الرئيسية / مقالات / تراخي الحكومة في تنفيذ خطة الاصلاح

تراخي الحكومة في تنفيذ خطة الاصلاح

السيمر / الجمعة 01 . 04 . 2016

د . عادل عامر / مصر

أن الإصلاح الاقتصادى مرهون بحل الأزمة التاريخية الخاصة باستمرار الاعتماد على معايير اختيار قيادات أجهزة الدولة بنفس الطرق القديمة، والحد من إصدار القوانين والتعديلات التشريعية التى يترتب عليها تعميق وتراكم مظاهر البيروقراطية، وتجاهل أزمات وجودها. إن أي خطة لإصلاح الهيكل الإداري للحكومة مرتبطة بتطبيق “الحوكمة” في كل المحافل لم تشرح حتى الآن خطتها التفصيلية بشأن الأمر، في ظل صعوبة الحصول على معلومات كافية حول عدد المعاملات التي ينجزها الموظفون الحكوميون للمواطنين يوميا، أو حتى قياس رضا المواطنين عن المصالح الحكومية التي يتعاملون معها.
أن لجوء الحكومة لاستخدام الإنترنت لتسهيل خدمات المواطنين، يعتمد على مدى قدرة المواطن على استخدام التكنولوجيا، وهو أمر يحتاج إلى تدريب المواطنين والموظفين، في فترة لن تكون قصيرة، و قبل أي شيء، يجب على الحكومة تفعيل نظام الإدارة على رؤساء المصالح الحكومية قبل موظفيها، في وقت تعمل فيه كل جهة بمبدأ (الجزر المنعزلة)”.
إن مصر لا تزال تمتلك فرصة ذهبية في تحقيق التنمية الاقتصادية، وأن تكون أهم دولة جاذبة للاستثمار خلال السنوات الثلاث المقبلة، بدعم من امتلاكها جميع المقومات اللازمة للوصول إلى تلك النتيجة، سواء على مستوى حجم السوق أو الموقع الجغرافى أو البنية الأساسية المتوفرة. وقد تبنت الحكومة حتى الآن مجموعة من السياسات والقوانين التي تهدف لإبطاء نمو المجتمعات العشوائية أو وقفه، إلا أن نجاحها في تطوير المناطق العشوائية أو إزالتها اقتصر على مجتمعات بعينها فقط، ولم يتمكن من إبطاء معدل نموها.
ما هو عدد المناطق العشوائية في مصر؟ لا أحد يعرف الإجابة على وجه اليقين. في القاهرة، تلك المدينة التي نعرف الكثير عن المناطق العشوائية بها، تقول وزارة الإسكان إن ٤٠ في المائة من السكان يعيشون في مناطق عشوائية. وبناء على أرقام التعداد ما بين عامي ١٩٩٦ و ٢٠٠٦، فإن تلك النسبة قد تصل إلى 67 في المائة (سيمز، ٢٠١٢)، والأرجح هو أن تكون تلك النسبة قد ارتفعت منذ ثورة ٢٠١١.
أما في بقية أنحاء البلاد، فالمعلومات المتاحة أقل بكثير. في الإسكندرية، يعتقد دافيد سيمز، وهو باحث مخضرم في الشأن العمراني بمصر، أن 40 في المائة على الأقل من السكان يعيشون في مناطق عشوائية. وفى بعض المدن الأصغر في صعيد مصر والدلتا، من المتوقع أن تكون النسبة أعلى بكثير (سيمز، ٢٠١٣). إلا أن الأرقام التي يمدنا بها أحد المصادر الرسمية للمعلومات، وهو صندوق تطوير المناطق العشوائية، تشير إلى أن 75 في المائة من المناطق العمرانية بالمدن والقرى في مختلف أنحاء مصر هي غير مخططة وأن حوالي ١ في المائة من تلك المناطق غير آمن (صندوق تطوير المناطق العشوائية، ٢٠١٣).
بغض النظر عن التضارب الذي نراه في تلك الأرقام، فإنها جميعاً تشير إلى النمو الكبير للمناطق العشوائية. وسيكون لطريقة تعامل الحكومة مع المناطق العشوائية على مر العقود القليلة المقبلة أثراً كبيراً على مستقبل المدن في مختلف أنحاء الجمهورية. كما أن مقاربة الحكومة في التعامل مع المناطق العشوائية يوضح فلسفتها تجاه المدينة، وما يعتبره المسئولون الحكوميون نموذجاً لها، وما يعتقدون أنه نوعية الأشخاص الذين يجب أن يعيشوا في المدينة، ومن الذي يرون أن له الحق في اتخاذ القرارات الخاصة بشكل المدينة.
أن نهضة الاقتصاد المصرى لن تتحقق إلا بالنهضة الصناعية التى تستلزم اتخاذ إجراءات أكثر تيسيرا ودعما للمصنعين المحليين، وعلى رأسها التعامل بحزم مع مسببات البيروقراطية فى التراخيص الصناعية وتراخيص البناء، ومعوقات الاستثمار ومشكلات الجمارك التي لاتزال تستنفد طاقات المصنعين، علاوة على أزمات التحصيل الضريبى والربط الضريبى التى تشهد معوقات كثيرة وضعت مصر فى مرتبة متدنية على مستوى العالم، سواء في تقرير التنافسية أو تقرير البنك الدولى الخاص بجذب الاستثمار.
أن مصر تواجه أزمة فى معدلات إنفاذ العقود وهو ما ينعكس بالطبع على الوضع الاقتصادي إضافة إلى إجراءات التقاضى التي لم تتخذ بها الخطوات الكافية لتسريع وتيرة حل المنازعات الاقتصادية، وآليات تنفيذ الأحكام القضائية لان عدد المحاكم لايزال غير كاف.
أن هيبة الدولة تتحقق فى الاحترام والالتزام قبل الإلزام، بمعنى أن تلتزم جهات الدولة بتطبيق القوانين والإجراءات، فأكثر الجهات التي لا تلتزم بسداد التزاماتها هى الأجهزة الحكومية والهيئات العامة.
