فيينا / الأحد 03 . 11 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. نضير الخزرجي
مثلما ينشغل المسافر إلى بلد آخر للسياحة وقضاء فترة استراحة واستجمام بالأماكن والمعالم التي وضعها في خريطة رحلته لمشاهدتها والتعرف عليها عن قرب، ينشغل باله عند العودة بما يمكن أن يحمله من هدايا إلى المقربين منه من مركز الدائرة والدوائر الواقعة بين المركز والقطر من ذي رحم وأصدقاء ومعارف وزملاء عمل.
وبحكم السفر والتجربة، فإن البال ينشغل بانتقاء الهدايا وتجميعها عندما يكون المسافر في حج أو عمرة أو زيارة للمشاهد المقدسة، لأن الحاج على وجه الخصوص ومن بعده المعتمر ويليه الزائر سيقف عند نزوله من سلم السيارة أو على باب عتبته أقرباؤه وأصدقاؤه يباركون له الحجة والعمرة، وعندما تلتقي الوجوه في داره تبدأ حركة التهادي المتبادل، فمن أهداه هدية العودة من رحلة الحج أو العمرة أو الزيارة يقابلها بهدية بمثلها أو أحسن منها، ولا هدية أحسن من هدية وإن قلَّ ثمنها أتت من مدينة الرسول (ص) أو من مكة المكرمة أو من أحد المدن المقدسة التي تضم مراقد الأئمة والأولياء والصالحين، وبخاصة وإنَّ التهادي سنَّة المرسل رحمة للعالمين وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابّوا فإنها تذهب بالضغائن)، ويقول الإمام علي عليه السلام: (لإن أهدي لأخي المسلم هدية تنفعه أحبّ إليَّ من أن أتصدقَّ بمثلها)، بل ويضيف عليه السلام مؤكداً: (عُدْ من لا يعودك واهدِ إلى من لا يهدي إليك).
ولعل القاسم المشترك لأكثر الهدايا التي يجلبها معهم الحجاج والمعتمرون هي العطور المحلية التي تحمل أسماء المدن المقدسة أو ما يشير إليها، فمثل هذه الهدية هي علامة مميزة عن المدينة التي زارها المسافر وحمل منها الهدايا، ولم أكن بدعاً من الحجاج والمعتمرين، فعندما وفقني الله للعمرة في ربيع الأول وربيع الثاني من العام الهجري 1445هـ (29/9 إلى 10/10/2024م) منطلقا من كربلاء المقدسة مسقط رأسي وإليها العودة بمعية الأهل عبر “شركة قريش للسفر والسياحة”، فإن حقيبة العودة كانت ملأى بقناني العطور المكية وقطع المسك التي اشترينا بعضها من المدينة المنورة وبعضها من مكة المكرمة وتم إهداؤها إلى المهنئين بسلامة العودة والمحبين وزملاء العمل في كربلاء ولندن.
ديوان المسك المعطَّر
مرت على نافذة ذهني نسائم أيام العمرة وهدايا العطر الفواح والمسك المعطر، وأنا أتصفح ديوان الشاعر العراقي الأديب رضا كاظم الخفاجي الصادر حديثا (2024م) في بيروت عن بيت العلم للنابهين في 400 صفحة من القطع الوزيري الذي حمل عنوان: (المسكُ المعطَّر بما حبَّر الكرباسي وحرَّر) وقرَّضه الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز مختار شَبِّين، فنسائم العطر ورياحين المسك ضاعت وانتشرت من روضات القوافي وشبابيك أبيات القصائد التي أنشدها الخفاجي تقريظاً للمؤلفات التي حبّر سوادها الفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، وعدد من الأدباء والأعلام الذين ساهموا في تحبير ما جاء به الكرباسي في حقول المعرفة المزدهرة أشجارها والمثمرة بأنواع فاكهة العلوم من ثقافة وأدب وشعر وعَروض وفقه وتاريخ وسياسة وتفسير وعمارة وفن وترجمة وغيرها، حيث تقف على رأس التأليف والتحبير (دائرة المعارف الحسينية) في نحو ألف مجلد صدر منها حتى يومنا هذا 125 مجلداً.
