الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / لماذا ستكون دول الخليج أكبر الخاسرين إذا هُزم ترامب في انتخابات الرئاسة؟

لماذا ستكون دول الخليج أكبر الخاسرين إذا هُزم ترامب في انتخابات الرئاسة؟

السيمر / فيينا / الاثنين 03 . 08 . 2020 —- غدت الولايات المتحدة على بُعد بضعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية التي سيُتاح فيها للشعب الأمريكي الفرصةُ إما لإعادة انتخاب الرئيس الحالي دونالد ترامب، وإما لجعله أحد الرؤساء القلائل في تاريخ البلاد الذين تولوا لفترة رئاسية واحدة، عن طريق انتخاب خصمه الديمقراطي جو بايدن.

ومع أن الكثير من الأشياء من الممكن أن تحدث من الآن وحتى حلول موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فإن ترامب على كل حال يواجه معركة عصيبة لإعادة انتخابه. إذ تتوالى عليه الضربات بمزيج من الآثار المدمرة لتداعي منظومة الصحة العامة تحت وطأة انتشار جائحة كورونا، إلى جانب موجات الاحتجاج على وحشية الشرطة ضد الأمريكيين الأفارقة بعد حادثة القتل المتبجحة لجورج فلويد، وهي الأحداث التي جعلت حملة ترامب تواجه أزمة متفاقمة حالياً، إذ تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تقدم أيضاً بنسبة 50% إلى 41% لترامب.

الأرجح أن يفوز بايدن بالانتخابات

على الرغم من أنه ما زال من الممكن نظرياً لترامب أن يفوز بإعادة انتخاب له، في حين يخسر تصويت الجمهور، وهو ما سبق أن حدث معه بالفعل عندما هزمَ هيلاري كلينتون في عام 2016 رغم خسارته في تصويت الجمهور [بفوزه بعد ذلك في مجموع أصوات المجمع الانتخابي]، فإن ما يتردد حالياً أن بايدن يتقدم بالفعل في ولايات ساحة المعركة الرئيسية، وعلى رأسها ولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، التي فاز بها ترامب بفوارق ضئيلة في عام 2016 وكفلت له الانتصار بأصوات المجمّع الانتخابي.

باختصار، ما لم تحدث تغيرات عنيفة ما في البيئة السياسية خلال الفترة المقبلة، فإن الاحتمال الأقوى أن بايدن سيهزم ترامب وينتصر انتصاراً حاسماً في انتخابات الخريف المقبل الرئاسية، حتى إن ثمة فرصة جيدة في أن يستعيد الديمقراطيون الأغلبيةَ في مجلس الشيوخ، وهو ما قد يمنحهم هيمنة كبيرة على جميع فروع الحكومة الثلاثة. [التنفيذية الرئاسية والتشريعية والقضائية].

يمثّل ترامب، في أذهان منتقديه مزيجاً فريداً من الغطرسة والنرجسية والقسوة وانعدام الكفاءة والجشع والعنصرية. إذ تشهد السياسة الأمريكية في عهده، وبسببه، مستوياتٍ غير مسبوقة من الاستقطاب، ويواجه هو وجميع أولئك المرتبطين بصعوده إلى السلطة احتمالَ حدوث تراجعٍ عنيف في مكانتهم وحظوظهم السياسية إذا خسر هو وحلفاؤه الجمهوريون الانتخابات المقبلة.

من جانب آخر، شهدت سنوات ترامب إعادة معايرة غريبة للعلاقات الأمريكية العربية، في هيئة ما يعرف بـ”صفقة القرن”. وتستلزم الخطوط العامة للصفقة من الدول العربية، خاصة دول الخليج، التخلي عن أي مقاومة للطموحات الإسرائيلية في فلسطين، مقابل دعمٍ أمريكي وإسرائيلي كامل لدول الخليج في مواجهتها مع إيران.

إضافة إلى ذلك، برزَ جانب ثانٍ من العلاقة بمعاييرها الجديدة، يتمثّل هذا الجانب في نهجٍ لا يتضمن أي مساءلة من جانب الولايات المتحدة فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة إلى دول الخليج، ويزيد عليه، في الآن نفسه، غضُ الطرف منها عن انتهاكات حلفاء دول الخليج لحقوق الإنسان.

