الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / “بيغوم تي في” قناة تلفزيونية أفغانية تبث من باريس وتخاطب الأفغانيات المحرومات من حقوقهن

“بيغوم تي في” قناة تلفزيونية أفغانية تبث من باريس وتخاطب الأفغانيات المحرومات من حقوقهن

فيينا / الأربعاء 19 . 02 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية

تحاول قناة “بيغوم تي في” إعادة الأمل للنساء الأفغانيات اللاتي حرمتهن حكومة طالبان من حقوقهن الأساسية. تتكون هيئة تحريرها من صحفيات أفغانيات يعشن في المنفى بباريس.

تكتسي هذه القناة أهمية بالغة في عيون هؤلاء النساء كونها تقدم برامج تعليمية وترفيهية، لا سيما بعدما قررت السلطات في كابول حظر إذاعة “بيغوم”، آخرالوسائل الإعلامية المخصصة للنساء في البلاد.

كيف يمكن لإنسان أن يتخيل أن وراء جدران أحد المبانى في العاصمة الفرنسية باريس يقبع واحد من آخر آمال الفتيات الأفغانيات المحرومات من معظم حقوقهن في أفغانستان. منذ 8 مارس/ أذار 2024، شرعت قناة “بيغوم تي في” التي تعمل فيها صحفيات أفغانيات، في البث على مدار 24 ساعة من باريس.

تقول حميدة أمان، الصحفية السويسرية الأفغانية التي أسست منظمة “بيغوم” للنساء: “تعتبر قناة بيغوم تي في النافذة الوحيدة المفتوحة على العالم للنساء الأفغانيات ووسيلتهن الوحيدة للتسلية”.

تملك حميدة أمان خبرة كبيرة في مجال البث التلفزيوني. إذ أدارت مشاريع سمعية بصرية وتعليمية عديدة في أفغانستان حيث يتوافر لعائلة أفغانية واحدة من أصل اثنتين هوائي يسمح باستقبال البرامج التلفزيونية من الخارج على الأقمار الاصطناعية، وذلك فق دراسة أجراها مجمع “بي بي سي ميديا سيرفي” في عام 2023.

La journaliste Diba Akbari présente un programme de santé mentale à destination des Afghanes.
الصحفية الأفغانية ديبا أبكاري تقدم برنامج طبي مخصص حول الصحة النفسية. © بهار ماكويي /فرانس24

على “بيغوم تي في”، يمكن للشابات الأفغانيات مشاهدة ست ساعات من البرامج التعليمية كل يوم. من المرحلة المتوسطة حتى الثانوية، تم تسجيل جميع الدروس باللغة الدارية والبشتونية – اللغتين الأكثر استعمالا في البلاد.

يتم بث هذه الدروس عدة مرات يوميا. مما يوفر للفتيات المحرومات من المدارس فرصة للتعلم. كما تنشر الوسيلة الإعلامية دروسا عبر الإنترنت وقريبا عبر الهاتف الجوال والحواسيب اللوحية…

منذ عودة طالبان إلى السلطة في عام 2021، تدهورت حقوق وحريات النساء الأفغانيات بشكل كبير. تم حظر تعليم الفتيات بعد المدرسة الابتدائية. فيما لم يعد يُسمح للنساء بالخروج بمفردهن ولا حتى الذهاب إلى الحدائق أو إلى صالات الرياضة أو صالونات التجميل. تم طردهن من معظم مرافق الحياة العامة. ومؤخرا، لم يعد يُسمح لهن حتى بالغناء أو إلقاء الشعر.

وقد تمت المصادقة على هذا القانون في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي. ولم يكتف هذا القانون بمنعهن من الذهاب إلى المدارس أو إلى الصالونات فقط بل يشجعهن أيضا على “خفض” أصواتهن و”تغطية” أجسادهن خارج المنزل.  لكن رغم توقف بعض الإذاعات والتلفزيونات المحلية عن بث الأصوات النسائية، لا زالت أصوات صحفيات قناة “بيغوم تي في” تعلو في الأثير.

تعتبر حميدة أمان، أن قناة “بيغوم تي في” الممولة من قبل منظمة غير حكومية، “نافذة للتنفس”. وقالت لفرانس24: «الجيل الجديد من الفتيات الأفغانيات اللواتي يشاهدن هذه القناة هو الجيل الذي ينمو تحت نظام طالبان. ما نريده هو أن يحتفظن بالأمل ويدركن بأن كل شيء ممكن”.

برامج صحية للنساء

بالإضافة إلى الدروس، تبث القناة باقة متنوعة من البرامج تشمل الترفيه والقضايا الطبية والصحة النفسية. في الاستوديو، ذي الصورة الخلفية المزينة باللون الأخضر، تستجوب الصحفية سايرة أكاخيل طبيب عيون أفغاني عبر الهاتف متخصص في جراحة عدسات العين.