هناك مبدآن هامان يشكلان الدعامتين الأساسيتين لمقاربة الحكومة للمناطق العشوائية وللتنمية العمرانية بشكل عام.
المبدأ الأول هو أن المناطق العشوائية تمثل مشكلة. وطبقاً لهذا المبدأ، يتم تعريف تلك المناطق وتوصيفها على نحو سلبي، وتعامل على أنها شيء يجب أن يتم الحد منه أو إزالته. فالمساعي الحكومية مع المناطق العشوائية لا تختلف مع مساعيها الأخرى الرامية للحد مثلاً من الأمية والجهل ومعدل الوفيات بين الأطفال.
أما المبدأ الثاني فهو أن النمو العمراني يجب أن يتم توجيهه بعيداً عن المدن القائمة حالياً والأراضي الزراعية، إلى المناطق الصحراوية؛ وذلك لكي تتمكن الدولة من تحقيق التنمية بشكل سليم ومن التعجيل بمعدل النمو الاقتصادي.
وكثيرا ما يقال في هذا الصدد إن مصر لا تستغل سوى ٤ في المائة فقط من مساحة أراضيها تخضع المناطق العشوائية أساساً للهيئات الحكومية التالية: وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، المحافظات، صندوق تطوير المناطق العشوائية، ووزارة الدولة للتطوير الحضاري والعشوائيات.
سنناقش دور تلك الهيئات في تنظيم المناطق العشوائية بالتفصيل. أما المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية فليست له صلة مباشرة بالمناطق العشوائية، وإن كان يركز على التنمية العمرانية بشكل عام، حيث يقوم المجلس بتحديد الأهداف والسياسات القومية للتخطيط والتنمية العمرانية، وينسق بين الهيئات الحكومية المختصة بالتنمية العمرانية، ويقدم الخبرة الفنية للمشرّعين بخصوص القوانين التي تحكم التنمية العمرانية، ويتولى تقييم تنفيذ الخطة القومية الإستراتيجية والمخططات القومية الإستراتيجية، كما يوافق على المخططات القومية والإقليمية ومخططات المحافظات الخاصة بالتنمية العمرانية.
وفي ظل هذه الأوضاع، تعاني الأجهزة الحكومية من العمالة الفائضة (أو البطالة المقنعة)، باستثناء مواقع محدودة. هذه الظاهرة تطورت نتيجة عوامل عدة، منها ارتفاع معدل الزيادة السكانية، ونظام التعليم الذي ينتج خريجين لا يتمتعون بالمهارات الحقيقية المطلوبة في سوق العمل، ووصول القطاع الحكومي إلى طاقته الاستيعابية القصوى من العمالة وتضخمه، هذا بالإضافة إلى مجموعة التحولات الهيكلية التي حدثت في الاقتصاد والمجتمع في مصر ما أدى إلى ضعف قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل المطلوبة. هذا إلى جانب القيم الاجتماعية التي تعطي للعلاقات الشخصية مكانة كبيرة في قرارات التوظيف والترقية بل ومختلف مجالات إدارة الموارد البشرية.
وساهمت التمايزات الاجتماعية في توسيع الهوة بين فئات العاملين داخل الأجهزة الحكومية. تتجسد هذه التمايزات في نظام “الكوادر الخاصة”، فالموظفون طبقـًا لكوادر خاصة يتمتعون ببعض الامتيازات التي لا يتمتع بها غيرهم، مثل الرواتب والأجور والحوافز والبدلات والترقية.. الخ، ما أدى إلى إيجاد حساسيات نفسية واجتماعية لدى العاملين خارج نطاق هذه “الكوادر الخاصة”، فضلًا عن ضعف إنتاجية عنصر العمل.
كما أن هناك عدة مصادر وراء انتشار حالة من الإحباط داخل نسبة كبيرة من العاملين بالجهاز الإداري، منها وجود فجوة بين الخلفيات التعليمية والطموحات المهنية للعاملين في بعض الأجهزة الحكومية من جانب ونوعيات الأعمال والوظائف التي يؤدونها من جانب آخر. إلى جانب وجود نوع من الاختلال بين التعليم والمهنة والدخل، فالوضع الطبيعي أن تكون هناك علاقة واضحة بين المتغيرات الثلاثة، بحيث إنه كلما ارتفع مستوى التعليم، كلما ارتقت المهنة وزاد مستوى الدخل. لكن نتيجة للاختلالات العديدة التي يعاني منها الجهاز الإداري والاقتصاد لم يعد التناسب قائمـًا، مما يدفع الموظف إلى البحث عن مسالك أخرى مشروعة أو غير مشروعة لزيادة دخله، وتراجع قيمة
وأهمية العمل الذي يقوم به داخل الجهاز الإداري. كما ساهمت سياسة التوظيف الحكومي في اتساع ظاهرة الفساد الإداري. ونتج عنها تكدس الموظفين في الأجهزة الحكومية، وسوء تقديم الخدمات للمواطنين، وضعف دخول ومرتبات العاملين، ومحدودية إجراءات الرقابة والمتابعة في الأجهزة الحكومية، اتساع ظاهرة الفساد الإداري. في هذا الإطار تمكنت بعض الفئات غير المنتجة اجتماعيـًا من اختراق بعض الأجهزة الإدارية ومؤسسات الدولة، واستغلالها بطريق مباشر أو غير مباشر، واستطاعت في الوقت ذاته تحقيق ثروات خيالية.

اترك تعليقاً