ولا شك أن عنوان الكتاب جميل فيه من المعاني الكثير الكثير، وبتعبير الأديب اللبناني الشاعر عبد الحسن دهيني في كلمة الناشر: (لقد أصاب الشاعر الأستاذ رضا الخفاجي أعزَّه المولى في تسمية هذا الديوان بــ “المِسْكُ المُعَطَّر” ويصح أن نسمِّيه أيضاً بــ “المِسْكُ المُعَطِّر” بالكسر، لأن المسك إذا فاح ملأ المكان الذي يفوح فيه رائحة زكيَّة، وعطراً أخاذاً كعطر هذا الديوان المنبثق من خليط من مِسْكَيْن: مسك الشعر العذب الراقي من عبقات شاعر بليغ قدير، ومسك تقريظ عشرات الكتب القيِّمة المحتوية على بحوث ودراسات مهمة وجديدة لم يتطرق إليها باحث أو دارس من قبل، وهي من فكر عالم علم، أو نهر ممتد على مسافة أغلب أقطار الأرض، تجمعه روافد عدة، أو هو كشجرة سامقة راسخة في الأرض، ثمراتها الوافرة طيبة الرائحة لذيذة الطعم، عنيت بها مؤلفات سماحة آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي دام ظله، وعلى رأسها وفي مقدمتها الموسوعة العملاقة في الإمام الحسين عليه السلام دائرة المعارف الحسينية التي ناهزت أجزاؤها الألف جزء)، وهي الموسوعة المتلألئة التي قالها فيها الشاعر الخفاجي في تقديمه لديوانه: (إنَّ ما أنجزه وينجزه سماحة الشيخ الكرباسي ويصدّره من خلال موسوعته الحسينية المباركة، الفريدة من نوعها وإنجازاتها في العالم الإسلامي، يدعو إلى الفخر والإعتزاز).
روضة القوافي الناهضة
يعتبر الأستاذ رضا الخفاجي، من أدباء العراق المرموقين ممن شبك بين كفي النثر والشعر وأخذ بمعصم كتابة المسرحيات النثرية والشعرية ناهيك عن حقل الإعلام والصحافة، وقد أتى عبر نهر أدبه بقارب جديد أنزل فيه 195 قصيدة وأرجوزة محورها بعض المطبوع والمخطوط من مؤلفات المحقق الكرباسي، وعدد من المطبوع لمؤلفين آخرين حاكت ما خطه الكرباسي وحبّره في العلوم المختلفة، فجاء الديوان روضة غناء من روضات الشعر العربي القريض.
لقد ضم الديوان ارجوزة حسب الحروف الهجائية في 28 بيتاً مع 194 قصيدة حيث توزعت عدد القصائد وترقيمها وفق جدول الحروف على النحو التالي: الألف (20 قصيدة من 1- 20)، الباء (21- 29)، التاء (30- 31)، الثاء (32)، الجيم (33)، الحاء (34)، الخاء (35)، الدال (36- 54)، الذال (55)، الراء (56- 99)، الزاي (100)، السين (101)، الشين (102)، الصاد (103)، الضاد (104- 105)، الطاء (106)، الظاء (107)، العين (108- 112)، الغين (113)، الفاء (114)، القاف (115- 120)، الكاف (121)، اللام (122- 136)، الميم (137- 157)، النون (158- 177)، الهاء (178- 179)، الواو (180)، والياء (181- 183)، والأرجوزة في حروف: التاء، الدال، الراء، السين، الكاف، الميم، والنون (184- 194).
وكان للقصائد التي قاربت أجزاء دائرة المعارف الحسينية قصب السبق والأكثرية، حيث قرّظ الخفاجي الأجزاء التالية: حديث الحسين، المفكرة الحسينية، دواوين القرون الشعرية، معجم خطباء المنبر الحسيني، الحسين والتشريع الإسلامي، أطلس السيرة الحسينية .. أطلس الركب الحسيني، ديوان الأبوذية، ديوان الشعر الإنكليزي، معجم أنصار الحسين .. الهاشميون، العامل السياسي لنهضة الحسين، مسند الإمام الحسين، تاريخ المراقد .. الحسين وأهل بيته وأنصاره، ديوان الشعر الحسيني .. دراسة وتقييم، معجم أنصار الحسين غير الهاشميين، ابن زياد سيرة مظلمة، السيرة الحسينية، معجم المصنفات الحسينية، أضواء على مدينة الحسين، الزيارات الحسينية، المدخل إلى الشعر الحسيني، أبعاد النهضة الحسينية، أضواء على مدينة الحسين: الحركة السياسية .. مبحث الشهداء، الرؤيا مشاهدات وتأويل، الحسين نسبه ونسله، الصحيفة الحسينية الكاملة، الحسين مدرسة، يزيد والبيت الأموي، من وحي “وثائق النهضة الحسينية”، ديوان التخميس، قالوا في الحسين، الحسين الكريم في القرآن العظيم، معجم رواة الملحمة الحسينية، واقعة الطف جداول وإحصاءات، ديوان الشعر التركي .. القرن السابع- العاشر، في ظلال الحسين .. معاجز وكرامات، أضواء على مدينة الحسين: الحركة العلمية، معجم المنشدين، معظم الشعراء الناظمين في الحسين، معجم مَن قاتل الحسين، الحسين في الإبداع الفني والهندسي، المفكرة الحسينية، الحسين في السُّنَّة، معجم أنصار الحسين .. النساء، الحواضر الإسلامية في عصر النهضة، الحسين حركة تلد أخرى، وديوان الأرجوزة من دائرة المعارف الحسينية.
ومما أنشده الخفاجي من بحر الكامل تحت عنوان: “شعَّ ضياءُ الموسوعة”:
موسوعةٌ باسم الحسين عطاؤها *** من جوده نهضت فشعَّ ضياؤها
ويقول في أخرى من بحر الكامل تحت عنوان: “بوركت نهجاً”:
سِفرٌ حسينيٌّ سما بعطائه *** من أرض طيبةَ مخلصٌ بفدائه
إلى أن يقول في تقريظ المؤلف الذي يرجع بنسبه إلى الحواري مالك الأشتر النخعي:
واليوم يسعى الأشتري لنهضةٍ *** تثري العقول بجهده وعنائه
ليُسلِّطَ الأضواءَ في موسوعةٍ *** بسم الحسين ليرتقي بولائه
هو رائدٌ في نهجهِ ونتاجهِ *** هو مبدعٌ، فاق الأُلى ببنائه
وتلي أجزاء الموسوعة من حيث عدد التقريظ سلسلة كتيبات “الشريعة” في ألف عنوان صدر منها حتى يومنا هذا أكثر من مائة كتيب، تتعاطى أحكام الشريعة كما أوردها الفقيه الكرباسي وعلَّق عليها الفقيه الراحل آية الله الشيخ حسن رضا الغديري، وهي: شريعة الإنتظار، التسمية، اللجوء، العمرة، الحدود .. الجغرافي، الإعتكاف، الحجاب، النسب، المواصلات، الحرب، الرياضة، الشهادة، الغناء، الإستسقاء، الوليد، القبلة، الصداقة، التحرير، الإتصالات، النوافل، الإجارة، البلديات، التدخين، الإنتخابات، الإطاعة، الخطابة، الإستطاعة، الأمن، التوبة، الزواج، الظلم، العقل، التشيُّع، الشورى، الغُسل، التعليم، الشعر، الكفارات، المعوقين، النفقة، الشفاعة، الذرَّة، النظافة، النكاح، البراء، الصلح، الترهيب، اليانصيب، الأسرى، الملائكة، الفساد، الأسرة، العيد، المائدة، الحقوق، الوالدين، التجويد، المحاماة، القرآن، الجمعة، الإجتماع، الطواف، الإعلام، التنمية، الأذان، التأمين، النفايات، الهجرة، الولاء، الآل، وشريعة التربية.
وللمحقق الكرباسي سلسلة من المؤلفات تتناول الإسلام في بلدان العالم، وقد قام الأديب الخفاجي بتقريظ المؤلفات التالية: الإسلام في الهند، اذربايجان، أميركا، إيطاليا، ألمانيا، أفغانستان، إيران، أرمينيا، أستراليا، أثيوبيا، بريطانيا، إسبانيا، والإسلام في الأرجنتين.
ومن مؤلفات الكرباسي المتفرقة التي لامست قوافي الخفاجي صفحاتها: مع الكليني في رحلته العلمية (تقديم: الدكتور حسين الطائي- العراق)، الأوزان والمقاييس (تقديم الدكتور عدنان الشخص- السعودية)، الراجح في المنطق الواضح (تقديم: الدكتور إبراهيم العاتي- العراق)، المائة السفائف في البدائع واللطائف (تقديم الأستاذ علي التميمي- العراق)، المختوم في التفسير المنظوم – الجزء الثلاثون، المرأة والدماء الثلاثة (تقديم الدكتورة بيان الأعرجي- العراق)، معجم غريب القرآن للعلامة الطريحي، إنه المؤمن حقا (تقديم ومراجعة الدكتور نضير الخزرجي- العراق)، الرحلة الأوروبية (تقديم الفقيد المهندس محمد علي الأعرجي- العراق)، مع الحر العاملي في مسيرته العلمية (تقديم وتعليق: الدكتور نضير الخزرجي)، يوسف من البئر إلى العرش (رواية قدّم لها الدكتور محمد عبد الباسط زيدان- مصر)، والتفسير المسترسل- ج30.
وفي باب الأدب والشعر قرّظ الخفاجي المؤلفات التالية: ظلال العَروض في ظئاب المطالع والملاحق (ديوان: مطالع القصائد للكرباسي وملاحقها للأديب الجزائري عبد العزيز شبين، وعلق عليه الأديب اليمني الدكتور محمد بن مسعد العودي)، ألوان شعرية (تقديم وتقريظ: رضا الخفاجي)، الطوبى في صلة القربى (ديوان)، فالق الإصباح في الأفراح والأتراح (ديوان)، استخدامات شعرية (تقديم وتقريظ: د. مهند مصطفى جمال الدين)، الأوزان الشعرية .. العَروض والقافية، الإيناس بلآلي الجناس، خمِّس ولا تخمِّس، بحور العَروض، سفائن الأمل في الحسين والقُلل، هندسة العَروض من جديد، ديوان رجز العدالة، وعناوين الكتب الأخيرة هي من تقديم وتعليق الدكتور عبد العزيز شبين.
وللآخرين حضورهم
ولما كان عدد من الأدباء والأعلام وأصحاب القلم غمسوا أقلامهم في محبرة الكرباسي، فإن ديوان الخفاجي لم يخلُ من تقريظات جمّة لمؤلفات على علاقة مباشرة بنتاجات الكرباسي، من ذلك ما كتبه العبد نضير الخزرجي من مؤلفات وردت في الديوان عشرة منها، وهي: ربع قرن من الإبداع .. دائرة المعارف الحسينية 1987- 2014م، نزهة القلم .. قراءة نقدية في الموسوعة الحسينية، أجنحة المعرفة .. قراءة موضوعية في الموسوعة الحسينية، سفر الخلود: رحلة الموسوعة الحسينية من مملكة الضباب إلى جمهورية القباب، ببليوغرافيا إعلام وأعلام معجم المقالات الحسينية، أشرعة البيان .. قراءة موضوعية في الموسوعة الحسينية، دائرة المعارف الحسينية .. تعريف عام، أرومة المداد .. قراءة موضوعية في الموسوعة الحسينية، والعمل الموسوعي في دائرة المعارف الحسينية.
ومن أقلام الأعلام ما أعده العلامة الشيخ صالح الكرباسي (العراق- إيران) تحت عنوان: “العين الباصرة في المطبوع من الدائرة”، وما كتبه الفقيد الأديب عبد الحسين حسن الصالحي (العراق- إيران): “دور المراقد في حياة الشعوب للكرباسي”، وما خطه الشهيد محمود سليم العضل (سوريا): “نفحة ذكية من سوريا العربية”، وما كتبه الأديبان حسين الحساني ونجاح الحسيني (العراق): “مشروعية الأحزاب في الإسلام في تنظيرات آية الله الكرباسي”، وما سطره الأديب علاء الزيدي (العراق): “معالم دائرة المعارف الحسيني للكرباسي”.
ولم ينس الخفاجي العاملين مع المحقق الكرباسي، فقد ذكرهم بخير في عدد من القصائد والأراجيز، كما اطلع الأديب الجزائري عبد العزيز شبين على الديوان قبل أن تكبس صفحاته مقابض ماكنة الطباعة، فقرّظه بقصيدة تحت عنوان” (كرباسُ والرضا)، من بحر السريع قال في أولها:
من الرضا كالمرتضى الهاطلِ *** غيثاً على صدى الثرى الماحلِ
لابن خفاجةَ الهوى وصفُهُ الــ *** ــحقُّ علاعلى الفنا الباطلِ
كرباسُ والرضا هما الشاعرا *** نِ لا تَلُمْ في الشعر يا عاذلي
وينهيها بالأبيات التالية:
شعرُ الرضا الجدُّ بخصبٍ له *** قد غلبَ الجَدْبَ من الهازلِ
كأنَّ حرفهُ إذا ما رمى *** سهمٌ كوقعِ المُنزَلِ الوابلِ
يا راعدَ الثار على خصمه *** مغاضباَ كصيحة الصاهلِ
ولأن الشاعر نثر ورود روضته التقريظية على ساحل بحر جود الإله يبغي الهدية من أصحاب الوسيلة وشفعاء البرية يوم لا ينفع مال ولا بنون، فإنَّ المقرَّض له المحقق الكرباسي قابله ببعض الوفاء قائلاً: إنَّ الرضا كل الرضا فيمن ارتضاه الرضا لم يخفجن وإن كان من خفاجٍ حيث ارتقى في خُلُقه إذ انتضى سيفاً فيما قضى، لا أرى أجراً له إلا عند رب القضا فيما سيأتي وفيما مضى.
الرأي الآخر للدراسات- لندن
*****
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك