أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ / السّنةُ الثّالِثَةُ / 1

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ / السّنةُ الثّالِثَةُ / 1

السيمر / الثلاثاء 07 . 06 . 2016

نــــــــــــزار حيدر

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
وكأَنَّ الصَّومَ والقراءةَ صنوانٌ من أصلٍ واحد، أشار إليهما رسول الله (ص) في خطبتهِ عند استقبالِ شهر الله الفضيل شهر رمضان المبارك بقوله {فآسألوا الله ربَّكم بنيّاتٍ صادقةٍ وقلوبٍ طاهرةٍ أن يوفّقكم لصيامهِ وتلاوةِ كتابهِ فإنّ الشّقيَّ من حُرِمَ غُفرانَ اللهِ في هذا الشّهرِ العَظيمِ}.
وهوَ أوّلُ فعلٍ ورد بصيغة الامر من السّماء نزل في هذا الشّهر الفضيل، ليستمرّ مَعَ الانسان كلّ حياتهِ، كما في الحديث الشّريف {أُطلبوا العِلمَ من المهدِ الى اللّحدِ} استناداً الى مفهوم الآية الكريمة {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
والقراءة في هذه الآية الكريمة تخصّ القرآن الكريم، ومن ثمّ يُمكن تعميمها كقيمةٍ أساسيَّةٍ وحاجةٍ ملحّةٍ لنا في حياتِنا.
فيما يخصّ قراءة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك فهنالِك قراءَتين؛ الاولى لختمِ القرآن الكريم فحسب وهو أَمرٌ حسنٌ وفيه الكثير من الثّواب الذي يدرّ علينا بالحسناتِ، وهو الشيء الذي يفعلهُ جلّ المؤمنين الصّائمين وكثيرٌ من غير الصّائمين، كون الشَّهْر الفضيل موسم قراءة كتاب الله العزيز، فـ {لكلّ شيءٌ ربيعٌ وربيع القرآن شهر رمضان} ففيه تخضرّ اغصانهُ وتورقُ.
ولقد جاء الحثُّ على قراءة القرآن الكريم في هذا الشّهر المبارك ليعيشَ الانسانُ اجواء القصص والقيم والاحكام والاخلاق والمناقبيّات والمفاهيم التي يزخر بها كتاب الله العزيز، لتزدهر في روحهِ وعقلهِ وشخصيّتهِ بما يُساهم في إِعادة بناء شخصيّتهِ الرّسالية المستقيمةِ، فالشّهر الفضيل بمثابة الدّورة التعليميّة المركّزة والمكثّفة التي لا ينبغي ابداً ان يدخلها الانسان ويخرج منها بنفسِ الحال، اذ لابد ان تتركَ في شخصيّتهِ من الأثر قلّ او كثُر.
في شهر الله الفضيل تعالوا نقلّل من السّاعات الطّويلة التي نقضيها يوميّاً نعبث بوسائل التّواصل الاجتماعي بلا فائدة او ساعات اللهو في المقاهي، ونزيد من الساعات المثمرة التي نقضيها مع القرآن الكريم، نتعلّم قراءتهُ ونضبط قواعدها ونعيش اجواءهُ العامرة ننهل من معينهِ عِلماً نافعاً وعملاً صالحاً وخلُقاً رفيعاً.
ففي الآية {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} امّا الحديث الشريف عن رسول الله (ص) ففيهِ حثٌّ على قراءة القرآن بقولهِ (ص) {اذا أحبّ احدُكُم ان يحدِّث ربهُ فلْيقرأ القرآنَ} وقولهُ (ص) {انّ هذِه القلوبُ تصدأ كما يصدأ الحديدُ، قيلَ يا رسولَ الله فما جلاؤُها؟! قال؛ تلاوةُ القرآنِ} وعنهُ (ص) كذلك {يا بُنَيّ لا تغفل عن قراءةِ القرآنِ فانّ القرآن يُحيي القلبَ وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِ} امّا أمير المؤمنين (ع) فيقول {لِقاحُ الإيمانِ تلاوةُ القرآنِ} وكان أمير المؤمنين (ع) اذا ختم القرآن قال؛ {اللهمّ اشرح بالقرآنِ صدري واستعمِل بالقرآن بدني ونوّر بالقرآن بصري وأطلِق بالقرآن لساني وأعنّي عليهِ ما أَبقيتني فانّهُ لا حولَ ولا قوَّة الا بكَ}.
وبهذا الصّدد ينبغي ان ننتبه الى ما يلي؛
أولاً؛ الاجتهاد في تعلّم قراءة القرآن من كلّ النواحي، حتى من ناحية الصّوت الحَسن، او ما يُعرف بالتّجويد والتّرتيل، ففي الحديث الشّريف {انّ حُسنَ الصّوتِ زينةٌ للقرآن} و {انّ لكلّ شَيْءٍ حليةٍ، وحليةِ القرآن الصّوت الحَسن} و {زيّنوا القرآن بأصواتِكم} ولقد سُئِل رَسُولُ الله (ص)؛ ايُّ النّاس أَحسن صوتاً بالقرآن؟! قال؛ {مَن اذا سمعتَ قراءتهُ رأيتَ انّهُ يَخشى الله} وعن الامامِ جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام {كانَ عليّ بن الحُسين صلواتُ الله عليهِ أَحْسَنَ النّاس صوتاً بالقرآن وكان السّقّاؤون يمرّون فيقفونَ ببابهِ يسمعون قراءته، وَكَانَ ابو جَعْفَرٍ عليه السّلام أَحْسَنَ النّاس صوتاً}.
ثانياً؛ السّعي في هذا الشّهر الفضيل لتعليم الآخرين قراءة القرآن، خاصّةً في الاسرة، فعن رسول الله (ص) انّهُ قال {مَن علّم ولداً لهُ القرآن قلّدهُ قِلادةً يعجب منها الاوّلون والآخرون يوم القيامةِ} وقولهُ {الا من تعلّم القرآن وعلّمهُ وعملَ بما فِيهِ فانا لهُ سائقٌ الى الجنّة ودليلٌ الى الجنّة}.
ولتحقيق ذلك؛
١/ ان يسعى من لا يُحسن القراءة ان لا يجلس للقراءةِ وَحْدَهُ وانّما يحاول ان يجد من يُحسنها ليقرأ معهُ او أمامهُ، والعكس هو الصّحيح فليسعَ من يُحسن القراءة ان يجد من لا يُحسنُها ليقرءا سويّة، سواء كان ذلك في الاسرة الواحدة او خارجها، فمن المهم جداً ان يتحقّق مطلب التّعليم والتّعلُّم في هذا الشهر الفضيل، ففي الحديث الشريف {من علّم رجلاً القرآن فهو مولاهُ ولا يخذلهُ ولا يستأثِر عليهِ}.
الأُمُّ لا تجلس لقراءةِ القرآن قبل ان تقنع إِبنتها وتشوّقها بشتّى الطّرق السّلميّة والعاطفيّة لتجلس معها تقرأ القرآن ولو بالمتابعةِ فقط.
والابُ كذلك، يشجّع ويحرّض ويشوِّق ابنهُ على الجلوس الى جانبهِ ليقرأ معه القرآن الكريم او يتابع معه القراءة على الأقلّ.
حتى الصّغار بل الرّضّع يُستحسَن إحضارهم بالقربِ من الوالدَين عندما يقرءا القرآن في هذا الشّهر الفضيل، ومن الخطأ التصوُّر بانّهم لا يفهمون او لا يعون، بلا! انّهم يعون ما يسمعون بقدرٍ ما، كما يصفُ ذلك امير المؤمنين (ع) في وصيّتهِ لابنهِ الحسن السّبط عليه السّلام، يعلّل التّعليم في الصِّغَر {أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ، وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالاَْرْضِ الْخَالِيَةِ مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالاَْدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الاَْمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ}.
٢/ ان نّسعى لقراءةِ القرآن الكريم في هذا الشّهر الفضيل بصورةٍ جماعيَّةٍ من خلال السّعي لإقامةِ وتنظيمِ المحافل القرآنيّة التي تساعدنا كثيراً على تعلّم القراءة وقواعدها، فلقد وردَ عن رسول الله (ص) {ما آجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله يتلونَ كِتاب الله ويتدارسونهُ بينهم الا نزلَت علَيْهِمُ السّكينة وغشيتهُمُ الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرَهُم فيمَن عِنْدَهُ} وعن كُليب قال؛ كنتُ مع عليٍّ (ع) فسمعَ ضجَّتهم في المسجدِ يقرأون القرآن، فقال؛ {طوبى لهؤلاءِ كانوا أحبَّ النّاسِ الى رَسُولِ الله (ص)}.

اترك تعليقاً