السيمر / الاثنين 19 . 08 . 2017
هند بشير يونس
يدور الجدل حاليا حول ما كتبه ( كرستوفر لوكسمبرغ ) حول علاقة لغة القران باللغة الآرامية السورية. وقد رد الكثير من متخصصي اللغات السامية على ادعاءات لكسمبورغ بان العربية جاءت من الاصل وهو الارامية. وقالوا بان اللغة العربية هي أقدم لغة , وحتى لو افترضنا انها تلتقي مع العبرية والارامية في الاصل كونها كلها لغات سامية (اي فروع شجرة جذعها واحد) فمن الطبيعي أن تلتقي في عدد من الالفاظ. فلماذا يعتبر الباحث ان الاصل هو اللغة الارامية؟ولماذا يفسر الالفاظ العربية بمعاني لغات اخرى؟
احتج لوكسمبرغ بأن اللغة العربية لم تكن معجمة (منقّطة)وانها أخذت نظام الاعجام (التنقيط) عن السريانية, وهذا الامر غير صحيح اذ ان في العربية خمسة عشر حرفا من حروف الابجدية منقطا (ب ت ث ج خ ق ف ض ظ ذ ز ش ن غ ة), اما في السريانية فهناك حرفان منقطان لا غير وكلاهما يكتبان مثا حرف 6 بالعربي احدها والنقطة داخله والاخر والنقطة خارجه. فهل من المعقول ان لغة لم تعجم الا بحرفين ألهمت لغة أعجمت خمسة عشر حرفا؟
يدعي لوكسمبرغ ان حركات الاعراب (الفتحة والضمة والكسرة والسكون والتشديد) أخذت من السريانية وان في السريانية الغربية خمسة حركات للاعراب, وفي السريانية الشرقية سبع حركات. وهذا ايضا غير صحيح لان اول من تحدث عن حركات الاعراب في السريانية هو الاسقف يعقوب (او يوسف) الرهاوي الذي توفي سنة 708 ميلادية في حين اننا نعرف ان أبو الأسود الدؤلي المتوفي سنة 688 ميلادية هو الذي ابتدع نظام حركات الاعراب. فلم لا يكون الرهاوي هو من اخذ عن ابي الاسود الدؤلي؟ زعم الباحث ايضا بان الخط العربي خط متأخر ومأخوذ من النموذج السرياني وانه لم يكن متطورا ولا ناضجا عند نزول القران وان القران نقل مشافهة في حين ان هناك شواهد كثيرة تبين قدم الكتابة العربية وهناك مخطوطات تعود الى القرن الثالث الميلادي:
http://www.islamic-awareness.org/History/Islam/Inscriptions
وقد رد احد المستشرقين الالمان على لوكسمبرغ بسخرية قائلا ان القران لم ينقل مشافهة وانما كتابة.
يدّعي لوكسمبرغ ان الحروف التي افتتحت بها تسع وعشرون سورة من القران الكريم لها معان في اللغة السريانية والعبرية, ويقرر الباحث ان الحروف العربية ليس لها معان في حين ان لكل حرف في الارامية معنى, وهذا غير صحيح. فللحروف العربية معان: فحرف (ع) يعني العين الباصرة , ويعني عين ماء, ويعني جاسوس. و(ه) في العربية تعني خذ, و (ل) من معانيها اللوم, و (ن) من معانيها الحوت وجمعها نينان …الخ
يقول احد الباحثين (د. عادل با ناعمة) بان هناك فرق كبير بين محاولة تفسير ظاهرة لغوية في لغة ما بالاستعانة بلغة اخرى, وبين اقحام قواعد اللغة الاخرى ودلالاتها على اللغة الاولى. ومثل ذلك ان تكون لفظة ما لها معنى معروف في لغتها, قررته معاجمها, ونطق به شعراؤها وشرحه لغويوها فيأتي احدهم ويرفض هذا المعنى جملة” يقترح معنى اخر للكلمة لمجرد ان اللغة الاخرى فيها لفظ مشابه او حروف مقاربة, هذا ليس درسا لغويا بل هو اقرب الى العبث اللغوي….مثلا لا يمكن ان ألزم العربية ب(هاء) التعريف بدلا من (ال) التعريف لان العبرية تستخدم (ها) للدلالة على التعريف. ولا يمكنني أن أجئ الى كلمة (هذا) فأصرّ على أن الهاء فيها بمعنى (ال) لمجرد ورود ذلك في العبرية, واتجاهل التخريج العربي لها بأنها حرف تنبيه.
هناك دراسات عديدة قدمت فيها شواهد كثيرة على أولية اللغة العربية وعلى أنها أصل اللغات وأمها (د. تحية عبد العزيز اسماعيل, د. أحمد داود). أما دعوى كون العربية فرعا عن الارامية أو لهجة من لهجاتها فينقصها الاستدلال والبرهان.