لم يُقدم بعد أي اتهام رسمي لكريِّم، فيما سيُطلب نقله إلى السويد في حال إجراء المحاكمة هناك.
وفي 21 كانون الثاني الماضي، جرت جلسة استماع أولى غيابية، في محكمة منطقة ستوكهولم، قالت فيها محامية كريّم إنه ينفي ارتكابه الجريمة. وقد كلفت الحكومة السويدية محاميًا بتمثيل أسرة الكساسبة التي لم تعلم مسبقًا بنية الادعاء العام السويدي تحريك قضية ضد كريّم على تُهم بجرائم حرب من بينها إعدام ابنهم.
لم تكن هذه المرّة الأولى التي يرتبط فيها اسم أحد أعضاء تنظيم الدولة (داعش) باستشهاد الكساسبة، إذ سبق أن اتهمت العائلة صدام الجمل، أحد زعماء التنظيم، بالمسؤولية عن إعدام ابنهم، حيث كان يشغل منصب «والي شرق الفرات» في التنظيم، وهي المنطقة التي أسقطت فيها طائرة الكساسبة. وكانت القوات الأمنية العراقية قد ألقت القبض عليه عام 2018.
يقول صافي الكساسبة، والد معاذ، إنه تقدّم بطلبٍ للجهات الحكومية والرسمية لجلب الجمل لمحاكمته في الأردن، ولكنه لم يتلق أي استجابة، مضيفًا أن الحكومة العراقية لم تكن متعاونة مع مطالبهم من أجل حضور جلسات المحاكمة. وكان الجمل قد نفى أن تكون له علاقة بإعدام الكساسبة، وقد حُكم عليه بالإعدام، لكن لا أخبار عن تنفيذ الحكم حتى اللحظة.
بعدئذٍ، عندما أُشيع قبل سنوات ارتباط كريِّم بإعدام الكساسبة، قدمت العائلة مناشدات إعلامية ورسمية لتنسيق حضورهم جلسات المحاكمات في فرنسا وبلجيكا بحسب جواد الكساسبة، الأخ الأكبر لمعاذ، دون أن تلقى تجاوبًا بحسب قوله. وقد أعادوا الطلب ذاته قبل أيام حيث طلبوا من المحامي السويدي خلال اجتماعهم به في مدينة الكرك حضور بعض جلسات استجواب كريّم في السويد، والذي أكد لهم إمكانية حدوث ذلك مضيفًا أنه يمكن طلب جلب كريّم لمحاكمته في الأردن.
يُذكر أن كريّم وُلد عام 1992 في منطقة مالمو السويدية المكتظة بالمهاجرين. وقد وصفه المقربون بأنه شاب عادي عاطل عن العمل، وعندما اختفى من السويد، لم يتوقع أحدهم ذهابه للقتال في سوريا حتى نشر صورًا لنفسه على فيسبوك حاملًا مسدسًا، ثم اتصل بعائلته في السويد ليخبرهم بانضمامه إلى تنظيم الدولة وأنه لن يعود من سوريا، علمًا بأنه لم يشغل منصبًا قياديًا في التنظيم. وكان خلال محاكمته في فرنسا عام 2021 قد اعترف بالمشاركة في جرائم بسيطة من أجل المال حين كان بالسويد، قائلًا: «من قبل، لم تكن لدي مشاكل مثل اليوم. ولكن بعد الحرب، تصلّب قلبي».
وكان كريّم قد ظهر وهو في عمر الحادية عشرة في فيلم وثائقي حول «الاندماج الناجح للمهاجرين في السويد» باعتباره طفلًا رياضيًا مندمجًا في المجتمع السويدي. وقد أثار هذا الفيديو الاهتمام والاستغراب، حتى أن رئيس المحكمة الفرنسية سأل كريّم: «هل شعرت بالاندماج الجيد في المجتمع السويدي في ذلك الوقت؟»، ليرد عليه: «لا. لقد عشت في مكان لم يكن فيه أي سويديين».
لم يُحدد بعد موعد جلسة الاستماع القادمة في المحكمة السويدية، لكن عائلة الكساسبة أخبرت المحامي أنهم يريدون معرفة كافة تفاصيل الجريمة: «إذا ثبت هذا الكلام، هو ودّه يشرح قضية قتل معاذ من الألف إلى الياء (..) كيف معاذ أُسقطت طائرته؟ مين أسقطها؟ وشو دوركم في إسقاط الطائرة؟ شو قال لما ألقيتم القبض عليه؟ وين رحتوا بيه؟ إلى آخره» يقول والد معاذ، وهي الأسئلة التي كانت العائلة قد طالبت بالحصول على إجابات لها أثناء محاكمة الجمل في العراق.
بعد 10 أعوام، ما يزال والد الشهيد الكساسبة يتساءل عن مكان رفاته، وقد طلب من المحامي استجواب كريّم ليدلّهم على مكان دفنه في سوريا: «الآن الوضع في سوريا هادي، وبإمكان الدولة إنها تبحث عن رفات معاذ (..) إحنا راجعين نسأل هذا المجرم، إذا كان ثبت عليه، إنه يورينا وين رفات معاذ؟ وين دفنتوا معاذ؟».
المصدر / خبر الاردنية
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات