الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / سوريا: المكون الدرزي في حالة من القلق والخوف بعد اشتباكات دامية

سوريا: المكون الدرزي في حالة من القلق والخوف بعد اشتباكات دامية

فيينا / الجمعة 02 . 05 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

لقي 13 شخصا حتفهم الأربعاء في اشتباكات ذات خلفية طائفية في بلدة صحنايا قرب دمشق والتي يقطنها سكان من المكون الدرزي. يأتي هذا إثر اشتباكات مماثلة في مدينة جرمانا المحاذية لدمشق أيضا، خلفت 17 قتيلا عقب انتشار تسجيل صوتي نُسب لدرزي يسيء فيه للنبي محمد.

فبعد مرور نحو شهرين على المجزرة التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 1700 مدني، معظمهم من العلويين، تذكّر الأحداث الأخيرة المعاناة والشعور بعدم الأمن لدى المكون الدرزي في سوريا ما بعد الأسد، وحيرتهم بين ولائهم للوطن من جهة ويد إسرائيل المدودة لهم من جهة أخرى.

في بلدة صحنايا وعلى بعد بضعة كيلومترات فقط من العاصمة دمشق، أوقعت دوامة عنف 13 قتيلا -حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان– غالبيتهم من الأقلية الدرزية، في اشتباكات سادها الطابع الطائفي بين مسلحين موالين للسلطة وآخرين من الدروز.

وكانت قد نشبت مواجهات الثلاثاء في مدينة جرمانا المحاذية أيضا للعاصمة السورية، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 17 شخصا، بحسب حصيلة للمرصد، بينهم ثمانية من المقاتلين الدروز وتسعة من المسلحين “المهاجمين المرتبطين بالسلطة”، وكانت الشرارة التي أوقدت التوتر، تسجيل صوتي نسب لرجل درزي يسيء فيه للنبي محمد، وفق رجال الإنقاذ ومصادر أمنية.

وتشكل هذه الطائفة 3% من سكان سوريا. ويثير تجدد العنف في سوريا ضد الأقلية الدرزية على غرار أحداث جرمانا وصحنايا عدة تساؤلات. ولعل أبرزها: هل يمكن للأقليات أن تعيش في سلام في سوريا ما بعد الأسد، التي كانت على مدى التاريخ متعددة الطوائف ويحكمها الآن تحالف جزء منه ذو توجه إسلاماوي؟

وقبل نحو شهرين من هذه الاشتباكات التي أغرقت الدروز السوريين في دوامة عنف دامي، أكدت أعمال عنف استهدفت أقلية سورية أخرى المتمثلة في العلويين، هذه المخاوف. وقد قُتل أكثر من 1700 شخص في غرب سوريا (محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة)، غالبيتهم من العلويين، وجميعهم من المدنيين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

“أقل ارتباطًا” بنظام الرئيس المخلوع

وقد كان ينتمي سيد دمشق السابق بشار الأسد نفسه إلى الطائفة العلوية. وهي طائفة جعلها والده حافظ الأسد العمود الفقري للنظام.

ومن جانبهم، حافظ الدروز على توازن في علاقتهم مع النظام طوال أربعة عشر عاما من الحرب في سوريا. وقبلوا العيش تحت حماية الحكومة السورية في مواجهة التهديد الجهادي آنذاك. في حين، عملوا على تعزيز الحكم الذاتي في معاقلهم التقليدية.

وينظر المجتمع السوري إلى الدروز على أنهم اليوم “أقل ارتباطا” بنظام الرئيس المخلوع من العلويين، بحسب فابريس بالانش، الأستاذ المحاضر في جامعة ليون 2 وصاحب العديد من المؤلفات عن سوريا.

وتعتبر “العقيدة الدرزية” سرية، وقد تأثرت بتيارات دينية إسلامية ومسيحية وفلسفية قديمة ومتعددة على حد قول الباحث. كما يحيط بها الكثير من الغموض على غرار المذهب العلوي، ما يجعل عددا من أهل السنة يعتبرونهم زنادقة.

وخلال الحرب الأهلية في سوريا (مارس/آذار 2011 – ديسمبر/كانون الأول 2024)، غالبا ما كان الدروز محل استهداف الجماعات الجهادية.

في يونيو/حزيران 2015، هاجم مسلحون من “جبهة النصرة” قرية قلب لوزة الدرزية في شمال سوريا، وقتلوا على الأقل 20 شخصا. ويؤكد فابريس بالانش قائلا: “لقد تم اختطاف العديد من الأشخاص، وأُطلق سراح بعضهم مقابل فدية، وقتل البعض الآخر.” متهمين إياهم بدعم نظام الأسد.

ويوضح بالانش قائلا: إن “الدروز في مدن مثل السويداء، الذين تظاهروا سلميا ضد الأسد في عامي 2011 و2012، قبلوا أسلحة النظام وشكلوا ميليشيات”.

ويخيم شبح الحرب على العديد من السوريين، كأولئك الذين التقتهم  وكالة الأنباء الفرنسية بعد الاشتباكات في جرمانا الثلاثاء. مثل رهام وقاف (33 عاما) التي لزمت المنزل مع زوجها وأولادهما.

وقالت وقاف وهي موظفة في منظمة إنسانية “أخاف أن تتحول مدينة جرمانا إلى ساحة حرب أو أن نعلق هنا”.

وأضافت “أنا خائفة من توتر الوضع أكثر، كان يتوجب أن نأخذ أمي اليوم إلى المشفى لأخذ جرعة دوائية، لكن لم نتمكن من ذلك”.

ويشار إلى أن ممثلين عن الحكومة السورية ودروز جرمانا استطاعوا التوصل ليل الثلاثاء إلى اتفاق لاحتواء التصعيد. وقد نصّ هذا الاتفاق على “تعهد بالعمل على محاسبة المتورطين في الهجوم الأخير والعمل على تقديمهم للقضاء العادل”، إضافة إلى “توضيح حقيقة ما جرى إعلاميا والحد من التجييش الطائفي والمناطقي”. كما يتعين على الجهات الحكومية “العمل مباشرة” على تنفيذ كل بنوده.

“رسالة حازمة” ويد ممدودة

وفي شهر مارس/آذار الماضي، هزت بعض المناوشات معقل الدروز في سوريا الواقع في جنوب البلاد، بالقرب من الحدود مع إسرائيل. وكان قد هدد آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس بالتدخل عسكريا إذا أقدمت السلطات السورية الجديدة على القيام بأي عمل عنيف ضد الدروز. وهو ما حدث الأربعاء.

وأفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن إسرائيل شنت غارة جوية الأربعاء على “مجموعة متطرفة” قرب دمشق لتوجيه “رسالة حازمة” إلى السلطات في سوريا لحماية الطائفة الدرزية.

وفي بيان صادر عن مكتبه قال بنيامين نتانياهو “نفذ الجيش الإسرائيلي عملية تحذيرية واستهدف مجموعة متطرفة كانت تستعد لشن هجوم على السكان الدروز في بلدة صحنايا، في محيط دمشق بسوريا”. وأضاف البيان “تم نقل رسالة حازمة إلى النظام السوري، إسرائيل تتوقع منهم التحرك لمنع الإضرار بالطائفة الدرزية”.

وإلى ذلك، تحافظ إسرائيل على علاقة خاصة مع من يمثلون 1.6% من مواطنيها. وعلى عكس المواطنين العرب الآخرين في إسرائيل أي المسلمين أو المسيحيين، فإن الدروز يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلى جانب زملائهم اليهود.

وفي الصدد، يقول دافيد ريغوليه روز، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس: “عادة ما يثق الإسرائيليون بهذه الطائفة المندمجة في الدولة العبرية، والتي تعهد أفرادها المقيمون في إسرائيل بالولاء لها. وقد وصل بعضهم إلى رتب ضباط قادوا تشكيلات مرموقة في الجيش الإسرائيلي، مثل غسان عليان، أول قائد غير يهودي للواء غولاني أو الجنرال عماد فارس، الذي كان قائدا للواء جفعاتي من العام 2001 إلى العام 2003.

ويذكر أنه في منتصف شهر مارس/آذار الماضي، وكذلك في 25 أبريل/نيسان، تمكنت وفود كبيرة من شيوخ الدروز السوريين من السفر إلى إسرائيل لأداء فريضة الحج، على الرغم من حالة الحرب المستمرة بين البلدين.

واستغلت الدولة العبرية الفراغ الذي خلّفه سقوط نظام الأسد، فأرسلت قواتها إلى منطقة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان. الهضبة الواقعة في جنوب غرب سوريا التي احتلتها إسرائيل العام 1967، ثم استعمرتها مرة أخرى العام 1981.

وفي إطار مشاريع السيطرة على الأراضي في هذه المنطقة، يوضح دافيد ريغوليه روز قائلا: “من المرجح أن يشكل الدروز جزءا مهما على لعبة الشطرنج الجيوسياسية الإقليمية بالنسبة للإسرائيليين بسبب تموقعهم في البلدان المجاورة وخاصة في سوريا”.

وقد ضاعفت الدولة العبرية من مبادراتها “الخيرية” تجاه أبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وكلفت الدروز الإسرائيليين بتوصيل المساعدات الإنسانية إليهم.

ومن جانبه، يعلق فابريس بالانش قائلا إن إسرائيل “لا تثق بالنظام السوري الجديد وتكمن خطتها في تقسيم المجتمعات التي تسيطر عليها”. ويضيف الباحث: “بالنسبة لإسرائيل، فإن الاستراتيجية تتمثل في إضعاف هذا النظام الجديد، وإبقائه هشّا. وعليه، فإن إسرائيل تفضل أن يسود منطق الحكم الذاتي الطائفي” في المنطقة.

ولكن على أرض الواقع، يبدو أن الحكم الذاتي للدروز أمر غير وارد في ظل تشتت أفراد الطائفة الدرزية في سوريا، ما يعقد مهمة ظهور “درزستان” فريد من نوعه.

المصدر / فرانس 24

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات 

اترك تعليقاً