مبيعات الأسلحة

وفي هذا السياق، كان إصرار ترامب على بيع أسلحة هجومية ذات مستوى عالٍ إلى السعودية والإمارات مثيراً للجدل على نحو خاص، خاصةً مع المعارضة التي قابله بها الكونغرس الأمريكي، إضافة بالطبع إلى المعاناة الإنسانية الفادحة التي ألحقتها هاتان الدولتان بالشعب اليمني منذ تدخلها العسكري المباشر في الحرب الأهلية اليمنية في مارس/آذار 2015.

كما كشفت حادثة القتل المروعة للصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018 عن التناقضات البارزة في نهج ترامب التجاري والأقرب إلى عقد الصفقات فيما يتعلق بالتعامل مع العلاقات الخارجية الأمريكية، إذ قال ترامب وقتها إنه لن يعرّض للخطر عقود بيع الأسلحة إلى السعودية بما تنطوي عليه من أرباح كبيرة، من أجل البحث عن عدالة حقيقية أو الاستجابة لمطالب الكونغرس الأمريكي بأن تتحمل السعودية مسؤولياتها عن هذا العمل الإجرامي الفجّ.

وأبدى ترامب الاستعداد والقدرة على منح قادة دول الخليج الغطاءَ للمضي قدماً في تنفيذ أي سياسات يرونها ضرورية لأمنهم، والإطاحة بأي مساءلةٍ لهم تتعلق بحقوق الإنسان أو الديمقراطية، ما داموا هم من جانبهم يغضون الطرف عن إطلاق يد إسرائيل وسياساتها في فلسطين، ويواصلون شراء كميات فلكية من أسلحة الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدون الاستعداد الكامل للانخراط في مقاومة إيران في المنطقة.

وإذا افترضنا جدلاً التساوي بينهما في كل شيء، لن يكون من غير المتصور أن تدعم إدارة ديمقراطية هذه السياسات نفسها، ومع ذلك فإن كل شيء يفعله ترامب مثير للانقسام. فكثير من الديمقراطيين لم يستوعبوا تبني ترامب للحكام الديكتاتوريين العرب، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على أنه استراتيجية محنكة لتعزيز المصالح الأمريكية، بل رأوه بصورة مجردة تبنياً لمستبدٍ سلطوي آخر، لرفيق في المجتمع العالمي يعمل في تحدٍ مفتوح للشرعية الدولية.

وخلاصة الأمر أنه، حتى مع تأمين دول الخليج لنفسها حليفاً مؤثراً في البيت الأبيض، سواء في مواجهتها مع إيران أو في مواجهاتها المحلية مع الإصلاحيين في الداخل، فإنها على ما يبدو استهانت بالدرجة التي بات ينظر بها إليهم الأمريكيون الآن على أنهم مرتبطون بترامب ارتباطاً لا رجعة فيه، وهي حقيقةٌ تجعلهم منبوذين فعلياً لأكثر من نصف الأمريكيين، الذين من جانبهم يزدرون ترامب.

إعادة ضبط العلاقات الأمريكية – الخليجية

هناك احتمال قوي بأنه في حال انتصار الديمقراطيين انتصاراً حاسماً في الانتخابات الرئاسية هذا العام، فإن إدارة بايدن وقادة الكونغرس الديمقراطيين سيسعون إلى إعادة تشكيل كاملة للعلاقات الأمريكية الخليجية.

وفي هذا السياق، فإن اتخاذ موقف متشدد حيال تلك الأنظمة سيأتي بتكلفة منخفضة نسبياً للولايات المتحدة على المستوى الدولي، غير أنه إضافة إلى ذلك يحظى بدعم كبير من الجمهور المحلي الأمريكي. سيكون التحالف الذي يحل محل ترامب تحالفاً متعدد الأعراق والأديان ويضم مختلف الطبقات العاملة، كما أنه سيأتي باستجابة مدركةٍ تمامَ الإدراك لقضايا عدم المساواة في الدخل والثروة، ومستوعبةٍ لما يقتضيه احترام حقوق الإنسان.

لن يكون الديمقراطيون متعاطفين بهذه الدرجة الكبيرة مع دول الخليج في ضوء ثرواتها الهائلة (الريعية غير المبنية على إنتاج)، والدخول الضخمة وحجم التفاوت في الثروات التي تشهده تلك الدول، علاوة على ازدرائها لحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. ومن ثم يمكن لهذه الدول بسهولة أن تصبح موضعاً دائماً لهجوم إدارة بايدن الجديدة.

ومن الجدير بالذكر هنا، أن بيرني ساندرز، وإن لم يفُز بالترشيح الديمقراطي لسباق الرئاسة، فإنه يظل ذا شعبية كبيرة في قاعدة الحزب، ولا شك في أن تلك القاعدة تنزع إلى تأييد مثله العليا وآرائه. هذه الآراء تشمل على سبيل المثال، الإدانة العلنية لسياسات السعودية، ومن المحتمل أنها باتت تمثل الآن آراء الغالبية العظمى من الناخبين والناشطين في الحزب الديمقراطي.

إضافة إلى ذلك، فإنه مع تراجعِ حاجة الاقتصاد العالمي إلى نفط الخليج، لصعود تكنولوجيات الطاقة البديلة واكتشاف حقول نفط جديدة ضخمة في أمريكا الشمالية، تراجعت الأهمية العالمية لدول الخليج، وستستمر تلك الأهمية في التداعي. كما أن انهيار أسعار النفط في أعقاب جائحة كورونا أدى إلى تسريع المضي في هذا الاتجاه.

هذا بالإضافة إلى أن الطبيعة الهشة للأنظمة الخليجية جعلت منها أكثر اعتماداً على الدعم الخارجي للبقاء. غير أن الأمريكيين شيئاً فشيئاً باتوا أقل استعداداً لتقديم هذا الدعم، خاصة إذا كان ذلك يعني المخاطرة بخسائر كبيرة، كما قد يحدث في حال إشعال معركة جديدة مع إيران.

أسئلة وجودية

كل ذلك سيكون حقيقة واقعة، خاصة إذا انتصر بايدن على ترامب في الانتخابات ونظر سكان الولايات المتحدة إلى دول الخليج من خلال عدسة تستحضر علاقاتها السابقة مع رئيس مُزدرى وفاشل. وفي الوقت نفسه، من المستبعد أن تتمكن قوى خارجية أخرى، مثل روسيا والصين، من استبدال الولايات المتحدة ضامناً لأمن دول الخليج.

ومن ثم، فإن دول الخليج أصبحت تواجه أكثر فأكثر أسئلةً تتعلق بصميم وجودها ذاته: إذ يمكنها إما أن تسعى إلى تعزيز أمنها من خلال إعادة تأسيس دولِها على أسس ديمقراطية والعمل على تحقيق سلامٍ وتكامل وتنمية إقليمية، وهو أمر يتطلب إعادة توزيع جذرية (أكثر إنصافاً) للسياسة والقوة الاقتصادية، وإما أن تستمر في التطبيع علنياً مع إسرائيل والاصطفاف وراءها حتى تصبح دولاً تابعة لها.

إذا رفضت دول الخليج القيام بإصلاحات سياسية جذرية، على الصعيد المحلي وفي السياسات الإقليمية، فسيتبيّن لهم في نهاية الأمر أن إسرائيل، التي لديها مصلحة دائمة في الإبقاء على انتشار الفوضى في المنطقة العربية، هي الدولة الوحيدة التي يمكنهم الاعتماد عليها اعتماداً موثوقاً في الإبقاء على الوضع الراهن.

ومع ذلك، فإن الاصطفاف الصريح إلى جانب إسرائيل، على الرغم من المحاولات الواضحة على نحو متزايد لإرساء الأسس لتطبيع العلاقات، سيظل يحمل مخاطر كبيرة على دول الخليج، خاصة مع مضي إسرائيل بأقصى عزمها في اتجاه ترسيخ سياسات الضم والفصل العنصري بحكم القانون. والواقع الآن أنه من المستبعد أن تشهد دول الخليج، التي راهنت بالكثير على ترامب، مكافأة كبيرة جزاءَ رهانِها قبل نهاية فترة ولايته الأولى، لكن الأدهى والأشد مفارقة، أنها ستكون الآن من بين أكبر الخاسرين إذا خسر هو والجمهوريون خسارة حاسمة في انتخابات هذا العام.

عربي بوست

ترجمة عن موقع Middle East Eye البريطاني

اترك تعليقاً