فيينا / السبت 26. 04 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
زيد شحاثه
في زيارة لا تبتعد عن السياسية مطلقا، وتحمل أبعاداً متعددة ورسائل دقيقة موجهة إلى الداخل والخارج، زار السيد عمار الحكيم مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، ضمن سلسلة تحركاته الهادئة لتعزيز التواصل الوطني والإنفتاح على مختلف شرائح المجتمع العراقي ومناطقه.. لكن ما يُضفي على هذه الزيارة طابعاً خاصاً هو تزامنها مع ذكرى سقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان 2003، وهي نقطة تحوّل في تاريخ العراق الحديث، وبداية لمرحلة سياسية جديدة قامت على التعددية والديمقراطية وحكم الأغلبية.
بدوا أن إختيار السيد الحكيم لهذا التوقيت بالذات، محاولة لربط الحاضر بالماضي، وإرسال رسالة مفادها أن العراق تجاوز مرحلة التسلط والدكتاتورية وحكم الأقلية، وأن البناء الجديد للدولة يجب أن يستند إلى قواعد ثابتة وواضحة، في مقدمتها احترام الأغلبية السياسية والمجتمعية، التي يشكلها الشيعة في البلاد.. وتكريت التي كانت يوماً رمزاً للهيمنة المطلقة تحت نظام صدام، باتت تستقبل أحد أبرز وجوه الاعتدال السياسي الشيعي، في دلالة واضحة على تحوّل المعادلة العراقية..
لعل أبرز ما يميز الخطاب السياسي للسيد عمار الحكيم، الذي كرّسه خلال الزيارة، تأكيده المتواصل بأن الأغلبية الشيعية ليست مجرد رقم أو حالة عابرة، بل هي حقيقة راسخة تُعبّر عن نفسها في كل استحقاق ديمقراطي منذ عام 2003، وإن الحديث عن تجاوز هذا الواقع أو الدعوة لنسف النظام السياسي القائم، هو ضرب من التمنيات التي لا تستند إلى منطق سياسي أو اجتماعي.
السيد الحكيم حامل مشروع “الاعتدال الشيعي” الذي يُعيد صياغة العلاقة بين المكون الشيعي، وبقية المكونات العراقية على أساس التفاهم والاحترام المتبادل، لا على أساس التنازل أو الاستقواء، فهو لا يدعو لحكم طائفي أو إقصائي، بل لحكم واقعي يعترف بأن الشيعة، بصفتهم الأغلبية العددية والسياسية، لهم الحق الطبيعي في قيادة الدولة العراقية، تماماً كما هو الحال في أي نظام ديمقراطي يحترم إرادة صناديق الاقتراع.
ما يمزي مشروع الحكيم أنه يضع هذا الحق في إطار المسؤولية، مؤكداً أن قيادة الشيعة للدولة لا تعني تهميش بقية المكونات، بل تعني الشراكة معهم في إطار التوازن، دون المساس بثوابت الأغلبية.. ومن هذا المنطلق، فإن زيارته إلى مدينة مثل تكريت، ليست فقط انفتاحاً على منطقة “سنّية” بل تأكيدٌ على أن الحكم لا يُبنى على التنافر الطائفي، وإنما على إدراك كل مكوّن لموقعه الطبيعي ضمن المعادلة الوطنية.
لقد كان الحكيم واضحاً في أكثر من خطاب ومناسبة، بأن الشيعة ليسوا طارئين على الدولة العراقية، ولا ينبغي التعامل معهم وكأن وجودهم في السلطة حالة استثنائية، وإنما هم الأغلبية التي دفعت ثمناً باهظاً لأجل التغيير، ويحق لها أن تقود مشروع بناء الدولة لا من موقع الغلبة، بل من موقع الاستحقاق الطبيعي، الذي تُقرّه المعادلات السياسية والانتخابات الحرة.
زيارة الحكيم إلى تكريت في يوم سقوط الطاغية، لا يمكن فصلها عن السياق العام لرؤيته السياسية، بأن العراق الجديد يجب أن يُدار من خلال الأغلبية، وتثبيت نظام سياسي يُوازن بين الحق والتنوع، ويمنح لكل مكوّن دوره، دون انتقاص أو هيمنة.. وهي رسالة قد تحمل بداية جديدة لمزيد من الانفتاح الوطني، دون المساس بجوهر المعادلة الواقعية التي تحكم العراق اليوم.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات