الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / على طريق الشعب… / جلسة استجواب وزير الدفاع العاصفة

على طريق الشعب… / جلسة استجواب وزير الدفاع العاصفة

السيمر / الأربعاء 03 . 08 . 2016 — احدثت جلسة استجواب وزير الدفاع اول امس هزة سياسية ارتجاجية من العيار الثقيل تحت قبة البرلمان، ومن المرجح ان تتواصل ارتداداتها لتمتد إلى مختلف مفاصل الدولة وداخل الكتل السياسية المتنفذة القابضة على مفاتيح السلطة منذ أكثر من عقد من الزمان.
فقد اعلن أحد أهم وزراء الحكومة بصراحة ما يتداوله المواطنون وسائر المعنيين بالشأن العام والمتابعين للحياة السياسية في المحافل غير الرسمية المختلفة عن تورط مسؤولين كبار في الدولة وشخصيات بارزة في ملفات فساد كبيرة . فقد كشف وزير الدفاع، خالد العبيدي خلال الاستجواب عن تعرضه شخصيا إلى ضغوط ومساومات من اجل تمرير صفقات فساد في عقود تسليح وتغذية وشراء سيارات وكذلك التوسط لاصدار تعيينات وتنقلات خارج الضوابط واستحصال عمولات ورشا مقابلها اضافة إلى ممارسات ابتزازية مختلفة بهدف الحصول على امتيازات ومكاسب غير مشروعة، متهماً رئيس مجلس النواب وعددا من أعضائه الحاليين والسابقين بالضلوع فيها.
ولا شك أن الجرأة التي اتسمت بها تصريحات الوزير في تعيين المتهمين بالتورط في ممارسات الفساد، لم تأت بمعزل عن الأجواء الضاغطة لمحاسبة الفاسدين والمفسدين والاقتصاص منهم، وبشكل خاص كبارهم، الناجمة عن المطالبات الشعبية المتواصلة على مدى عام كامل في ساحات التظاهر والاحتجاج في معظم المحافظات العراقية،
ويجدر التنويه بان الكثير من ملفات الفساد وأسماء المتورطين فيها ليست خافية على المسؤولين في الدولة وفي الهيئات الرقابية، كما ان ما تم ازاحة الغطاء عنه لا يمثل سوى الجزء البسيط الظاهر من جبل جليد الفساد القابض على موارد الدولة ويمعن في هدرها و نهبها . كما أن ممارسات الفساد في وزارة الدفاع تجد ما يماثلها في معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، ولا سيما تلك التي تتمتع بتخصيصات وموارد مالية ضخمة.
إن ما تم الكشف عنه في جلسة استجواب وزير الدفاع، على أهميته، لم يتطرق سوى إلى عدد محدود من العقود، في حين يعلم الجميع أن شبهات الفساد في وزارة الدفاع تكاد تطول جميع، أو معظم، عقود التسليح وتعاقدات الوزارة الأخرى في الحكومات المتعاقبة . ويأتي كل ذلك ليؤكد صحة ما دعا اليه المتظاهرون والمشاركون في فعاليات الحراك الشعبي طوال العام المنصرم من ضرورة الحزم في محاربة الفساد والاسراع في اجراء الاصلاح الشامل، والقضاء على نهج المحاصصة الطائفية والأثنية، مصدر الأزمات وحاضنة الفساد . فما كان للفساد ان يستشري بهذا الشكل السرطاني، وأن يذهب التمادي في التطاول على المال العام من قبل كبار المسؤولين والسياسيين في الكتل المتنفذة إلى هذا الحد من الانتهاك للقوانين والتعليمات ولأبسط قيم ومعايير النزاهة والاخلاص، لولا شعورهم بالحماية والأمان في ظل مساومات وتواطئات وتفاهمات نهج المحاصصة البغيض.
وإذ اكدت الفضائح التي كشفتها جلسة الاستجواب أن الفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة، كما بينت هزال الاتهامات الظالمة التي تم توجيهها إلى التظاهرات بكونها تضعف القوات المسلحة في الحرب التي تخوضها ضد الارهاب، اذ وجدنا العديد من القوى والشخصيات التي كان تروج لهذه الاتهامات، شددت المطالبة باستجواب وزير الدفاع في الوقت الذي تقوم قواتنا المسلحة بالتحضير والاستعداد لخوض معركة تحرير الموصل !كما بات واضحا حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بالجيش العراقي وبقدراته القتالية نتيجة عقود التسليح الفاسدة وحرمان منتسبيه من التغذية والتجهيزات المناسبة بسبب الفساد.
لم يعد موضع شك أن الحرب ضد الارهاب وتحقيق الاستقرار الأمني واحباط مخططات الارهابيين الاجرامية، فضلا عن توفير الخدمات الاساسية للمواطنين وتنفيذ مشاريع البنى التحتية يظل معرضا للاختراقات الأمنية والفشل والضياع طالما كانت منظومات الفساد تعمل من دون رادع ومحاسبة حقيقيتين تحت خيمة نهج المحاصصة، لذا فإن ما كشفته جلسة الاستجواب من تمدد لأخطبوط الفساد ليصل إلى قمة هرم السلطات التشريعية والتنفيذية، انما يجعل من غير المقبول مطلقا التردد والتهاون أو التسويف والمماطلة في اتخاذ اجراءات حازمة بحق المتورطين في الفساد واجتثاث جذوره، بدءا بالتحقيق الجاد والشفاف في الاتهامات التي اطلقت تحت قبة البرلمان من قبل هيئة النزاهة واللجان المشكلة في مجلس النواب، واحالة المتورطين في الفساد إلى القضاء بعد نزع الحصانة البرلمانية عنهم. كما أنه من الضروري ان يقوم القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ الخطوات العملية الحازمة لفتح جميع ملفات الفساد في وزارة الدفاع والضرب بقوة على يد المتورطين فيه والمتواطئين معه من داخل الوزارة وخارجها، وتفعيل دور المفتش العام ولجان النزاهة، كما يتوجب على السلطة القضائية والمدعي العام النهوض بدورهم من دون مجاملة او تردد وتسويف، وعليهم ان يتذكروا ان الفساد في قواتنا المسلحة لا يعني هدرا في الأموال وحسب وانما تضحية بأرواح الجنود والمقاتلين الأشاوس.
ان الجدية في محاربة الفساد والقضاء عليه، وخاصة في القوات المسلحة، هو دعم حقيقي وناجع في اتجاه تحقيق النصر على داعش والارهاب.
وفي الوقت نفسه ننبه إلى محاذير صرف الانظار عن الأسباب الحقيقية للفساد وحماية المتورطين فيه عبر محاولات اعطاء صبغة طائفية او مناطقية او سياسية ضيقة للفساد الذي تم الكشف عنه من قبل وزير الدفاع، فالفساد للأسف عابر للطوائف والقوميات وليس محصورا بطيف اجتماعي أو طائفة، والمطلوب ملاحقة الفساد والكشف عنه ومعاقبة المتورطين فيه أيا كانت هويتهم او انتماؤهم.
ان جلسة استجواب وزير الدفاع وما كشفته من ممارسات فساد ومن متورطين فيه من مسؤولي الصف الأول في الدولة وفي الكتل السياسية ستقض مضاجع المسوؤلين الفاسدين، ولا سيما كبارهم، وستتكاتف جهودهم لمحاصرة وردم الثغرة في جدار منظومة الفساد والسلطات التي ترعاها، وهذا ما يتوجب الحيلولة دونه من قبل سائر المطالبين بمحاربة الفساد وتنقية الحياة العامة من شروره واثامه،
ويظل القضاء على الفساد ومحاسبة الشخصيّات السياسية المتورّطة فيه رهناً بالاحتجاجات والضغط المستمرين…، لذا صار ضروريا التصعيد في الضغط الشعبي من أجل ضرب الفساد وجذوره وتحقيق الاصلاح والتغيير الحقيقيين.

المقال الافتتاحي لجريدة طريق الشعب
الاربعاء 3-8-2016

اترك تعليقاً