Dans cette émission de Begum TV, des psychologues répondent en direct aux appels téléphoniques des Afghanes.
في هذا البرنامج، يجيب أخصائيون في علم النفس عن تساؤلات المشاهدين. © بهار ماكويي /فرانس24

هذه المذيعة الأفغانية، التي وصلت إلى فرنسا منذ عامين، تقدم برنامجا لتبسيط المعلومات الطبية والنصائح الصحية، لا سيما باتجاه الأطفال الصغار، كما صرحت بعد نهاية حصة التسجيل.

وأوضحت: ” بعض النساء يتناولن أي دواء يقدمه لهن قريب أو فرد من أفراد العائلة دون استشارة طبية. لكن عندما تكون المرأة حاملاً، فبعض هذه الأدوية لها آثار جانبية، ما جعل بعض الأطفال يصابون بمرض اعتام عدسة العين عند ولادتهم. وإذا تأخرن في علاجه، فهذا سيؤدي إلى أضرار أو يسبب إعاقة مدى الحياة”.

في ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت حركة طالبان حظر الدراسات الطبية على النساء بعدما كانت أحد المجالات القليلة التي  لا يزال مسموحا لهن التسجيل فيها.

وصف هذا القرار “بالكارثي” في هذا البلد الذي يعاني من نقص مقلق في الكوادر الصحية، خاصة النسائية. فالعديد من الأفغانيات لم يعد بإمكانهن تلقي العلاج كون أنه لا يحق للرجال الأطباء فحصهن في حال لم تكن مصحوبة بقريب من العائلة. ونتيجة لهذه السياسة، أصبحت أفغانستان تحتل المراتب الأولى من حيث معدل الوفيات التي تصيب الأمهات في العالم.

هذا، وتشعر سايرة  أكاخيل  أن عملها كصحفية أصبح يكتسي أهمية كبرى بسبب العقبات التي تعرقل حياة النساء في أفغانستان. وقالت في هذا الشأن: ” أنا فخورة بمساعدة الأفغانيات من باريس”.

أكثر من ذلك، تشعر سايرة أكاخيل بأن هيئة تحرير “بيغوم تي في” هي عائلتها الجديدة. وصلت إلى فرنسا وعمرها لم يتجاوز 25 عاما. كانت تعمل مذيعة في التلفزيون الأفغاني حيث تقدم برامج ترفيهية للشباب والعائلات على عدة قنوات، مثل “أريانا تي في”. لكن في نهاية المطاف، العديد من المذيعات اضطررن إلى تغطية وجوههن من أجل الظهور على الشاشة.

مستمعات يتصلن مباشرة من كابول

ومن جهتها تضيف حميدة أمان:” يمكننا من هنا (أي من باريس) التحدث عن كل شيء. في الطب، نتناول بدون أي محرمات مشاكل التوليد وأمراض النساء ووسائل منع الحمل وآلام الدورة الشهرية. كما نركز كثيرا على الأطفال والمراهقين لأنهم الفئة التي تعاني كثيرا في الوقت الحالي”.

Les présentatrices de Begum TV (de gauche à droite) Golalai Karimi, Marina Gulbahari, Saira Akakhil et Diba Akbari et la fondatrice de Begum Hamida Aman (en robe bleue).
مذيعات قناة “بيغوم تي في” من اليسار إلى اليمين ( غولافاي كريمي، مارينا غولبهاري، سايرة أكاخيل، ديبا أبكاري والمؤسسة حميدة أمان) © بهار ماكويي /فرانس24

وأمام جهاز الحاسوب، تعمل ديبا أكبر، وهي صحفية أفغانية أخرى في فريق “بيغوم تي في” على إعداد برنامجها المتمثل في حوار أسبوعي بعنوان “تبسم”، والذي يعني “ابتسامة” باللغة الدارية. يهتم هذا البرنامج بالصحة النفسية ويسمح للمستمعات الأفغانيات بطرح أسئلة على الإخصائيين النفسيين الذين يجيبون عليها.

اتصلت سارة، 25 عاما، من كابول. هذه الشابة تشعر بالاكتئاب. وقالت على الهواء: “لم أعد أستطيع التحكم في مشاعري. لم أعد أشعر بشيء. لا أريد الخروج، ولا أريد البقاء في المنزل أيضا. لا أستطيع التنفس”.

وبهدوء، سألت الأخصائية النفسية الأفغانية المقيمة في الدنمارك الشابة وطلبت منها تحديد متى بدأت تشعر بهذا الاكتئاب؟ وأجابت سارة: “منذ عام، أي منذ أن حرمت من الذهاب إلى العمل”.

هذه الحالة ليست معزولة في أفغانستان وفق الأخصائية النفسية التي نصحت سارة قائلة لها: “حاولي التركيز على ما تقومين به بشكل جيد كل يوم. اكتبي نقاط قوتك وركزي على كل فرصة تتاح لك. وارسمي خطة لتجنب الاستسلام.

“تتلقى الصحفية الشابة حميدة أمان العديد من نداءات الاستغاثة مثل نداء سارة، واصفة هذه الاتصالات  “بالمؤثرة”. 

هذا، وتشير البيانات التي تم جمعها في أغسطس/آب 2023 في المستشفيات العامة وعيادات الصحة النفسية من قبل جريدة “الغارديان” بالشراكة مع “زو تايمز”، وهي هيئة تحرير تحقيقات تديرها أفغانيات إلى ” زيادة مقلقة لعدد النساء والفتيات اللواتي انتحرن أو حاولن الانتحار منذ أن سيطرت حركة طالبان على أفغانستان”.

وأضافت ديبا أكبر : ” نحاول تقديم على الهواء حلولا ملموسة لتحسين الوضع. هناك أشخاص يبقون على المباشر لمدة ساعة ليتمكنوا من الظهور على الشاشة. كما أن هناك العديد من الأسئلة المطروحة على صفحتنا على فيسبوك”.

الصورةالتي نقدمهاعن المرأة ليست الصورة التي يريدون تقديمها

وجاءت الصحفية التي تبلغ من العمر 24 عاما إلى فرنسا في عام 2022 بعد أن هربت من طالبان. في كابول، كانت تقدم نشرة الأخبار المبرمجة على الساعة السادسة مساء. كما تعمل أيضا مصورة ميدانية لراديو وتلفزيون سابا. أما في فرنسا، فبدأت تأخذ دروسا في اللغة الفرنسية وتخصص الوقت المتبقي لها لإعادة بناء حياتها من جديد.

يضم فريق “بيغوم تي في” صحفيات أفغانيات لاجئات في فرنسا. من بينهن مارينا غلبهاري.  هذه الأخيرة كانت تعمل في السابق كممثلة معروفة في فرنسا ولعبت في فيلم “أسامة” الذي فاز بإشادة خاصة من لجنة تحكيم جائزة “الكاميرا الذهبية” في مهرجان كان عام 2003. وكانت تلعب دور فتاة صغيرة مضطرة لارتداء ملابس الأولاد للهروب من عقوبات طالبان خلال سيطرتهم الأولى على البلاد في عام 1996.

بعد ثلاثين عاما، تتكرر القصة حيث هي الآن تقدم برنامج “شاد نامه”. تستضيف فيه الأفغانيات الموهوبات، غالبا فنانات أو مغنيات، لإسعاد المشاهدات. “يأخذ البرنامج شكل محادثة بين الصديقات”، حسب وصف حميدة أمان.

على “بيغوم تي في”، لا يتم نشر معلومات تبعث على القلق لأن الأفغانيات يعشن أصلا في جو من القلق. فهي بالعكس تريد إلهاءهن عن مشاكلهن اليومية.

لهذا السبب: “يطلب منا تقديم محتوى خفيفا. نبث أيضا مسلسلات، موسيقى، وبرامج مضحكة”، تشير مديرة القناة. في الوقت الحالي، يمكن للمشاهدات متابعة قصة أميرة هندية تتولى السلطة على حساب إخوتها. كما يتم بث أيضا برنامج علمي فرنسي مترجم إلى اللغة الدارية بعنوان ” “ليس سحريا”.

“وتابعت : “لا ننشر برامج سياسة أيضا. نريد أن تكون قناتنا غير سياسية، وفي خدمة النساء”. ومع ذلك، تلاحظ حميدة أمان أن “طالبان لا تحبنا ولا تقدرنا لأن الصورة التي نقدمها عن المرأة ليست الصورة التي يريدون تسويقها. نحن نستضيف نساء قويات. نساء يقدمن النصائح ويلهمن المشاهدات. نريد أن نبين لهم بأن المرأة الأفغانية ليست كالمرأة التي يريدون إظهارها. ليست المرأة التي تبقى في المنزل وتنجب وتربي الأطفال وتقضي وقتها في رعايتهم”.

ويكتسي هذا العمل الصحفي الذي تقوم به النساء الأفغانيات في باريس أهمية كبيرة خاصة بعد ما قررت حركة طالبان تعليق إذاعة “بيغوم” التي تبث من كابول في 4 فبراير/شباط والتي تعرضت مكاتبها إلى المداهمة. ما أدى إلى اعتقال موظفتين من العاملين فيها.

 المصدر / فرانس 24

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً